بقلم: نبيه البرجي
صحيفة "هاآرتس" وصفتها بـ"عملية سقوط السراويل". سقوط سراويل العرب أم سقوط سراويل "الاسرائيليين"، وقد لاحظنا كيف أن هلع العديد من العرب كاد يفوق بكثير هلع "الاسرائيليين". حقاً، اعترانا الذهول من ردات فعل أنظمة عربية كلما كان هناك من يرفع رؤوسنا، رؤوسنا المطأطئة، الى السماء!
للتو، وعلى طريقة شايلوك (رائعة شكسبير "تاجر البندقية")، سارع بنيامين نتنياهو الى طلب المعونة المالية من الولايات المتحدة، ما يعني وكما لاحظ أكثر من معلق "اسرائيلي" أن الدولة العبرية فقدت دورها (الدور هنا هو مبرر وجودها) كذراع فولاذية لواشنطن في الشرق الأوسط، لتتحول الى "عبء آخر" على عاتقها .
البنتاغون أرسل حاملة الطائرات "يو . اس . جيرالد آر فورد"، ومعها خمس قطع قتالية (وصاروخية)، اضافة الى أسراب الطائرات، ومنها طائرات "اف ـ 35"، الى المنطقة لحماية "اسرائيل" أم لحماية العرب؟
ما يستشف من تعليقات الصحف الأميركية الكبرى، أن ادارة جو بايدن التي بدأت تواجه متاعب داخلية، لا سيما في الكونغرس، حول التداعيات الكارثية للحرب في أوكرانيا (الحرب التي من دون أفق) تتوجس من أي انفجار يؤثر بشكل دراماتيكي على مجرى الصراع، ان في الشرق الأوروبي، أو في الشرق الآسيوي، حيث المنافسة الأبوكاليبتية على ادارة الكرة الأرضية ...
بالتأكيد الأميركيون خائفون من أن تتوسع الحرب، ليس فقط تفادياً لبلوغ "الهيستيريا الاسرائيلية" حد توجيه ضربة أو ضربات نووية الى ايران ـ وهذا هو الحلم التلمودي لدى الائتلاف الحالي ـ وانما أيضاً لأنها تدرك أن أي حرب تندلع ستكون حتماً خارج السيطرة، ويمكن أن تؤدي الى تغيير كلي في المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط. وهذا ما يراهن عليه الروس والصينيون والايرانيون الذين لن يقفوا بطبيعة الحال مكتوفي الأيدي.
لا شك أن "اسرائيل" تلقت ضربة هائلة على الرأس. بصوت عال، قال ريتشارد هاس "نحن مَن جعل هذه المنطقة نقطة ضعفنا، لأننا منعنا أي دولة أن تكون قادرة على الصمود فوق خط الزلازل. أي نوع من الزلازل الآن؟
أسئلة "وجودية" طرحها كبار المحللين والمؤرخين، مثل آفي شاليط الذي دعا الى اعادة النظر بالصهيونية (!!) أي بالبنية الايديولوجية أو الفلسفية للدولة، مشدداً على الانسحاب الفوري من الضفة وفك الحصار عن غزة، والا أحداً لا يدري أين تكون الضربة الثانية، وربما الضربة الأخيرة.
تجربة السبت أثبتت أن "اسرائيل" لم تعد "القلعة المنيعة التي يقف يهوه على بابها"، كما يرى ايتامار بن غفير. الدولة العبرية أمام أيام مجنونة. الديبلوماسي الأميركي المخضرم مارتن انديك تحدث عن أيام مجنونة في الشرق الأوسط، سائلاً "أي مصير ينتظر حلفاءنا العرب" ؟" خطوات أخرى وأكثر دينامية نحو التطبيع"؟
عملية "طوفان الأقصى" هزت الكثير من الرؤوس في المنطقة بعدما بلغ الظن بالبعض أن القضية الفلسطينية قد ماتت، وما يحدث الآن من مواجهات لا يعدو كونه "الزفرات الأخيرة" . باختصار، الظن بأن ما من قوة تستطيع وقف المسار التوراتي (ميثاق ابراهيم).
ثمة اصوات ترتفع داخل أحزاب اليمين لشن حرب كاسحة ضد كل الدول والقوى التي تشكل تهديداً آنياً أو مستقبلياً "لاسرائيل"، و"قبل أن يتفاقم هذا الوضع أكثر فأكثر" . ماري ريغيف، العسكرية السابقة التي شغلت أكثر من حقيبة وزارية، وهي عضو في "الكنيست" عن الليكود، قالت "اما أن نرحل نحن أو أن يرحل الفلسطينيون".
بالطبع، يفترض أن يحدث ذلك دون اي رهان على ظروف اقليمية أو دولية، محددة "لا انتظار عند باب المقبرة". ترحيل الفلسطينيين، بمن فيهم فلسطينيو الخط الأخضر الى لبنان وسوريا وحتى الى العراق . بفظاظة قالت "لا نريد نبوخذنصر آخر، ولا هتلر آخر"، لتشير "لم يعد هناك قورش في بلاد فارس بل آيات الله" .
الكلام الذي يصدر عن أهل اليمين بكل أجنحته، وفي هذا الوقت بالذات، ألا يعني الى أي مدى انتهى العمى الايديولوجي والعمى الاستراتيجي داخل القيادة العسكرية والقيادة السياسية "الاسرائيلية"؟
عن صحيفة الديار