2024-11-28 05:40 م

14 مايو المقبل.. نكبة فلسطينية جديدة بغطاء عربي

2018-02-25
هدير محمود
لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية من يوقفها عند حدودها التي تجاوزتها منذ إعلانها في 6 ديسمبر الماضي، اعتبار مدينة القدس المحتلة عاصة للاحتلال الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إليها، فتمادت في تجاوزاتها وممارساتها المجحفة، التي مسّت، ليس فقط المقدسات والأراضي الفلسطينية، بل بمشاعر شعوب الدول العربية والإسلامية كافة، لكن ظل الحكام والقادة العرب يدورون في فلك الإدانة والشجب، لتوجه لهم الإدارة الأمريكية صفعة جديدة، مفادها أنها لا تقيم أي تقدير لمواقفهم الرافضة “على استحياء” القرار الأمريكي، بل وتستهر بمشاعر الشعوب العربية والإسلامية.

المزيد من الغطرسة الأمريكية

نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية، عن مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية، أن واشنطن تخطط لتدشين السفارة الجديدة بعد نقلها إلى القدس المحتلة بدلًا من تل أبيب في 14 مايو المقبل، بالتزامن مع الذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية، وفي الوقت الذي يقيم فيه الكيان الصهيوني احتفالات بمناسبة زرع أقدامه في الأراضي الفلسطينية، وأضافت المصادر أن أحد السيناريوات المطروحة هو نقل السفارة تدريجيًا إلى القدس، بحيث يبدأ السفير عمله من مكتب مع لافتة رسمية تحمل اسم السفارة الأمريكية، ويضم طاقمًا مصغرًا من الموظفين، وعلى أن توضع اللافتة يوم 14 مايو.


في السياق نفسه، تناقش الإدارة الأمريكية تمويل بناء السفارة بأموال تبرعات من الملياردير اليهودي الأمريكي، شيلدون إديلسون، حيث أكدت مصادر في البيت الأبيض، أن إديلسون اقترح المساهمة في تمويل السفارة الجديدة التي تعتزم الإدارة الأمريكية إقامتها في القدس، ما يُعد تغييرًا جذريًا في سياسة الولايات المتحدة التي اعتادت تمويل مؤسساتها الدبلوماسية بنفسها، من دون الحصول على تبرعات من أشخاص.

نكبة جديدة بغطاء عربي

الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لم يخفِ يومًا مشاعره الحاقدة والعدائية تجاه الدول العربية والإسلامية، وعنصريته التي وصلت إلى حد غير مسبوق من رئيس أمريكي على مر التاريخ، إلا أن العديد من حكام وقادة وأمراء وملوك الدول العربية والإسلامية، أصبحوا يتصارعون لنيل ثقة وكسب رضا الرئيس المتصهين، وبعد القرار الذي اتخذه في 6 ديسمبر الماضي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وجد حلفاء ترامب أنفسهم في موقف حرج ما بين الاستمرار في تأييدهم لشريكهم القوي، أو مراعاة مشاعر شعوبهم المعادية لإسرائيل، لكن الرئيس الأمريكي جزّم بأن “الغضب العربي والإسلامي تجاه قراره سيستمر لبضعة أيام ثم سُرعان ما يتراجع، وتعود الأُمور إلى وضعها الطَّبيعي”، وهو ما حدث بالفعل.


عادت المياه إلى مجاريها، وعادت جولات المسؤولين الأمريكيين إلى الدول العربية التي فتحت أبوابها على مصراعيها ترحيبًا بهؤلاء المبعوثين الذين يحملون رسائل حقد وكراهية للشعوب العربية ومستقبل دول الشرق الأوسط ككل، وعاد رئيس السلطة الفلسطينية ليخفض لهجته ويتراجع عن قراراته التي مثلت قنبلة صوتية لا قيمه لها، ويتحدث مجددًا عن “طاولة المفاوضات” و”محادثات السلام” و”وسيط نزيه”، وها هي الحكومة الأردنية تشيد بأمريكا كوسيط لا غنى عنه في المفاوضات، وتُعيد فتح السفارة الإسرائيلية على أراضيها، ومصر تعقد صفقة غاز القرن مع الاحتلال بقيمة 15 مليار دولار، وهو ما وصفه كيان الاحتلال بأنه “يوم عيد”، ووزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، يصف حركات المقاومة الفلسطينية بالإرهابية المُخربة المتطرفة، ويُقر بإيران العدو الأول والأكبر لبلاده، غافلًا وجود ورم سرطاني خبيث يتفشى في قوام المنطقة العربية، لتتلقى جميع الدول العربية صفعة جديدة من الإدارة الأمريكية، مفادها أن واشنطن لن تقيم أهمية لمواقف العرب الرافضين للقرار السابق والحالي.

تحركات شكلية وخذلان جديد

ما أشبة الليلة بالبارحة، فعلى غرار التحركات الشكلية التي أقدمت عليها بعض الدول العربية عقب إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، والمؤتمرات والاجتماعات التي تمخضت عنها قرارات وبيانات لم تأتِ بجديد، بل زادت منسوب الخذلان والهوان العربي، وفضحت حقيقة الاستهتار بالقضية الفلسطينية والانقسام الذي بات يضرب بجذوره في أعماق الدول العربية والإسلامية، تحركت القاهرة أمس السبت، مُعلنة عقد اجتماع عربي أوروبي على مستوى وزراء الخارجية، غدًا الإثنين في بروكسل؛ لبحث تداعيات قرار واشنطن بشأن القدس المحتلة وسبل إحياء المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأوضحت وزارة الخارجية في بيان أنّ الاجتماع سيضم وزراء خارجية اللجنة السداسية العربية المكونة من وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وفلسطين، إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، بالإضافة إلى نظرائهم من دول في الاتحاد الأوروبي، على أن يُعقد بمقر مفوضية الاتحاد بالعاصمة البلجيكية.

غضب فلسطيني

القرار الأمريكي أثار غضب الفصائل الفلسطينية، وهو ما ظهر في دعوة حركة حماس الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والشتات، إلى النفير العام يوم 14 مايو المقبل، لـ”الذود عن حقنا الثابت في أرضنا فلسطين وعاصمتها الأبدية القدس”، وأضافت الحركة في بيانٍ لها بـ”رفض القرار قولًا وعملًا وفي كل المحافل وبكل الوسائل”، كما دعت الحركة إلى توحيد كل الجهود والخروج في مسيرات الرفض الحاشدة، ومسيرات العودة إلى فلسطين المحتلة، وبتسعير لهيب الانتفاضة والمقاومة للاحتلال الصهيوني، وطالبت دائرة القدس، جماهير الأمة العربية والإسلامية بالخروج في المسيرات الغاضبة والحاشدة والاعتصامات، وأمام جميع سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في جميع العواصم حتى تغيير قراراتها الظالمة المنحازة للعدو الصهيوني ومخططاته، فيما طالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان، بالوقوف بحزم في وجه القرارات الأمريكية الظالمة التي اتخذتها على حساب صاحب الأرض الحقيقي.

من جانبها، أكدت الجبهة الشعبيه لتحرير فلسطين أن “نكبتنا الثانيه ليست بقرار ترامب حول القدس بل باستمرار الرهان على المفاوضات مع العدو”، مضيفة أنه “بتحرير منظمة التحرير من أثقال أوسلو والعودة إلى برنامج الكفاح المسلح نرد على صفقات وصفعات ترامب”.


بدورها، أدانت حركة الجهاد الإسلامي القرار الأمريكي، وأكدت في بيان لها، أنه إمعان في العدوان على الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين بشكل عام، واصفة إياه بـ”باطل وغير شرعي”، ودليل على الدور الأمريكي في تهديد وضرب الأمن والاستقرار ودعم الاٍرهاب الذي تمارسه سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وأن اتخاذ ذكرى النكبة التي تعد أبشع جرائم العصر موعدًا لتنفيذ القرار الباطل، مكافأة للصهيونية على جرائمها وإرهابها، وأوضح بيان الحركة، أن الشعب الفلسطيني سيتصدى لهذا القرار الذي يأتي ضمن مؤامرة صهيوأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، وستكون الإرادة الوطنية الفلسطينية أشد ثباتًا وأمضى عزيمة في مواجهة هذه المؤامرة.

السلطة الفلسطينية التي كانت ولا تزال تلهث وراء ما تسميه الحل السياسي والعودة إلى طاولة المفاوضات، وتتباهي بالسير على نهج العملية السياسية رافضة الكفاح المسلح دفاعًا عن أراضيها، وهو الموقف الذي جددت التأكيد عليه خلال الخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في اجتماع مجلس الأمن الدولي قبل خمسة أيام، خرجت أيضًا لتتباكى على القرار الأمريكي، حيث أدانت خطة واشنطن نقل سفارتها لدى كيان الاحتلال من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واصفه إياها بأنها “تشكل مساسًا بهوية الشعب الفلسطيني ووجوده”، حيث قال المتحدث باسم الحكومة، يوسف المحمود: “الخطوة والتوقيت الذي تم اختياره لتنفيذها يشكلان مساسًا بهوية شعبنا العربي الفلسطيني ووجوده، ومساسًا مباشرًا ومتعمدًا بمشاعر أبناء شعبنا وأمتنا العربية”، وطالب المتحدث دول العالم برفض الخطوات الأمريكية الإسرائيلية، ودعم رؤية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للسلام.