2024-11-28 02:42 م

مرسوم الانتخابات الفلسطينية: فخ أم تصويب لوضع لا يحتمل كارثية أكبر؟

2021-01-18
بقلم: نادية عصام حرحش
وأخيرا، تنفّس الشعب الفلسطيني الصعداء، مساء اعلان الرئيس الفلسطيني المرسوم الخاص بتحديد موعد انتخابات. الحقيقة ان الخبر بحد ذاته كان عظيما، فلم يعد يصدق أحد ان هذا سيحصل. فنحن نعيش ومنذ موعد الانتخابات المفترض قبل أكثر من عشر سنوات على امل انتخابات قادمة. انتخابات تحتاج من اجل تحقيقها بعض الإجراءات، التي استمرت ولم تأت الانتخابات، من حكومات انتقالية مؤقتة الى تحضير لجنة الانتخابات واستعدادها، الى محاولات المصالحة، مرورا بعقد مؤتمر وطني وغيره من المؤتمرات بالمسميات الوطنية المختلفة. صارت الحكومات الانتقالية المؤقتة سمة الحكومات المتعاقبة بالاسم وانتهى الامر من حكومة وحدة وطنية الى حكومة حزب واحد متنفذة في كل من شطري الوطن المنقسم. والمجلس الوطني انعقد وانحسم في جلسة لا يفهم منها الشعب الا الأسماء التي تم الانتهاء اليها. شعب غائب الا من استخدامه للتلويح والتوسل والاستنزاف وتحقيق مصالح حفنة ممن صاروا نخبة باسمه.
بين مرسوم رئاسي حُدّد فيه موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية ومجلس وطني، وبين شعب وجد نفسه امام فرصة نادرة فبدت ردة فعلة مليئة بالنوادر، كانت التفاصيل التي كمنت في المرسوم الرئاسي والتفاصيل التي ركز فيها الشعب سمة المأزق القادم.
سأبدأ من الشعب الذي ركز على عدة أمور مهمة بلا شك، ولكنها خليت من المضمون فتمركزت بفكرة الحاجة الى استقطاب فئة الشباب ورفع نسبة تمثيل النساء وفتح باب الترشح لمن يرى نفسه اهلا للجلوس على كراسي جديدة في السلطة على مصراعيه. والفصيلين المتنازعين بعد اتفاقهما المعلن على الخوض بكتلة واحدة سارع الفصيل منهم بالترويج لنفسه وكأنه يريد اقناع غرباء بأفعاله العظام، وبطبيعة الحال خرجت الفصائل الأخرى من سباتها وبدأت تروج لنفسها على انها حاملة نهج الإصلاح القادم بالانتخابات المترقبة.
ولكن… مرسوم الرئيس تركنا امام تساؤلات كثيرة أبرزها وليس أهمها هو الاشارة الى انتخاب “رئيس دولة فلسطين” في البند الثاني من المادة الأولى. ولا يمكن الا السؤال هل هناك دولة فلسطين قائمة؟  هل استخدام رئيس دولة فلسطين كان مجرد سهوة غير مقصودة ام ان بها عراقيل محتملة؟ فغريب ان يسهو من كتب المرسوم عن هكذا تعبير، خصوصا ان كل ما استند عليه المرسوم من جهات سلطة متمثلة بمنظمة التحرير، والمجلس الوطني وكذلك وثيقة الاستقلال  والقانون الأساسي المعدل وتعديلاته لم تذكر ابدا رئيس دولة فلسطين.
هل بالإشارة الى وثيقة الاستقلال في هذا المرسوم كمرجع لما استند عليه القرار يعتبر ان الدولة الفلسطينية قائمة بسبب اعلان الاستقلال؟
اما النقطة البارزة الثانية هي ما جاء بالمادة الثالثة والتي تشير الى استكمال تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وذلك بعد الانتخابات التشريعية، الذي يعتبر على حسب نص المادة الثانية هو المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، من القانون الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
تنص المادة الخامسة لقانون الأساس لمنظمة التحرير الفلسطينية على ما يلي: ينتخب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية.[1]
وهنا يبدأ السؤال المركزي، إذا ما كانت السلطة الفلسطينية تتبع منظمة التحرير الفلسطينية بكونها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فكيف يمكن ان يكون انتخابات المجلس التشريعي سابقة للمجلس الوطني؟ أي قانون أساس هو الأهم او صاحب السلطة النافذة لمعادلة الحكم الفلسطيني؟ وهنا كيف ستتشكل شرعية المجلس التشريعي ورئيس لدولة غير قائمة؟ وهل هناك فرق بين رئيس السلطة الوطنية ورئيس دولة فلسطين؟ ام هل رئيس دولة فلسطين سيكون بالإضافة الى رئيس السلطة ورئيس منظمة التحرير ورئيس المجلس الوطني ورئيس فتح؟
ام هل يمكن ان يكون مصطلح رئيس دولة فلسطين مرتبط بالقرارات التي أصدرها الرئيس بينما كان الشعب في خضم انشغاله ورعبه من الكورونا قبل عام عندما اكتشفنا قرارات متعلقة بانشاء ديوان الرئاسة[2]
 كجسم يملك صلاحيات مستقلة ، كشخصية اعتبارية ذات أهلية قانونية وكأننا دولة بقلب دولة بقلب دولة بقلب دويلات تلتهمها مستعمرات وجدار وحواجز ومعابر. وقد يبدو مثيرا للاهتمام، وهنا علي الاعتراف ان جزء من اللوم يقع علي عاتقنا كشعب مرت من تحت انوفه المئات من القرارات وتحولت التسميات من رئيس سلطة ورئيس منظمة تحرير الى رئيس دولة ورئيس منظمة تحرير، فانصدمنا عندما رأينا عبارة رئيس دولة بمرسوم الانتخابات. فالرئيس يعيش بدولة لا تمت للدولة التي عشَمنا انفسنا بها بصلة. دولة يتسلط بها علينا فيغير القوانين ويبدلها ويعدلها  ويصدرها بلا رقيب ولا حسيب. دولة حدودها المقاطعة وما تيسر لهم من حولها من نفوذ. تطال بها ايدي الاستبداد والقمع وتكميم الافواه والترهيب ليكون القضاء محركها والامن- التنظيمي الفصائلي- قبضتها.
على حسب النظام الأساسي لمنظمة التحرير، وفي البند السابع من نفس الباب المتعلق بالمجلس الوطني، فإن المجلس يعتبر السلطة العليا للمنظمة وهو الذي يضع سياستها ومخططاتها وبرامجها. وبما ان مدة المجلس هي ثلاث سنوات موعدها التالي هو نيسان القادم، فانه من البديهي ان يسبق انعقاد الانتخابات التشريعية انعقاد المجلس الوطني.
المسألة البارزة الثالثة هي موضوع القدس. ولقد تعودنا من محاولات الانتخابات السابقة وضع القدس كمن يضع العقدة في المنشار، فمرة يشترط الرئيس موافقة إسرائيل على مشاركة اهل القدس بالانتخابات، ومرة يعلن ان لا انتخابات بدون القدس.
وفي كل الأحوال، تجربة الانتخابات السابقة اكدت ان مشاركة القدس كانت محدودة لعراقيل سببها الاحتلال واشكالية في التسجيلات الخاصة بمن لهم الحق بالانتخاب.
وهذه المرة لن تكون مختلفة، وقد نشهد ما هو أكثر ايلاما للمشهد الفلسطيني، بعزوف طوعي للسكان عن الانتخابات بمجرد القاء إشاعة بأن المشارك بالانتخابات قد تؤدي الى سحب هوياتهم او قطع محصصات التأمين الوطني والصحي.
فبدئ المرسوم بعبارة “الشعب الفلسطيني في القدس وجميع محافظات الوطن”[3] تجعل من يقرأ النص يفكر ان معظم سكان فلسطين متواجدين بالقدس. وكأن محافظات الوطن في كفة والقدس في كفة. لم لم يقل استكمالا بدعوة كل الفلسطينيين للمشاركة بالانتخابات على كامل الأرض الفلسطينية. الحقيقة ان هذا كان سيكون أكثر تأثيرا في وقعه علينا.
وهنا لا أقول انه لا يجب الاهتمام بمشاركة اهل القدس والإصرار عليها، ولكن إذا لم يكن هناك محاولات حقيقية واستخدام بدائل وطرقا إبداعية بهذا الصدد، فلن يكون الاحتلال بحاجة لوضع أي عرقلة رسمية.
اما الموضوع الأهم بهذا المرسوم هو الأخطر والذي يفسر ما جرى قبل يومين من اصدار مرسوم الانتخابات بالقرارات المتعلقة بالقضاء. فما جرى من اقالات للقضاة، وتغيير بالمحاكم الإدارية وتعيين فضفاض مليء بالصلاحيات لرئيس المجلس القضاء الأعلى الذي يخضع بالمطلق لأوامر الرئيس، والمحكمة الدستورية العلية التي أنشئت بطريقة غير دستورية، (حيث ان تشكيلها جرى خلافا لقانون المحكمة الدستورية والقانون الأساسي الذي ينص بوجوب أداء اليمين القانوني بحضور رئيس المجلس التشريعي) بهدف حل المجلس التشريعي قبل سنتين.
وهنا تكمن المعضلة، ما يفهم من ألف باء العملية الانتخابية هو مسألة الطعون الانتخابية الذي يتطلب تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، وغيرها من المحاكم ذات الصلة باختلاف درجاتها. والمسؤول عن كل هذه الأمور اليوم هو حسب المادة 20 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 وتعديلاته: ” بمقتضى مرسوم رئاسي تشكل محكمة قضايا الانتخابات من رئيس وثمانية قضاة بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى.”[4]
الانسان نظر حوله ويفكر، كيف يمكن للمرء ان يفكر أصلا بجدوى انتخابات يتحكم بكل مداركها رئيس السلطة الفلسطينية بتحكم صارخ بالسلطة القضائية؟ كيف للمواطن ان يضمن النزاهة في هذه الانتخابات؟ كيف للمواطن ان يأمن للقوانين التي يتم تنصيبها وإقرارها كما شهدنا قبل يومين فقط لنتأكد ان تلك التغييرات حصلت بالفعل من اجل التحكم المطلق بنتائج الانتخابات؟
ويبقى هنا سؤال يجب توجيهه لرئيس لجنة الانتخابات المركزية: كيف ستتعامل اللجنة مع انتخابات رئيس محكمتها له مطلق الصلاحيات بما يأمره به الرئيس؟ والرئيس هو رئيس فصيل يحكم البلاد- كما بحلم وثيقة الاستقلال- والعباد ومنظمة التحرير والمجلس الوطني والسلطة الفلسطينية ومجلس القضاء الأعلى؟
كيف سيتعامل الشعب مع الامر في ظل قاعدة واضحة المعالم لا شك في انحيازها وانصياعها لما يريده الرئيس؟
هل المطلوب إيصال الشعب لدرجة من اليأس وبالتالي العزوف تلقائيا عن التفكير بالترشح او الانتخاب وترك الامر لهيمنة تلقائية وتوزيع جديد داخلي تحت اسم انتخابات للأطراف التي تريد ان تتقاسم الوطن فيما بينها؟
وختاماً،
لم يترك رئيس الوزراء الامر بدون دلوه بحصته من تثبيت وجوده  في مكانه فنشر ترحيباً من جانبه بالمرسوم الرئاسي وتذكر، او بالأحرى ذكرنا بأن “طي صفحة الانقسام كان واحدا من أبرز المهام التي وردت في كتاب تكليف حكومته قبل نحو العامين”، وكأنه يريد ان يقدم جوابا وافيا لمن قام بسؤاله عن إنجازات حكومته قبل وقت ليس ببعيد واستاء رئيس الحكومة حينها بجرأة السؤال في وقت نعيش فيه تحت حكم الكورونا. ثم يعبر عن “استعداد حكومته للقيام بكل ما من شأنه تسهيل اجراء الانتخابات بنزاهة وشفافية وبما يحقق التعددية والشراكة الوطنية وحسب احكام المادة 83 من القانون الأساسي، ستبقى الحكومة على رأس عملها وتمارس مهامها بكامل صلاحياتها الى حين بدء ولاية المجلس التشريعي المنتخب وتشكيل حكومة جديدة.”
الحقيقة انني توقفت امام هذه العبارة وقادني الفضول لإلقاء نظرة على المادة 83 التي ذكرها رئيس الحكومة ليؤكد على استمرار حكومته على رأس عملها بموجبه، وإذا يه ينص على ما يلي: تعتبر الحكومة مستقيلة ويعاد تشكيلها وفقا لإحكام هذا الباب في الحالات التالية: 1- فور بدء ولاية المجلس التشريعي. 2- بعد حجب الثقة عن رئيس الوزراء أو عن رئيس الوزراء وحكومته، أو عن ثلث عدد الوزراء على الأقل. 3- أية إضافة أو تغيير أو شغور أو إقالة تشمل ثلث عدد أعضاء مجلس الوزراء على الأقل. 4- وفاة رئيس الوزراء. 5- استقالة رئيس الوزراء أو استقالة ثلث عدد أعضاء الحكومة على الأقل. 6- إقالة رئيس الوزراء من قبل رئيس السلطة الوطنية.”
ما علاقة هذه المادة بما ذكره في عبارته السابقة؟ ام اننا بصدد توظيف لبنود القانون لتوطيد ادعاءات اخرى- وهي تأكيد على استمرار حكومته. وكأنه مقتنع تماما اننا بلحظة قراءتنا لكلمة مادة كذا، سنجزم انه من البديهي استمرار الحكومة حتى ان تأتي غيرها.
الحقيقة، توقعت لوهلة، ان ما سأقرأه بمنشور رئيس الحكومة هو إعلانه الاستقالة وطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية لتبت بتقنيات أساسية ستطلبها الانتخابات القادمة. فنحن سندخل انتخابات بلا أي مقاومات حياة لها، تبدأ بأبجدية وجود حكومة وحدة وطنية تعمل على ترتيب الأمور التي كرسها الانقسام. فمثلا، هل النية بالتحالف الفتحاوي الحمساوي هو إبقاء الوضع على ما هو عليه من انقسام بالجغرافيا وتوزيع الحقائب الوزارية؟ هل سيتشكل المجلس التشريعي من أعضاء حكومتين منفصلتين للحزبين؟
كان من الاجدى ان يضع رئيس الحكومة نفسه وحكومته امام بند أكثر أهمية، وهو بالبند الثامن للقانون الأساسي المعدل وتعديلاته[5] الخاص بالترشح وتولي الوظائف العامة ينص على ما يلي:
1- لا يجوز للفئات التالي ذكرها ترشيح أنفسهم لمنصب الرئيس أو لعضوية المجلس إلا إذا قدموا استقالاتهم من مناصبهم، وتعتبر استقالاتهم مقبولة وسارية المفعول اعتباراً من تاريخ الإعلان عن قوائم الترشح النهائية، دون الإجحاف بحق أي منهم في أن يتقدم بطلب توظيف لدى وجود أي شاغر في دوائر السلطة الوطنية أو الهيئات أو المؤسسات التي استقالوا منها، وان تخضع إعادة توظيفهم لشروط المسابقة والاختيار أسوة بغيرهم من المتقدمين للوظيفة وفقاً لأحكام قانون الخدمة المدنية أو قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية أو أنظمة التوظيف السارية في الهيئات والمؤسسات العامة:
أ) الوزراء.
ب) موظفو السلطة الوطنية الفلسطينية المدنيون والأمنيون و/أو الذين يتقاضون راتباً أو مخصصاً شهرياً من خزينة السلطة، أو الصناديق العامة التابعة لها، أو الخاضعة لإشرافها.
ج) موظفو المؤسسات العامة والهيئات الدولية ومجالس الهيئات المحلية.
د) مديرو ورؤساء وموظفو المنظمات الأهلية.
2- لا يجوز لرؤساء وأعضاء مجالس الهيئات المحلية، وأعضاء ورؤساء المجالس المنتخبين في المؤسسات والهيئات الأخرى ترشيح أنفسهم إلا إذا استقالوا من مناصبهم، ولا يجوز لأي منهم العودة إلى منصبه إلا إذا أعيد انتخابه بعد انتهاء الفترة التي كان قد استقال خلالها، وفقاً لأحكام قانون أو نظام الانتخاب الخاص بتلك المجالس أو الهيئات.”
هل نفهم ان كل هؤلاء لا ينوون الترشح؟
كاتبة فلسطينية