بقلم: ذو الفقار ضاهر
بشكل سريع وبدون مقدمات انتشر خبر الاعلان الاميركي الذي تلاه دونالد ترامب عن التوصل لاتفاق وصفه بـ”التاريخي” بين دولة الامارات وكيان العدو الاسرائيلي لتطبيع كامل للعلاقات بينهما، وللوهلة الاولى تبين ان الاتفاق فاجأ البعض ومن ثم راحت المواقف تتوالى لاستنكار وشجب وإدانة هذه الجريمة الاماراتية وتصفها بأبشع النعوت.
والحقيقة ان المسألة مستفزة الى درجة كبيرة عندما ترى هذه الدولة الخليجية ترتمي اكثر فاكثر في حضن أعداء الامة وقتلة الابرياء من فلسطين الى لبنان وسوريا والاردن ومصر وغيرها من الدول العربية والاسلامية، الواقع مرير انه رغم ما يقوم به العدو الصهيوني يوميا بحق الشعب الفلسطيني والمقدسات في الاراضي المحتلة، نرى من يحاول التبرير للقيام بهذه الجريمة بحق الامتين العربية والاسلامية وبحق الدماء التي سالت وتسيل على أيدي الصهاينة المجرمين.
لكن عندما نفكر لبرهة من الزمن، نعود لنطرح السؤال البديهي بحق الامارات وأخواتها من أنظمة الخليج، ماذا كنا ننتظر من هكذا دولة؟ ومن هكذا نظام؟ وهل كنا ننتظر من هؤلاء الحكام أفضل مما فعلوا؟ خاصة ان هؤلاء حاولوا في بعض تبريراتهم القول إن هذه الخطوة جاءت لوقف ما يسمى “خطة الضم” الاسرائيلية لأجزاء جديدة من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة أصلا، فهل من يعتقد ان الامارات تسعى لوقف الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وغيرها من الاراضي العربية المحتلة؟ وهل هناك من يعتقد ان فلسطين وقضيتها تعني الكثير للامارات وغيرها من بعض انظمة الخليج والحكام فيها وغيرهم من بعض الدول العربية؟ هل كنا نعتقد مثلا ان الامارات ومن خلفها من حكام الخليج سيعلنون “الحرب العظمى” ضد الصهاينة لتحرير الأراضي المحتلة؟ هم لم يفعلوا ذلك سابقا ولا يمكنهم اصلا القيام بمثل هذه الافعال، فالمقاومة تحتاج أحرارا.
وهل هناك من يظن أن من حكام الامارات ممن يفعلون في اليمن الجرائم التي تندى لها الجبين عبر العدوان السعودي الاماراتي وبتعاون وغطاء اميركي بريطاني اسرائيلي، قد يتردد في لحظة ما بالتعدي على مقدسات الأمة وتجاوز قضاياها الأساسية والمركزية بغية تحقيق مشاريعه الشخصية والآنية الضيقة؟
أليس انتظار أفعال إماراتية لنصرة القدس وفلسطين هو كمن “يحلم برؤية أبليس بالجنة”؟ والحقيقة أن حكام أبو ظبي نقلوا ما كانوا يفعلونه بالسر وبالمفرق الى العلن وبشكل صريح وواضح، ومن الطبيعي ان يقوم هؤلاء بذلك وهم الذي يستغلون -منذ سنوات طويلة- أبسط الفرص لإظهار علاقاتهم بكيان العدو الاسرائيلي، فهم استغلوا مثلا جائحة كورونا لارسال طائرة مساعدات للفلسطينيين –كما زعموا- عبر مطار “بن غوريون” في فلسطين المحتلة وقد رفضها الشعب الفلسطيني نفسه، ولعل “المفارقة المضحكة المبكية” هنا انه يبيعون قضية فلسطين ولكنهم “لطفاء” الى درجة انهم يرسلون لشعبها مساعدات عبر بوابات الاحتلال الذي يقتلهم.
كما ان الاماراتيين وغيرهم من أنظمة الخليج لا يفوّتون أي فرصة ثقافية او رياضية او اقتصادية وغيرها في كل المجالات، إلا وكانوا يحاولون فيها ربط المزيد من العلاقات مع العدو وإرسال الوفود واستقبال اخرى بغية القول إن “التسامح والسلام” شيء جميل وعلينا المواظبة عليه، تمهيدا للوصول الى لحظة “الحقيقة” التي يسعون إليها بإعلان العلاقات المتبادلة والتطبيع الكامل بين أبو ظبي وتل ابيب.
ولكن هل هناك من يعتقد ان هذه الخطوة من الامارات قد تحصل بمحض إرادتها الداخلية وبدون تنسيق وموافقة بل وضوء أخضر سعودي؟ وهل من شك ان الخطوة الاماراتية تأتي كتمهيد وتسهيل للطريق امام غيرها من الانظمة الخليجية وعلى رأسها “الأخ الاكبر” أي السعودية للوصول الى هذه المرحلة من تطبيع العلاقات العلنية بين الرياض وتل ابيب؟ كما ان البحرين التي رحبت بالخطوة الاماراتية قد تكون الدولة التالية على لائحة الانظمة الخليجية التي ستكشف في العلن ما تفعله بالسر ولتمهد لغيرها الطريق بالتطبيع مع الصهاينة.
ولكن الاكيد انه يسجل للامارات انها أقدمت وسبقت كل الانظمة الخليجية في هذه الخطوة التي تحتاج الى قدر كبير من الوقاحة، حيث لا تقيم أي اعتبار لا اخلاقي ولا ديني ولا انساني ولا تحسب أي حساب لكل الجرائم الاسرائيلية التي ارتكبت، ولكن لتؤكد انها ومن يقف خلفها من طينة واحدة، يجمعهم الابتعاد عن الحق ونصرة الظالم على المظلوم.
المصدر: موقع المنار