2024-11-26 12:40 ص

«البقعة الزرقاء» في المخ.. هل وجد العلماء مفتاح لغز الإصابة بالزهايمر؟

2022-01-14

عادة ما يكون كبار السن الدعم النفسي لأبنائهم وأحفادهم؛ إذ غالبًا ما يبحث الإنسان عن القرارات السليمة أو الآراء الحكيمة عند الجدود أو الوالدين المتقدمين في العمر، الذين ينقلون للأجيال الجديدة حكمة السنين التي عاشوها والخبرات التي مروا بها.

ثم جاء مرض «الزهايمر» ووقف عائقًا بين الأحفاد ومتعة اللجوء والارتكان لحكمة الأجداد، وأصبحت الأجيال الجديدة تشاهد أباءها وجدودها وهم لا يتذكرون شيئًا عن أنفسهم أو عن أقاربهم أو عن حياتهم السابقة، ويتحولون في لحظة إلى أطفال تائهين لا يعرفون هويتهم أو مكانهم.

ربما نتذكر الصور التي جرى تداولها من حفلة عيد الميلاد الأخيرة للكاتب العالمي الكبير، جابريل جارثيا ماركيث، في مارس (آذار) 2014، والذي كان يجلس خلالها ينظر إلى من حوله بذهول وهو لا يستطيع تمييز معظمهم؛ حتى إنه سأل الحضور متعجبًا من وقوف الصحافيين والمصورين أمام باب بيته، كي يحظوا بتحيته: «لماذا كل هذه الضجة؟».

الزهايمر مرض قاس ومؤلم للغاية، ولذلك لا تتوقف الجهود العلمية عن محاولات البحث عن علاج له، في هذا التقرير نشرح لك آخر تلك الجهود والتي تخص «البقعة الزرقاء» في المخ.

ما هي «البقعة الزرقاء»؟
في دراسة نشرت مع في الأيام الأولى من هذا العام 2022 تحت عنوان «How the brain’s blue spot helps us focus our attention» أو «كيف تساعدنا البقعة الزرقاء في الدماغ على تقوية قدرة البشر على التركيز»، حاول العلماء القائمون على هذا البحث دراسة العلاقة بين «البقعة الزرقاء» الموجودة في الدماغ البشري، وذاكرة الإنسان وسبب إصابته بمرض الزهايمر، فما هي البقعة الزرقاء؟

الاسم العلمي لها هو «locus coeruleus» والتي تعني حرفيًّا باللغة اللاتينية «البقعة الزرقاء»، وهي نقطة موجودة بالقرب من البطين الرابع الموجود في مخ الإنسان. ترتبط البقعة الزرقاء بأمراض الشيخوخة ارتباطًا قويًّا؛ إذ تفقد البقعة الزرقاء الكثير من الخلايا العصبية مع تقدم الإنسان في العمر، ما يربطها بمرض الزهايمر الذي يعاني المصابون به من خلل في عدد الخلايا العصبية في البقعة الزرقاء؛ ما جعل العلماء، يشيرون إلى أن فقدان الخلايا العصبية في تلك المنطقة قد يكون مسببًا أساسيًّا لمرض الزهايمر من بين أمراض أخرى، مثل باركنسون.

عثر على «البقعة الزرقاء» للمرة الأولى في أواخر القرن الثامن عشر على يد عالم التشريح الفرنسي «فيلكس فيكدازير» – Félix Vicq d’Azyr– عندما وجد بعض الأنسجة الزرقاء في منطقة البطين الرابع، وأطلق عليهم علميًّا «locus coeruleus» في أوائل القرن التاسع عشر واستقر هذا الاسم في الأوساط العلمية حتى وقتنا هذا، وقد سميت بهذا الاسم بسبب الأنسجة التي يميل لونها للزرقة مقارنة بباقي خلايا المخ.

لم يُعرف وقتها سبب تلون هذه الأنسجة بهذا اللون، حتى النصف الثاني من القرن العشرين، عندما سمحت التقنيات الحديثة في الطب بمعرفة أن اللون الأزرق الموجود في تلك البقعة ناتج من إفرازها صبغة تتكون بسبب التفاعلات الكيميائية في تلك المنطقة تتضمن الناقل العصبي نورإبينفرين أو نورأدرينالين – noradrenaline– والذي يلعب دورًا مهمًّا في العلاقة ما بين مرض الزهايمر والبقعة الزرقاء.

ما دور الناقل العصبي «نورأدرينالين» في أجسادنا؟
بجانب الدور الذي يلعبه «نورإبينفرين» في ضبط ضربات القلب وضخ الدم إلى القلب، وتكسير الدهون وزيادة مستويات السكر في الدم لتوفير المزيد من الطاقة للجسم، فهو له دور مهمًّا في المخ؛ إذ يعمل هذا الهرمون أو الناقل العصبي بصفته عاملًا مساعدًا أساسيًّا للإنسان على ضبط دورة النوم والاستيقاظ، وتحفيز المخ على الانتباه والتركيز أثناء أداء مهمة ما، والأهم هو قدرته على مساعدة المخ في تخزين الذاكرة والمعلومات، كما أنه له علاقة وطيدة بالمشاعر والعواطف.

فالخلل في إفراز نسبة هذا الهرمون قد تصيب الإنسان بالقلق والاكتئاب، وكلما كانت الخلايا قليلة في البقعة الزرقاء في مخ الإنسان، حدث خلل في إفراز هذا الهرمون والناقل العصبي، ولذلك يكون معرضًا للإصابة بفقدان التركيز أو الزهايمر على المدى الطويل، ومن المعروف أن مرضى الزهايمر يعانون من التقلبات المزاجية أيضًا ويصابون بالاكتئاب أو نوبات الهلع؛ وهو أمر مرتبط أيضًا بهذا الناقل العصبي.

انتباه الإنسان وتركيزه أمر متقلب – هكذا يخبرنا العلماء- بعض الأحيان يتشتت انتباهنا وتفلت الأشياء من وعينا، بينما في أوقات أخرى يمكننا بسهولة التركيز على ما هو مهم، تخيل أنك تقود سيارتك في طريقك إلى المنزل بعد يوم عمل؛ ربما تعد قائمة البقالة التي تشتريها لتناول العشاء في ذهنك – فأنت في حالة عدم الانتباه – ومع ذلك، عندما تنطلق سيارة لم تلحظها فجأة يمكنك بسهولة إعادة توجيه انتباهك والاستجابة لهذا الموقف الجديد، لكن كيف ينتقل الدماغ من حالة عدم الانتباه إلى حالة التركيز؟

في الدراسة السابق ذكرها والتي نشرت مع بداية العام الحالي؛ أكد العلماء أن البقعة الزرقاء هي المصدر الرئيسي والأساسي للناقل العصبي «نورإبينفرين»، وأوضحت تلك الدراسة أيضًا الدور المهم الذي تلعبه البقعة الزرقاء في انتقال المخ من حالة عدم الانتباه لحالة الانتباه القصوى، ومن خلال تجميع الأدلة من الدراسات على الحيوانات والبشر، طوَّر العلماء في معهد «ماكس بلانك» للتنمية البشرية وجامعة جنوب كاليفورنيا إطارًا جديدًا من شأنه شرح ووصف الطريقة التي تنظم بها البقعة الزرقاء حساسية دماغنا للمعلومات وطريقة تنظيمها وتذكرها وربطها بعضها ببعض.

هل توفر لنا دراسة البقعة الزرقاء حماية من الزهايمر؟
خلال حالات عدم الانتباه؛ تخضع أدمغة البشر لتقلبات بطيئة وإيقاعية للنشاط العصبي، ووضح مؤلفو الدراسة الحديثة أن متوسط الإيقاعات العصبية للمخ هو 10 هرتز وتسمى ذبذبات ألفا، ووفقًا لحالة الخلايا الموجودة في البقعة الزرقاء وقدرتها على إفراز الناقل العصبي «نورإبينفرين»؛ يتغير تردد تلك الذبذبات، وينقل الإنسان من حالة عدم الانتباه لحالة التركيز.

لكن ما لم تستطع تلك الدراسة الإجابة عنه حتى الآن، هو الآلية التي تسمح لهذا الناقل العصبي بالاندفاع في المخ لنقل الإنسان لحالة قوية من التركيز، وفي حالة فهم تلك الآلية؛ سيكون العلم قادرًا على علاج المخ من أمراض خطيرة مثل الزهايمر، ومن خلال مراقبة مدى قدرات البقعة الزرقاء وكمية الناقل العصبي التي تفرزه؛ يمكن للأطباء أن يتوقعوا إصابة الشخص بالزهايمر في وقت مبكر.

الاهتمام بدراسة البقعة الزرقاء ودورها في التشخيص المبكر وعلاج مرض الزهايمر، لم يبدأ مع الدراسة التي نشرت في بداية 2022، ففي ورقة بحثية نُشرت في نهاية العام 2021 تحت عنوان: «The Brain’s “Blue Spot” May Help Identify Alzheimer’s Earlier» أو «البقعة الزرقاء في المخ قد تساعد في تحديد مرض الزهايمر في وقت مبكر»؛ أكد مؤلفوها أن التغييرات التي تحدث في منطقة البقعة الزرقاء  قد توفر طريقة جديدة للإشارة إلى الانتشار المبكر لمرض الزهايمر في الدماغ.

في العقود الماضية كان من الصعب دراسة تلك البقعة الزرقاء لصغر حجمها، والذي يصل إلى نحو 2 مم سُمكًا، وطول 12 مم، لكن مع تطور أجهزة المسح بالرنين المغناطيسي أصبحت دراسة واكتشاف تلك البقعة أسهل وأيسر على الأطباء والباحثين، وهذا وفقًا لتصريحات هايدي جاكوبس، الأستاذ المساعد في مركز جوردون للتصوير الطبي في مستشفى ماساتشوستس العام وأحد مؤلفي الدراسة لمجلة «Technology Networks».

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية؛ يعد الخرف متلازمة تتسم بحدوث تدهور في الذاكرة والتفكير والسلوك والقدرة على الاضطلاع بالأنشطة اليومية، ويعد مرض الزهايمر أكثر أسباب الخرف شيوعًا، ويترك آثارًا جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية جسيمة، على من يقومون برعاية المرضى وعلى أسر المرضى والمجتمع بأكمله، كما أنه من أهم الأسباب التي تؤدي إلى إصابة المسنين بالعجز وفقدانهم استقلاليتهم في أنحاء العالم.

وهناك نحو 50 مليونًا من المصابين بالخرف، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد ثلاث مرات بحلول عام 2050، لذلك ربما تستطيع الدراسات التي يعمل عليها الباحثون الآن، إنقاذ ما يزيد على 50 مليون شخص بالإضافة إلى أسرهم المتضررة؛ وهذا ما تحمله لنا البقعة الزرقاء من آمال.

(ساسة بوست)