2024-11-27 02:36 ص

لهذا يضرب الوحوش سوريا

2023-02-25

بقلم: نبيه البرجي
يتوارث المثقفون الفرنسيون عن أحد أشهر كتّابهم فولتير، أنه حين قرأ التوراة شعر بالغثيان، متسائلاً ما اذا كان “هؤلاء الملوك ـ الأنبياء مبعوثين من السماء أم أنهم تسللوا من أحد الأبواب الخلفية في جهنم
اذ اعتبر أن مقولة أنبياء يلدون أنبياء منتهى الهرطقة، دعا الى الفصل بين السيد المسيح بعبقرية القلب وعبقرية الروح، وأصحاب “القلوب الميتة” الذين لا يكتفون بقتل كل من هم ليسوا من بني “اسرائيل”، وانما ابادة أطفالهم ودوابهم وحرق حقولهم..

الصحافية الفرنسية الجزائرية نبيلة رمضان كتبت مقالة في الدورية الأميركية “فورين أفيرز” نقلت فيها وصف الفيلسوف الفرنسي لليهود بكونهم “جميعاً ولدوا بقلوب مغلقة، شديدة التعصب، تماماً مثلما ولد البريطانيون والألمان بشعر أشقر”…
الصحافية لاحظت أن أدولف هتلر تأثر كثيراً بالمناقشات الفكرية والتاريخية واللاهوتية التي جرت بين فولتير وملك بروسيا فريديريك الثاني (العظيم). ومن هذه المناقشات صاغ الفوهرر المسار الفلسفي للرايخ الثالث…
من رؤية فولتير للتوراة، نسأل “ماذا تعني الغارة الاسرائيلية على كفرسوسة في دمشق، في حين هز الزلزال الذي ضرب بعض المناطق السورية كل من له قلب في هذا العالم ؟” عادة تتوقف حتى الحروب حين تقع كارثة طبيعية من هذا الحجم في أحدى دول الصراع. لكننا كنا، لدى غارة الأحد، أمام وحوش لا أمام كائنات بشرية!
مساء اليوم ذاته، حاورتني احدى القنوات اللفزيونية من لندن. المحاور اشار الى همجية “الاسرائيليين”، والى رد بعض أهل النظام، وكما جرت العادة بالبيانات، وبمناشدة الأمم المتحدة، وان كانت الشكوى الى الله أفضل بكثير.
سؤاله “لماذا لم يستخدم النظام الأسلحة التي يقتل فيها شعبه للتصدي للغارات”؟ أحاول أن أعرض لبعض أجوبتي عن الأسئلة، مع التأكيد أنني لا أدافع عن أي نظام (كوني غير مطابق للمواصفات)، وانما عن سوريا لقناعتي التامة بأن مصير لبنان مرتبط، كجدلية تاريخية وكجدلية جغرافية، بمصير سوريا…
اقرؤوا سفر اشعيا. هذا ما قاله نبي توراتي (شخصياً لا تعنيني التوراة ولا ملوك التوراة”)… وتزول دمشق من بين المدن، وتصبح ركاماً بين الأنقاض”، في الميتولوجيا اليهودية تحذير من “ذئاب الشمال” الذين يهددون “مملكة يهوه”!

اذاً، المسألة لا تتعلق بالضرورة الاستراتيجية فقط. الضرورة الايديولوجية أيضاً. هذا ما تبتغيه القيادات “الاسرائيلية”، تحويل سوريا الى حطام. وهو ما شارك فيه العرب على امتداد نحو عقد من الزمان، دون أن يتنبهوا الى أن المقصود ليس النظام، وكل نظام زائل، وانما الدولة، وقد دعا زئيف جابوتنسكي الى تقطيع أوصالها منذ قرن بالتمام، والا ظل وعد بلفور على صفيح ساخن.
وقلتُ أن سوريا ضحية حسابات حليفها الروسي، باضطراره الى اعتماد استراتيجية الخطوط المتوازية في الشرق الأوسط منعاً لأي مواجهة كبرى. لهذا ثابر على العلاقات الوطيدة مع “تل أبيب”، وقد باتت الحاجة اليها أكثر الحاحاً في ظل الحرب في أوكرانيا، وتخوف الكرملين من تزويد فولوديمير زيلينسكي بالقبة الحديدية…
لهذا يفترض أن تبقى سوريا عارية أمام الوحوش “الاسرائيلية”، مع الامتناع حتى عن تزويدها بمنظومة “اس. اس ـ 300 “، ودون امكانية للمقارنة بين الطائرات السورية والطائرات “الاسرائيلية”. قائد سلاح الجوي “الاسرائيلي” السابق الجنرال عميكام نوركين وصف الطائرات التي تزود بها روسيا سوريا بـ الطنابر الطائرة”.
لماذا لم يحاول الايرانيون صناعة منظومات صاروخية ضد الأهدف الجوية، وقد مضوا بعيداً في تطوير الصواريخ الباليستية؟ بحسب الخبراء هذه المنظومات تحتاج الى تقنيات معقدة جداً والحصول عليها صعب ومكلف…
لماذا كفرسوسة. الهدف رأس كبير. اذا كان من حزب الله، ما نعلمه أن الحزب، ومنذ اغتيال عماد مغنية في المنطقة ذاتها، لم يعد يوفد الى سوريا أي قيادي على هذا المستوى، خصوصاً مع التخلخل الذي أحدثته الحرب في المنظومة الأمنية السورية، كما أن “الاسرائيليين” لا يجازفون بقتل أي قيادي كبير من الحزب بغارة جوية…
اذا كان المستهدف قيادياً ايرانياً كبيراً، من هو الكبير بعد… قاسم سليماني؟!
المصدر: الديار اللبنانية