باتت السياسة الخارجية للولايات المتحدة تفضح جوهرها , وتُسقط كل حديثٍ عن القيم والمثل الأمريكية , بما يؤكد نفاقها وصلفها في إحترام العلاقات الدولية والقيم الإنسانية , ولم تعد سياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تتمرس وراء إستراتيجية نسف ما قامت به الإدارات السابقة وفرض العقوبات , سوى اسلوباً استفزازياً وقحاً , يبدأ بنسف الإتفاقيات ونقض العهود , ولا ينتهي بالمجاهرة بالعداء وبالتهديد وبكيل الشتائم أيضاً.
أي سلامٍ وتهدئةٍ وتبريد للملفات , يدعيه بايدن وبلينكن , مادامت الأفعال تتناقض مع الأقوال والنوايا , وأي قمة يسعى الرئيس بايدن لعقدها مع الرئيس بوتين , بعدما تخطى حدود اللياقة ووصف بوتين بالقاتل.! , أم هي محاولة لتبييض الإخفاقات الصريحة للسياسات التي انتهجتها واشنطن مؤخراً.
عشرات الملفات العالقة والمعقدة تشوب علاقة موسكو وواشنطن , وعشرات الإستفزازات والسياسات المتهورة تقودها واشنطن تجاه موسكو , وعلى رأسها ما تقوم به إدارة بايدن عبر دعمها المستمر لتصعيد الصراع في أوكرانيا – في قلب المنطقة الحيوية للأمن القومي الروسي - , وما حولها من بولندا إلى كاراباخ , وإلى أين تمضي واشنطن بدعمها العسكري لوزارة الدفاع الأوكرانية , التي تجاوزت بمجموعها منذ العام 2014 أكثر من ملياري دولار .. في وقتٍ لا تبدو واشنطن مستعدة وقادرة على مواجهة موسكو وجهاً لوجه إلى جانب أوكرانيا , تبدو حاجة بايدن للقمة ملحة لمناقشة خروج واشنطن من الصراع الذي خلقته بنفسها للحفاظ على ماء وجهها.
من غير الواضح – حتى الاّن - أين ستعقد الفمة المقترحة بين بايدن وبوتين , والأجندات التي ستتم مناقشتها , على الرغم من الأجواء الروسية - غير الرسمية - التي تشي بإمكانية تعويض القمة الرئاسية بلقاء بين أمين مجلس الأمن الروسي مع مستشار رئيس الولايات المتحدة للأمن الوطني... في وقتٍ لم يتم فيه لم تأكيد الإتفاق على عقد القمة في لقاء لافروف وبلينكن على هامش مجلس القطب الشمالي في ريكيافيك , وإمكانية إنعقادها أثناء جولة بايدن الأوروبية في حزيران القادم , على الرغم من تشاؤم الوزير لافروف حول سهولة "إزالة الركام في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة".
بالنسبة إلى روسيا , لا يتعلق الأمر حول زمان ومكان القمة ، بل حول ما سيتم مناقشته فيها .. ومن دون أجندة واضحة ، لا يرغب الكرملين في الإندفاع نحو القمة ، لذلك سيحتاج سوليفان إلى إقناع باتروشيف أن الأمريكيين يعتزمون مناقشة قضايا محددة ، وعدم إضاعة الوقت في مناقشات لا معنى لها حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية ، أو الشؤون الأوكرانية ، أو حقوق المعارض نافالني , وعشرات الملفات الهامشية ... فهل "ستجد واشنطن وموسكو الفرصة لإدارة التوترات وحماية العلاقات من التدهور الكامل" – يتساءل بايدن-.
لا يبدو من السهولة بمكان إزاحة الغيوم الداكنة في سماء العلاقات الروسية – الأمريكية , مع وجود من يقولون في واشنطن إنه لا يمكن التعامل مع بوتين ، بالمقابل هناك في موسكو من لا يثقون بأي أمريكي ...
من الواضح أن الرئيس بوتين لن يتساهل مع أعداء بلاده ومنتقديها , وأكد من خلال مؤتمر الإتحاد الروسي قبل أيام بأن: "الجهود الخارجية لاحتواء روسيا تعود إلى قرون مضت" , "بمجرد أن أصبحت روسيا أقوى وجدوا الذرائع لعرقلة تطورها" , وأكد أن: "الكل يريد أن يعضنا في مكان ما أو أن يقضم منا شيء , لكن يجب أن يعلموا أننا سنقطع أسنانهم حتى لا يتمكنوا من العض" , "تطوير جيشنا هو ضمانتنا".
إن حجم التوتر والتصعيد والحروب التي تقودها وتدعمها الولايات المتحدة حول العالم , ونتائجها المباشرة وغير المباشرة , ناهيك عن سياسة العقوبات والحصار والتجويع , وحروب تغيير الأنظمة بالقوة العسكرية والإعتماد على قوى التطرف والإرهاب , أمور بمجملها جعلت السلام يبتعد أكثر فأكثر , ويحل محله الألم و البؤس والفقر ...
وبات العالم يحتاج إلى جرأةٍ استثنائية لتغيير الواقع , والعودة إلى الإتفاقات والمعاهدات الدولية , لوقف انجراف الكوكب نحو الإنفجار ... إذ يمكن للدول الكبرى أن تلجأ لما هي قادرة عليه , وسبق لها أن فعلتها عام 1945 في يالطا , وضمنت منسوباً محدوداً للسلام ولعقود , ووضعت أسساً جديدة للعلاقات الدولية , على أساس الإحترام الدولي لإتفاقية يالطا.
لم يعد بإستطاعة قاطني الأرض , العيش بأمان وزراعة الورود , على خلفية ما يحدث على المسرح العالمي ، من حروب وأزمات , وانتهاكات للقانون الدولي وحقوق الإنسان , وباتت الحاجة ماسة لإيجاد الحلول السياسية والإقتصادية في عدد كبير من مناطق العالم .
يبدو الوقت مناسباً لعقد هكذا مؤتمر , بالتوازي مع إنكسارات وهزائم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها , وعدم إمتلاكها استراتيجية واضحة تجاه الصين وروسيا وأوروبا ودول الشرق الأوسط , وأصبح من الممكن للدول الكبرى بمشاركة روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا والمملكة المتحدة , أن تتداعى إلى الحوار المباشر وإيجاد الحلول , مستفيدةً من لقاء قمةٍ يتمنى العالم إنعقاده ما بين الرئيسين بايدن وبوتين قريباً .
القمة الأمريكية - الروسية المرتقبة هل تكون يالطا جديدة
2021-05-25
بقلم: ميشيل كلاغاصي