بقلم: نبيه البرجي
اذا أردتم أن تعلموا كيف «يشتغل» الدماغ العثماني. على الحطب أم على الفحم الحجري؟
رجب طيب اردوغان لم يكن يستسيغ اطلاق لقب «كيسنجر التركي» على وزير خارجيته السابق، وخصمه السياسي الآن، أحمد داود أوغلو.
اذ كان البعض يرى في كيسنجر «ميترنيخ القرن العشرين»، كان الرئيس التركي يحاول دائماً المقارنة، في الدهاء السياسي، بينه وبين تاليران، النجم الآخر في مؤتمر فيينا (1815 )، وكان يلقب بـ«الشيطان الأعرج»!
هنا «الشيطان الغبي» ما دام يسكنه هاجس السلطنة، وما دام يظن أن الطريق الى الباب العالي مفروش بالورود. لا اعتبار للصراعات الدولية المتشابكة حول الشرق الأوسط على أنه الفناء الخلفي... للشرق الأقصى.
هو في سوريا، وفي العراق، وفي قطر، وفي ليبيا. قناعته أن البلدان العربية في طريقها الى التحلل. يعلم أن هناك في واشنطن من يبدون خشيتهم من أن يلامس التنسيق الاستراتيجي بين الصين، بالايديولوجيا الحديدية، وايران، بالايديولوجيا الحديدية، الخط الأحمر. لهذا يرون اعادة تفعيل الدور الاقليمي لتركيا، على أن يدفع ذلك في اتجاه احتواء آيات الله وحلفائهم في المنطقة.
هذا يستدعي اقامة قنوات، أو علاقات، سرية، بين اسطنبول واورشليم، وهو ما يحدث وراء الضوء، وبرعاية مباشرة من دونالد ترامب الذي قد يكون هناك من استعاد أمامه السيناريو الخاص بإقامة كوندومينيوم (حكم ثنائي) تركي ـ «اسرائيلي» في الشرق الأوسط.
محلل سياسي تركي صديق يكشف لنا ما يجول في رأس الرئيس التركي الذي يتحدث، علناً، عن ترهل الأنظمة العربية وتآكلها. المشكلة ألا بديل داخلي لأي من تلك الأنظمة بسبب التصدعات القبلية، والطائفية، والاتنية، وبسبب غياب المؤسسات التي يفترض أن تتفاعل مع المسار الديناميكي للقرن.
مثل الشاه محمد رضا بهلوي، رجب طيب اردوغان يزدري العرب. يرى فيهم بقايا قبلية أبدلت الخيم التي كانت تصنع من شعر الماعز، أو من وبر الابل، بالخيم الزجاجية التي تبدو، للوهلة الأولى، أبراجاً شاهقة بمعمارية فذة...
الأميركيون لم يكتفوا بإعطاء الضوء الأخضر الى الرئيس التركي ليخترق الأوقيانوس العربي. وضعوا فتح الله غولن في ما يشبه الاقامة الجبرية بعدما كان الشبح الذي يتجول داخل ملابس اردوغان.
بحسب المحلل السياسي التركي، اردوغان يشارك الأميركيين رأيهم في أن حرب اليمن حولت السعودية وايران الى رهينتين في قبضة الولايات المتحدة. الدولتان تستنزفان على نحو تراجيدي. لن تعودا من هناك الا بيدين ملطختين، وان كان يعتبر أن البنية الايديولوجية لايران تجعلها أكثر قابلية لتحمل التداعيات الكارثية للحرب.
كل ما يحدث على المسرح يشير بأن أردوغان واثق من أنه سيرث كل الأنظمة العربية التي تتقهقر أكثر فأكثر. دول المشرق العربي ساقطة بفعل جدلية الأزمنة، كما رأى المعلق الانكليزي ديفيد هيرست (وهذا ما قاله لنا شخصياً)، دون أن يجد نقطة ضوء في هذه المتاهة.
أما مصر التي كان يفترض أن تشكل، بطريقة أو بأخرى، بوابة الخلاص، فهي في حالة لا معقولة من التراخي السياسي، والعسكري. بضعة آلاف، والأرجح بضع مئات، من الاسلاميين، يستنزفون جيشاً يفوق عديده النصف مليون جندي، ويمتلك آلاف الطائرات، والدبابات، والصواريخ، في منطقة تكاد تخلو من التضاريس الطبيعية والبشرية.
ايضاً المأزق المصري الوجودي أمام اثيوبيا، والمأزق المصري الاستراتيجي أمام التجاذبات الجيوسياسية، والجيوستراتيجية، في ليبيا. لا حل الا بتركيا، وحيث التماهي المذهبي مع غالبية المجتمعات العربية، على أن تعود الدول الى «طبيعتها» كولايات عثمانية، وهذا ما يؤمن لها الأمان والازدهار، دون التفكك أو الانفجار...
لا أحد يشكك في حساسية الموقع الجغرافي لتركيا. لكن ايران التي تكاد تتاخم الصين هي التي تشغل كبار المخططين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة. هنا المشكلة...
المصدر: الديـــار