بقلم: نادية حرحش
تتوالى الأيام لتصبح شهوراً للعدوان الغاشم على غزة وعلى المدن الفلسطينية المتفرقة. ما من أفق لوقف إطلاق نار أو تهدئة شاملة، فالحرب تعطي لحكومة إسرائيل المتمثلة بنتانياهو وأعوانه فرصة للبقاء بحكم لا بد ان تكون نهايته مليئة بالمحاسبة من جهة، وما من حل لمسألة غزة بعد الحرب تقبل به إسرائيل وأعوانها وتُخضع به الفلسطينيين من جهة أخرى.
يبدو الحوار الدائر عند البحث عن حلول غير متعلق بالفلسطينيين بقدر ما هو متعلق بما تريده إسرائيل. إسرائيل لا تريد البقاء في غزة ولا تريد الخروج منها حتى التأكد من أن خطر حماس العسكري سيزول. ولهذا يبدو بقاء إسرائيل مع هذا الشرط طويل الأمد. إسرائيل كذلك لا تريد حكومة تحكمها حماس بالعموم، ونتانياهو يشدد انه لن يقبل بحكومة لحماس او لفتح. إسرائيل كذلك لن تقبل بقوى أممية تحد من قدرتها على التدخل متى شاءت في غزة.
من الواضح الآن وقد شارفت الحرب على ايامها الثمانين، ان الدمار الذي الحقته إسرائيل في غزة سيتطلب سنوات من إعادة الاعمار، ولهذا تحاول إسرائيل ان تبقي على وجودها العسكري بدون دفع ثمن احتلالها لغزة. فلقد نعمت إسرائيل منذ أوسلو بكيان فلسطيني تحت الاحتلال بلا تكلفة.
بينما يتساءل الجميع عما تريده إسرائيل، يقف الفلسطيني متفرجاً منتظراً الحلول القادمة بين رفض لكل ما يمثل السلطة بشكلها الحالي. وشكلها الحالي أصبح ممثلا بشخص الرئيس من جهة وفتح كفصيل من جهة أخرى. استطلاعات الرأي الأخيرة برهان واضح لبوصلة الشارع الفلسطيني.
من يعول على حل بدون حماس يكون واهما، ومن يعول على حل بحماس وحدها يكون كذلك واهما. ومن يعوّل على حل لا يشمل مختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني، فإنه من الناحية الفعلية ينتمي الى فصيل ينادي لتشكيله نتانياهو وأعوانه من الأمريكيين منذ اللحظات الأولى للعدوان. منذ أيام وتغلي مسألة جديدة، يبدو ان أصحابها يظنون انهم يستطيعون تقديم أنفسهم كحل يرضي إسرائيل وأمريكا (هم بالتأكيد نتاج ترتيب امريكي إسرائيلي بجدارة) وهو فكرة “إدارة مؤقتة” في غزة معزل عن الضفة الغربية.
أي عاقل يتعلم من التاريخ، يعرف ما جرى في العراق والجلبي، ومن قبلها لحْد في لبنان، وكارزاي في أفغانستان. يمكن فهم انّ أمريكا وأعوانها لا يستطيعون إلا التفكير بنفس الآليات والطريقة. بالنّسبة لهم، هناك وصفة للشرق يقدّمونها ويطبقونها كما هي بأشخاص جدد حسب الحاجة. ولكن يبدو ان المأساة ليست في أمريكا، ولكن في العرب، وهنا في الفلسطينيين الذين يمكن أن يفكروا أن يُقدموا على هذه الخطوة.
فكرة تشكيل ” إدارة مؤقتة” في غزة تحت شعار “لا عباس ولا حماس” هي فكرة مقيتة تحمل الكثير من الخبث في طيّاتها.
ما حصل ويحصل في غزة يتطلب فعلاً وطنياًّ وحدويّاً، اذ يجب ان تكون كل من حماس وفتح وباقي الفصائل على قدر المسؤولية تجاه ما ألمّ ويلمّ بهذا الشعب من دمار وقتل وتنكيل لم تكن تستطيع إسرائيل ان تتمكن منّا لو لم تكن الفرقة هي ما قصم ظهر هذا الشعب.
يجب أن تتوحّد أصواتنا وقوّتنا من أجل أن نجتمع كشعب تحت كيان يجمعنا، لا تحت كيان جديد يختلقه الاحتلال ليتخلص من جريمته في غزة ويرمي المسؤولية على العالم لإعادة إعمار ما تم تدميره وتخريبه عن طريق إدارة فلسطينية تابعة له وتسيّر أعماله في تنسيق أمني جغرافي جديد.
نحن بحاجة الى لملمة الكل الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية قبل فوات الأوان بم يجعل من غزة فرع تنسيق أمني بالإضافة الى فرع التنسيق الأمني القائم في الضفة.
أفهم حالة الغضب الشعبي من منظمة التحرير الفلسطينية التي تم اختطافها لفئة على حساب الشعب. ولكن الفرصة لا تزال قائمة لأن نصلح هذا البيت ونجعله جامعاً حاضناً لنا بكافة أطياف وفصائل هذا الشعب من فتح وحماس وغيرها. ولطالما تتالت النداءات على رئيس السلطة والمنظمة ليمضي قدماً بهذا الفعل الوحدويّ لعلّه يحسن ختامه. كما وجّهت نداءات متكرّرة كذلك لمسؤولي حماس علهم يوحدون الشعب وسط تعاظم الدعم الشعبي لحركتهم. في كل مرة كانت هذه الدعوات تواجه بالرفض او العزوف وكأن الوحدة امر مستحيل، تارة لاعتبار الناس ان لا فرق بين السلطة والمنظمة، وعليه لا يريد أحد ان تمثله هذه السلطة، وتارة لتحسب الناس المسبق ان إسرائيل سترفض.
وهنا لا بدّ من تكرار القول من جديد، بأنّ الشأن الفلسطيني الداخلي يجب ان يكون شأناً فلسطينياً خالصاً. ربّما نحتاج لدعم الدول العربية لرعاية هكذا إصلاح للبيت الفلسطيني لتسهيل هذه المهمة. وسواء رفضت إسرائيل أو رضيت فهذا ليس شأننا. لا اعرف كيف لنا ان نصبو الى التحرر من إسرائيل بينما نحسب حساب إسرائيل بما ستقبله أو سترفضه بإدارة شؤوننا الداخلية.
بالتأكيد إسرائيل لا تريد وحدة فلسطينية. فإسرائيل لم تستطع ان تتمكن منّا الا بعد أن قسمتنا بين فصيلين وضفة وقطاع.