بقلم: طلال سلمان
هل انتهى زمن الثورات في الوطن العربي كنتيجة منطقية لسيادة مناخ الانكسار أمام الهيمنة الأميركية والتفوق العسكري الإسرائيلي وانتعاش "القُطرية" في ظل أنظمة عسكرية لا تعرف الا لهجة الأمر التي تتناقض مع الحلم بمستقبل أفضل؟
وتاريخ الانقلابات العسكرية في الأقطار العربية لا يبقي ذلك الشعور بالارتياح عند قيام بعض الضباط بالسيطرة على مواقع السلطة وتعطيل الدستور بالبلاغ الرقم واحد وإعلان الاحكام العرفية، وتفويض "القائد"، الذي سيغدو "معلماً"، صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء والمجلس النيابي جميعاً، "حتى اشعار آخر" قد يمتد حتى يقضي الله امراً كان مفعولا!
قد يكون الاستثناء الوحيد في هذا السياق مشروع الثورة الذي بدأ انقلاباً عسكرياً في مصر، في 23 تموز / يوليو1952، ثم تحول بالفكر والصراع مع الذات ومع القوة السياسية القائمة آنذاك إلى مشروع ثورة، رعت في هذا التحول التطورات والتصرفات العدائية التي بلغت ذروتها مع "العدوان الثلاثي على مصر" في خريف 1956، والتي انتهت مع التفاف الجماهير حول قيادة جمال عبد الناصر، ليس في مصر وحدها بل على امتداد الوطن العربي "من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر.. لبيك عبد الناصر..".
بعد ذلك توالت الانقلابات العسكرية والانتفاضات الثورية في البلاد العربية:
1- اعلان الوحدة بإقامة الجمهورية العربية المتحدة باندماج سوريا مع مصر في "دولة تصادق ولا تعادي، تشد ازر الصديق وترد كيد العدو".. وهي لم تستطع الصمود في وجه التحديات والمؤامرات العربية - اضافة إلى الخلل البنيوي نتيجة التسرع في إعلانها - لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، ثم كان "الانفصال" الذي ضرب أول مشروع وحدوي في العصر الحديث لتعود الرايات القطرية وحدها ترفرف في أربع رياح الوطن العربي..
2- الانقلاب العسكري بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، مع العقيد عبد السلام عارف، في 14 تموز 1958 في العراق، والذي أنهى الحكم الملكي بشخص الملك فيصل الثاني ابن الملك غازي ابن الملك فيصل الاول، ابن الشريف حسين مطلق الرصاصة الأولى لإعلان "الثورة العربية الكبرى" على السلطنة العثمانية ( وهي الثورة التي كان رمزها "لورنس" الضابط البريطاني ).. قبل أن تنتهي تلك "الثورة" بتقاسم اقطار المشرق العربي (لبنان وفلسطين وسوريا والعراق) بين فرنسا وبريطانيا (لبنان بعد ضم الاقضية الاربعة - أي بيروت وطرابلس مع الشمال، والبقاع والجنوب، وسوريا - لفرنسا، وفلسطين مع امارة شرقي الاردن التي اقتطعت من سوريا).
3- أما فلسطين فقد فُرض عليها الانتداب البريطاني تنفيذاً لمعاهدة سايكس - بيكو، مع استذكار وعد بلفور بإقامة "الوطن القومي ليهود العالم" فوق أرضها. ولقد ناضل الشعب الفلسطيني طويلاً، وغالباً باللحم الحي، في حين كانت العصابات الاسرائيلية (هاغانا وشتيرن) تحصل على بواخر السلاح من اوروبا، والدعم المالي من الولايات المتحدة، أما الدعم السياسي بعد اقامة دولة اسرائيل فقد تزاحم على تقديمه الاتحاد السوفياتي مع أميركا.. في حين تخلى الجميع عن فلسطين.. اللهم الا الجيش المصري الضعيف، عدة وعدداً، والمزود بالسلاح الفاسد (يا ربي تيجي في عينه) والجيش السوري الذي كانت دولة الاستقلال قد باشرت بناءه بإمكاناتها الضعيفة (وان عززه المتطوعون الذين كان بينهم قيادات سياسية وحزبية ومفكرون الخ..).
.. ثم توالت المشاريع الاستعمارية بصيغة احلاف بين الغرب الاقوى والدول العربية الأضعف: مشروع ايزنهاور، حلف بغداد، مشروع الشرق الاوسط الجديد، مشروع الدفاع المشترك..
.. وها نحن الآن أمام "مشروع القرن" الذي أبدعه الرئيس الاميركي ترامب وكلف صهره كوشنر ( اليهودي – الصهيوني) بتسويقه والترويج له كما فعل في اجتماع البحرين تحت عنوان "صفقة القرن"..
أي أن المستقبل العربي رهينة "صفقة القرن" التي عقد كوشنر المؤتمر التمهيدي لإعلانها والترويج لها في البحرين، بحضور لفيف من مشايخ النفط العربي ونائب وزير مالية مصر أحمد كوجك وغياب فلسطين، طبعاً، ومعها سوريا ولبنان وبلاد المغرب العربي.
على أن الأمة ولادّة... وها هي طلائع ثورات الاحتجاج والرفض تنطلق من بلاد ثورة المليون شهيد (الجزائر)، التي خلعت حكم الرئيس المشلول عبد العزيز بوتفليقة، وما تزال جماهيرها في الشارع ترفض حكم العسكر وتطالب بحياة ديمقراطية طبيعية.
كذلك فإن ثورة شعبية رائعة قد انطلقت في السودان فملأت الشوارع بملايين المحتجين على الحكم الفاسد والطويل للدكتاتور حسن البشير.. وهي ماضية في طريقها برغم التآمر الخليجي عليها (الامارات ومعها السعودية)..
وقد نجحت المساومات مؤخراً في تشكيل قيادة مشتركة من الجيش والثوار لإقامة نظام ديمقراطي جديد في هذه البلاد الغنية بمواردها الطبيعية وبنيليها (الابيض والازرق).. والتي نجح التواطؤ بين الدكتاتورية والاستعمار في تمزيق وحدتها (انفصال جنوب السودان في دويلة مستقلة وفقيرة).
المستقبل لحركة الشعوب لتتولى زمام الأمور في بلادها، مهما طال الزمن.. وان غداً لناظره قريب.. والأمل أن نكون على مقربة من الفجر العربي الجديد، بالثورة وليس الا بها.
السفير العربي