بقلم: علي عز الدين
إنّ رفض ليبيا وسورية للمبادرات العربية (الغربية) الصادرة من جامعة الدول العربية أدّى إلى تعليق عضويتهما وفقدان المقعدين للدولتين، السبب المعلن غير السبب الخفي، أن ترضخ ليبيا وسورية لمطالب التخريب والإجرام المدعومين من أميركا و»إسرائيل» وأدواتهما من بعض دول الخليج، لـ «الربيع العربي» المزعوم، وتسليم البلاد والمقدّرات لعصابات النصرة وداعش في سبيل إنهاء آخر قلعة صامدة بوجه الاستكبار العالمي الأميركي الصهيوني…
في عام 1979، وقّع النظام المصري آنذاك معاهدة سلام مع الكيان «الإسرائيلي»، هبّت جامعة الدول العربية لتجميد عضوية مصر زهاء ثماني سنوات ونيّف ونقلت مركز الجامعة إلى تونس، حدث أن عادت مصر ولم تُلغ معاهدتها مع الكيان «الإسرائيلي»!
هل قلتُ اسمها جامعة الدول العربية؟ وهي تأسّست من بنات أفكار وزير خارجية دولة الاستعمار الأكبر في عام 1941، (أنتوني إيدن)، وأقتبس من خطابه «إنّ العالم العربي يتطلع لتأييدنا في مساعيه الرامية إلى التوحد، ولا ينبغي أن نغفل عن هذا الطلب من جانب أصدقائنا»، أصبح العرب بلمسة سحرية أصدقاء المُستعمِر، وصار ان جدّد بعد عامين خطابه لكن بصرامة أوضح «إنّ الحكومة البريطانية تنظر بمودة وعطف إلى كلّ حركة عربية تحقق الوحدة الاقتصادية والثقافية والسياسية…
إذاً، فكرة تأسيس هذه الجامعة كانت من بذور أجنبية وذلك قبل اجتماع رؤساء وزراء الدول المؤسّسة، مصر وسورية ولبنان…
إنّ تشرذم العرب في العصر الحديث جعل الجامعة موضع تندّر وسخرية لضعف أدائها وعدم تأثيرها بأيّ قضية في مجال السياسات الكبرى العربية والعالمية…
شجب، استنكر، ندّد وكثير من المصطلحات المشابهة تكاد تكون الأكثر استعمالاً في البيانات الحاسمة والنهائية كنتيجة الاجتماعات الطارئة لجامعة الدول العربية، وهذه لها وقع السخرية لدى الشعوب العربية.
المادة الثامنة في الميثاق بالنص الواضح، احترام نظام الحكم القائم لدى الدول الأعضاء، وتتعهّد باقي الدول بألا تقوم بأيّ عمل يرمي إلى تغيير أيّ نظام لأيّ دولة فيها، وهذا لم يُحترم بالحالة الليبية وسورية ولاحقاً اليمن، فكيف لهذا الميثاق أن يصمد أو أن يُخفي هيمنة السعودية وقطر على مقرّرات الجامعة الضعيفة، في ظلّ غياب مصر، وانشغال العراق والجزائر بالمشاكل الداخلية؟؟
اثنان وعشرون دولة، بينها من لا يتكلم العربية (جيبوتي والصومال)، التخريجة كانت أنّ الشعب فيهما عربي، في المقابل انّ لغة تشاد هي العربية لكنها ليست عضواً في الجامعة، السبب الخفي لهذه التصنيفات هو فتح الطريق أمام الكيان «الإسرائيلي» في المستقبل كي ينضمّ للجامعة العربية على قاعدة أنّ من يسكن الأراضي المحتلة يتكلمون العربية، وهذا ما يُراد منه تباعاً بعد التطبيع العلني وتبادل السفارات وإدخال العدو «الإسرائيلي» في منظومة الاقتصاد بعض دول الخليج.
لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفضّ المنازعات بين دولتين من دول الجامعة (عاصفة الحزم)، كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضرّ بسياسة الجامعة (محاولة السيطرة على الجمهورية العربية السورية)، أو أيّ دولة من دولها… المادة الرابعة من بروتوكول الاسكندرية.
هيمنة السعودية وانصياع باقي الدول العربية لعدم جديتها أو لعدم وجود حافز مشجع، يُشبه نوعاً ما، عنوان كتاب فرانتز فانون، جلد أسود وأقنعة بيضاء، فكيف تكون عضوية فلسطين حاضرة منذ تأسيس الجامعة ومن ثم يأتي الاقتراح السعودي في قمة بيروت 2002، بطرح مبادرة السلام العربية لإنهاء الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، العنوان الأبرز لهذه المبادرة كان التطبيع مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة ولم يحدّدها بشكل جلي، ثم يُلحق بالشروط أن تعترف «إسرائيل» بدولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة مع عاصمة لها هي القدس الشرقية. إنّ هذه المبادرة كما كلّ الاتفاقات مع العرب لا تساوي الورق الذي كُتبت عليه كان هذا جزء من خطاب السفّاح شارون، بردّه على المبادرات العربية للاستسلام.
في تشرين الثاني 2011 خرجت جامعة الدول العربية من سورية وليس العكس، فكيف لحرب كونية على بلد عربي ينال رضى بعض الدول العربية، وكيف لعصابات النّصرة وداعش أن تُموّل خليجياً وأن تُدرّب أميركياً في بعض دول الجوار، في ظلّ احتضار مبادئ التأسيسية لهذه المنظمة المتهالكة؟
دعم مجلس الجامعة العربية العدوان الأميركي «الإسرائيلي» السعودي الإماراتي على دولة عربية، يمنية، لأنها رفضت الهيمنة الاستكبارية على شعبها، والهيمنة الاقتصادية على مقدراتها، ومحاولة سلب إرادة الشعب اليمني، وللمفارقة أثناء كتابة مواثيق جامعة الدول العربية وفي ظلّ عدم حضور الجانب السعودي، كان اليمن موجوداً بصفة مُراقب.
لنُعدّد القرارات، دعم الحكومة اليمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي بمعزل أين يُقيم ومدى تأثيره الفعلي في الحياة السياسية اليمنية تحت عنوان المبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن 2216 والقرارات الدولية، رغم التدمير الممنهج للآلة العسكرية السعودية والتي تفتك يومياً بالحجر والبشر من الأطفال والنساء من الجو والبحر عبر الحصار الجائر وتتالي هزائم الجيش السعودي ومرتزقته في كلّ الجبهات ما زالت العنجهية السعودية مستمرة وموغلة في الدم اليمني مع دعم أميركي وسياسي عربي عبر ما تبقى من تابعين في جامعة الدول العربية.
في الحرب الأخيرة على غزة وعملية سيف القدس والنتائج المترتبة على ذلك، ورفض الشعب الفلسطيني رؤية هرولة الدول العربية للتطبيع مع الاحتلال، والذي ظهر هشاً وضعيفاً أمام قوة المقاومة الفلسطينية المتعاظمة والمنخرطة تحت راية محور المقاومة والممانعة، فلا بُدّ أن يُصار إلى التفكير جدياً بمدى جدوى وجود جامعة الدول العربية، والسعي لإيجاد منظمة شاملة لكلّ دول التحرر من التبعية الاستكبارية العالمية الأميركية والغربية، والعمل على وضع ميثاق شرف مقاوم ممانع يرفض الإملاءات الاستعلائية والسطو على إرادة الشعوب ومقدراتها، لتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة وإزالة «إسرائيل» وداعميها من الخارطة العربية المُقدسة…
*كاتب وباحث سياسي
المصدر: جريدة البناء