كمال خلف
الوضع الراهن للإقليم يتأرجح بين التصعيد او التسويات. وفي كلا الحالتين هناك تحالف من قوى المقاومة في المنطقة يقول اليوم ما قاله الخليفة العباسي هارون الرشيد للغيمة فوق قصره ” امطري حيثما شئت فان خراجك لي “. ففي مجال التسويات هناك أزمات في اليمن ولبنان والعراق وسورية وايران. اذا اخذنا كل ازمة منها بشكل منفصل.
ستكون اي تسوية في اليمن لصالح حركة انصار الله التي ستخرج منتصرة من الحرب وهي اقوى منه عندما دخلتها قبل ٨ سنوات، وستحصد الحركة ثمار أي حل سياسي مقبل بسبب صمودها ومبادرتها الميدانية وفرضها لمعادلة الردع العسكرية.
اما في لبنان فان أي اتفاق لترسيم الحدود البحرية سيكون الفضل فيه لحزب الله وسلاحه الذي اجبر الولايات المتحدة وإسرائيل على توقيع اتفاق يضمن حقوق لبنان، و لبنان المنتج للغاز مع عائدات مالية جيدة سيقوي الدولة والمجتمع وتخرج البلاد من الحصار الاقتصادي وسياسية التركيع والتجويع التي مارستها الولايات المتحدة لاضعاف حزب الله في الداخل. سيكون حزب الله الطرف الأقوى في بلاد تنعم بخيرات الخام من البحر. وهذا سيضاعف من مكانة وقدرة الحزب على مستوى الإقليم. سيكون ذلك اعلان فشل مشروع تحريض الداخل اللبناني على الحزب لحصار المقاومة من الداخل.
في سورية أي تسوية تعني إعادة انفتاح النظام السياسي الحالي على العالم، وتثبيت جازم لسقوط مشروع اسقاط النظام من اجل تغير دور سورية في المحيط. وتسليم امريكي عربي وغربي مع قوى الإقليم التي انخرطت في الحرب من الجوار بأن سورية خرجت منتصرة وعليهم التعامل معها كأمر واقع، والاهم ان التسوية ستعالج الازمات المعيشية التي اثقلت كاهل الشعب السوري، وقد تذهب نحو إضفاء تغيرات في الحياة السياسية نحو مزيد من الانفتاح وحرية العمل السياسي، ما يسهم في نهضة منشودة.
اما انجاز الاتفاق النووي فيعني ان ايران سيكون لديها فترة رخاء اقتصادي وقدرة مضاعفة على تطوير القدرات والإمكانات ليس فقط العسكرية انما في شتى المجالات العلمية والتكنولوجية والصناعية وغيرها. وإمكانات اكبر لدعم حلفائها في المنطقة. ونهاية حقبة التحريض المذهبي ضدها الذي استعمل ضمن استراتيجية الضغط القصوى. وسيكون البديل حوار مع دول الجوار الخليجية لحل كافة المشكلات العالقة
القضية الفلسطينية ما من شك ان لها وضع خاص، كنس الاحتلال وعودة اللاجئين وتحرير المقدسات هي اهداف تتناقض مع وجود إسرائيل وسياساتها العدوانية العنصرية. التسوية معه عبر أوسلو سقطت سقوطا مدويا، والبديل هو المقاومة بكافة اشكالها حتى نيل الحقوق. واي طرف فلسطيني يحاول التذاك والسير خلسة نحو ما يشبه أوسلو جديد ظنا منه انه البديل الاقوى عن السلطة المهترئة في رام الله فهو واهم وساذج. وعليه ان ينخرط في المقاومة في الضفة وان يعود للمقاومة في غزة.
باختصار فان جنوح الإدارة الامريكية لعقد تسويات لن يصب في مصلحتها، انما النتائج ستكون لصالح اركان محور المقاومة. وعليه ما هو البديل ؟
قد يتبادر الى الذهن خيار الحرب. وهنا من المؤكد ان الولايات المتحدة لن تشن أي حرب في الشرق الأوسط بعد سلسلة الحروب الفاشلة في الحقبة الماضية، ولم تعد منطقتنا ذات أولوية استراتيجية أمريكية تستدع تحمل تكاليف الحروب. وتردد إسرائيل في حرب مع حزب الله لانها ستدفع تكاليف باهظة لن تتحملها، ولن تذهب وحدها نحو مغامرة شن الحرب على ايران لان الثمن سيكون مضاعفا.
اذن معادلات الحرب الشاملة و مشاريع التسويات والحلول كلاهما يصب في صالح محور المقاومة واطرافه. لا قدرة ولا مصلحة ولايقين بنتائج الحرب عند أعداء المحور، ونتائج التسويات تصب في مصلحته.
كيف يفكرون بحل هذه المعضلة ؟
هنا نتطرق للمسار الثالث وهو ما يجب التحذير منه. وهو مسار إدارة الصراع وليس الحلول، مسار المراوحة وإعطاء المنطقة وقواها حبة مسكن موضعي. حيث تقوم إسرائيل بضربات موضعية في سورية ولبنان والعراق واليمن دون سقف الحرب، لا تحتاج فيها لحرب شاملة تكون فيها الاستعانة بالولايات المتحدة عسكريا ضرورة. وتقوم الولايات المتحدة بإدارة الصراعات على قاعدة” لا حرب ولا حل “. تمديد الهدن في اليمن نموذجا.. مفاوضات نووية دون توقيع يعطي لإيران امتيازات، ودون اعلان فشل يعيد التصعيد.. مماطلة في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وإعطاء جرعات تفاؤل دون نتائج، إبقاء الوضع في سورية بحالة جمود سياسي وميداني.
لابد من الانتباه لهذه السياسية التي تمرر الوقت، لتمرير مرحلة على وقع الحرب في أوكرانيا والتصعيد في بحر الصين والانشغال بتحريض تايوان ضد الصين، والتصعيد في شبه الجزيرة الكورية وأزمة الطاقة في أوروبا، والانتخابات النصفية في أمريكا. المماطلة وإدارة الصراعات بدلا من حلها او حسمها عبر المواجهة، قد تكون استراتيجية أمريكية انتظارا لتغيرات في البيئة السياسية والعسكرية وتبدل الظروف. وعليه يجب الإفلات من هذا الفخ، والضغط لتغير المسار كليا.
كاتب واعلامي
المصدر: الميادين