إعداد: أ. د. محمد إبراهيم مقداد وأ. محمد عبد الهادي نصار/ خاص بمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت
مقدمة:
أثارت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، وتحديداً قبالة قبرص، ومصر، وفلسطين، و"إسرائيل"، وتركيا، ولبنان، حدّة التوترات والصراعات الإقليمية من جديد، في محاولة لنيل أكبر المكاسب الاقتصادية، ومحاولات السيطرة على هذه الموارد الطبيعية من قبل الدول المختلفة، وذلك وسط ترقّب دولي لما سينتهي إليه هذا المشهد.
ولعل الحرب الروسية والأوكرانية أسهمت في البحث عن بدائل للغاز الروسي لأوروبا، وجاءت إحدى هذه البدائل في حلّ المشكلات العالقة بين دول شرق المتوسط، والبدء في استخراج الغاز والتنقيب عنه بالسرعة الممكنة.
وحتى يتمكن الفلسطينيون من البدء في التنقيب واستخراج ثرواتهم الطبيعية البحرية والبرية والمشتركة منها مع الدول المجاورة، والتمكن من استغلالها والاستفادة منها، فلا بدّ من الاعتراف المسبق من قبل "إسرائيل" بالسيادة الفلسطينية الكاملة على هذه الثروات، وأن يتمّ التعاون المستقبلي بين الأطراف المختلفة على أساس الحقوق الوطنية بأنواعها كافة وليس على أساس الاحتياج.
وقد أقرت اتفاقية باريس الاقتصادية Paris Protocolا[2] نظرياً الحقوق الفلسطينية بما فيها الحقوق الاقتصادية غير القابلة للتصرف في الأراضي الفلسطينية، غير أن "إسرائيل" لم تلتزم حتى بما ورد في الاتفاق؛ وخصوصاً فيما بتعلق بالحقوق في الموارد الطبيعية، وخصوصاً موارد الطاقة منها.
وقد سيطرت "إسرائيل" على الموارد الطبيعية الفلسطينية من خلال احتلالها لفلسطين في سنة 1948، واستكمالها هذا الاحتلال في سنة 1967، ثم من خلال قرار التقسيم والذي ميّز الاحتلال باختيار الأراضي المنتقاة والمتميزة بالموارد الطبيعية بشكل كبير، ثم تأكدت التبعية لـ"إسرائيل" وحرمان الفلسطينيين من الاستفادة من مواردهم الطبيعية من خلال اتفاق باريس الاقتصادي الملحق باتفاق أوسلو Oslo Accords، سواء من خلال البروتوكول نفسه الذي سلب سيادة السلطة على منطقة ج ومواردها الطبيعية، أم من خلال التنفيذ والتطبيق غير العادل لاتفاق ظالم بما يحرم الفلسطينيين من حقوقهم في ثرواتهم ويفاقم مشكلاتهم المالية.
وإذا كان باريس الاقتصادي ما يزال يحكم العلاقة مع "إسرائيل"،[3] فلا بدّ من تفعيل البند الرابع في الاتفاق، والخاص بضرورة تعديل الاتفاق كل ستة أشهر؛ بما يضمن للشعب الفلسطيني تأكيد ما ورد في مقدمة الاتفاق من أهمية تمكين الفلسطينيين من استغلال مواردهم. وتأكيد ما يتفق أيضاً مع مبادئ حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة بإقرار الحقوق الاقتصادية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وإلا فلا داعي لكل هذا الاتفاق الذي أضرّ بالفلسطينيين وهدر حقوقهم، مع عدم اعتراف الطرف الإسرائيلي بأي من حقوق الفلسطينيين حتى الواردة في الاتفاق.[4]
وقد بقيَ الغموض مسيطراً على قطاع النفط والغاز الفلسطيني وكيفية استثماره حتى حصل الفلسطينيون في اتفاقية طابا، الموقعة في كانون ثاني/ يناير 2001، على توضيح من سلطات الاحتلال حول هذا الملف الشائك، إلا أن العدو لم يلتزم بهذا التفسير أبداً، معتمداً على منطق الاحتلال وركون وسكوت السلطة الفلسطينية، وذلك عندما دخل العدو في طفرة التنقيب والهيمنة على الحقول النفطية الفلسطينية براً وبحراً. وفيما يلي بعض ما ألزمت به سلطات العدو نفسها في اتفاقية طابا، فيما يتعلق بالموارد الطبيعية الموجودة فوق وتحت تراب ومياه فلسطين المحتلة:[5]
"البند 15: أ. الولاية: بمقتضى إعلان المبادئ فإن ولاية المجلس [السلطة الفلسطينية] ستشمل الضفة الغربية وقطاع غزة كوحدة جغرافية واحدة باستثناء:
1. القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي: القدس، المستوطنات، المواقع الأمنية المحددة، اللاجئين الفلسطينيين، الحدود، العلاقات الدولية والإسرائيليين.
2. صلاحيات ومسؤوليات لم تنقل إلى المجلس [السلطة الفلسطينية].
البند 17: ب- وعلى هذا فإن [السلطة الفلسطينية] تضم جميع الأمور التي تقع ضمن ولايتها الجغرافية أو الوظيفية أو الشخصية كما هو مبين أدناه:
1. الولاية الجغرافية للمجلس ستضم منطقة قطاع غزة ما عدا المستوطنات، ومنطقة القواعد العسكرية، ومنطقة الضفة الغربية باستثناء المنطقة "ج" والتي باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي، سيتم نقلها تدريجياً إلى الولاية الفلسطينية في ثلاث مراحل، تأخذ كل منها فترة ستة أشهر تكتمل بعد 18 شهراً من تنصيب المجلس في هذا الوقت ستشمل ولاية المجلس في الضفة الغربية وغزة باستثناء القضايا التي سيتم التفاوض عليها في مفاوضات الوضع النهائي.
2. الولاية الجغرافية ستشمل الأرض، المياه الإقليمية، بموجب أحكام هذه الاتفاقية".
كما نصت اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار[6] سنة 1982 في المادة 82: "إن الحدود البحرية الإقليمية لأية دولة هي 12 ميلاً بحرياً من الشاطئ، وأن الحدود الاقتصادية الخالصة تمتد إلى 200 ميل بحري من الشاطئ"، من هنا نجد أن لنا كفلسطينيين الحق وفق الاتفاقيات الدولية وتلك الموقعة مع الاحتلال في التنقيب عن البترول والغاز في الأراضي الفلسطينية.
ولعل أكبر مشكلة تواجه الفلسطينيين فيما يتعلق بحقول غاز غزة؛ هي أن هذه الاتفاقيات لا يتم الإفصاح عنها، وتظلّ التفاصيل حكراً على الأطراف الموقعة عليها، وخصوصاً السلطة الفلسطينية التي لا تعطي أي اهتمام لمشاركة التنظيمات الفلسطينية؛ سواء المنضوية تحت عباءة منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)، أم تلك الموجودة خارج المنظمة، أم أي أطراف فلسطينية أخرى. وعلى الجانب الآخر، نجد أن الأحزاب الإسرائيلية على الرغم من الخلاف فيما بينها إلا أنها تتقن لعب الأدوار بما يحقق المصلحة للكيان الإسرائيلي فيما يتعلق بالقضايا الوطنية، وكذلك فعلت التيارات اللبنانية قبل توقيع اتفاق حقل كاريش.
وقد تميز الموقف اللبناني من المفاوضات بالوحدة، حيث جرى تنسيق كامل بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، كما أطلق حزب الله مسيرات غير مسلحة في اتجاه حقل كاريش قامت "إسرائيل" بإسقاطها، وقد أكدت على وحدة الموقف اللبناني وجدّية حزب الله في تهديده لأي عملية استخراج أحادية من قبل "إسرائيل"[7] للغاز من حقل كاريش.[8]
وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الأبعاد الاقتصادية للاتفاق الفلسطيني المصري للتنقيب عن غاز غزة، واستعراض المواقف المختلفة لذوي العلاقة من الفلسطينيين، وكذلك تقديم توصيات من شأنها الإسهام في تعزيز الشراكة الفلسطينية وتوجيه منافع الغاز الفلسطيني نحو التنمية، وخصوصاً ما يحقق جسر فجوة الفقر والبطالة والتنمية بين المحافظات الشمالية، الضفة الغربية، والمحافظات الجنوبية، قطاع غزة.
ومن أجل تحقيق أهداف الدراسة سوف نقوم بمراجعة الدراسات والمقالات المتعلقة بعنوان الدراسة، وكذلك استعراض وتحليل المواقف المختلفة لذوي العلاقة، من خلال استخدام المنهج الوصفي التحليلي.
أولاً: التنقيب عن الغاز في فلسطين:
بدأ التنقيب عن البترول والغاز في فلسطين التاريخية سنة 1947 بمساعدة شركة تطوير النفط الفلسطينية المتفرعة من شركة نفط العراق، وتوقفت بسبب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ما بين سنتَي 1948 و1949، ثم استأنفت شركة نافطا Naphtha Israel Petroleum Corporation الإسرائيلية التنقيب سنة 1955.[9]
وقد أنجزت "إسرائيل" عدة عمليات تنقيب عن النفط والغاز في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في أراضي فلسطين التاريخية، من دون التوصل لاكتشاف احتياطيات كبيرة حجماً أو ذات مغزى اقتصادي، حيث اكتشف حقل غاز زوهر وحقل بترول تسوك في شرق النقب جنوب غرب البحر الميت، كما اكتشفت حقل مليفات برير للبترول في السهل الساحلي جنوب غزة.
وما بين السنوات 1999 و2010، انتقلت "إسرائيل" إلى دولة تتطلع لأن تكون دولة مصدّرة للغاز للأسواق العالمية، بعد سلسلة من الاكتشافات المهمة لاحتياطيات الغاز قبالة السواحل الفلسطينية الشمالية والجنوبية في البحر الأبيض المتوسط. وبدأت باكتشاف حقلَي "نوا" و"ماري ب" قرب شواطئ عسقلان في آذار/ مارس 1999، ثم حقل تامار في كانون الثاني/ يناير 2009 وحقل لفياتان في حزيران/ يونيو 2010 وكلاهما قرب سواحل حيفا، وتشير الأرقام الأولية أن احتياطي هذا الحقل 17 تريليون قدم مكعب من الغاز. [10]
وتشير الأرقام أن احتياطي فلسطين التاريخية من الغاز الطبيعي لدى "إسرائيل" 27.7 تريلون قدم مكعب من الغاز، ويكفي هذا الاحتياطي لتلبية احتياجات السوق الإسرائيلي لعقود من الزمن، ويمثل نحو 0.4% من الاحتياطي العالمي.[11]
حرصت "إسرائيل" على السيطرة على مواقع الموارد الطبيعية والمياه من خلال قرار التقسيم سنة 1947 والذي جاء فيه قيام دولة "إسرائيل"، حيث سيطر الاحتلال على مياه البحر الميت، وعلى أماكن وجود البترول والغاز الطبيعي في جنوب غرب البحر الميت، وشمال شرق النقب والسهل الساحلي الجنوبي، وبذلك حرم الفلسطينيين من الاستفادة من معظم ثروات أرض فلسطين التاريخية. ولكن اتفاق أوسلو ومن بعده باريس الاقتصادي أكد في بنوده حق الفلسطينيين في الاستفادة الكاملة من مواردهم الطبيعية في حدود دولتهم المنتظرة.[12]
ثانياً: حقول الغاز على شاطئ غزة:
اكتشفت شركة بريتش غاز (بي جي) British Gas (BG) أول حقل للغاز في المياه الإقليمية في سنة 1999، ويُعدّ صندوق الاستثمار الفلسطيني الجهة الوطنية المسؤولة عن تطوير الحقل، وقد اعترضت "إسرائيل" على تطويره.[13] وبعد ذلك تمّ اكتشاف عدد من حقول الغاز التي سنوردها فيما يلي:
• حقل "غزة مارين": اكتشفته شركة بريتش غاز سنة 1999، وتبلغ تكلفة تطويره نحو 1.2 مليار دولار، ويقدّر الاحتياطي في الحقل بـ 1.2 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 36 مليار متر مكعب.[14]
• حقل "ماري ب": حقل مشترك بين الحدود البحرية الجنوبية لـ"إسرائيل" والبحرية الشمالية لقطاع غزة، وجرى اكتشافه في سنة 2000، استغلت "إسرائيل" هذا الحقل في توفير إمدادات الغاز لمحطات الطاقة لديها منذ سنة 2004،[15] وقد تمّ تجفيفه بالكامل في سنة 2010، وآنذاك، قالت صحيفة هآرتس Haaretz الإسرائيلية إنه تمّ استنفاد كميات الغاز الطبيعي الموجود في الحقل، والمقدّرة بنحو 1.5 تريليون قدم مكعب.[16]
• حقل "نوا" نوح: تمّ اكتشافه في سنة 1999، وتشترك "إسرائيل" وقطاع غزة في بنيته الجيولوجية، ويمتد إلى أعماق حدود القطاع البحرية، في سنة 2011، وفي أعقاب تقليص إمدادات الغاز الإسرائيلي المورَّد إلى السوق المحلي، عملت مجموعة شركات ديليك Delek Group للحفر ونوبل إنرجي Noble Energy على استنزاف حقل الغاز الحدودي الذي تتقاسمه فلسطين و"إسرائيل"، وذلك في ظلّ غياب اتفاقيات التعاون التي تشترطها اتفاقيات أوسلو والقانون الدولي العرفي، ويُقدّر مخزون الغاز فيه بنحو 3 تريليونات قدم مكعب.[17]
• حقل "المنطقة الوسطى":[18] في سنة 2014 رجّح خبراء وسياسيون فلسطينيون، وفق دراسة أولية، وجود حقل للغاز يبعد مئات الأمتار عن شاطئ بحر المنطقة الوسطى لغزة، حيث اكتشف الحقل بواسطة مجموعة من الصيادين لاحظوا خروج فقاعات في المنطقة.
• من خلال ما سبق، نجد أن "إسرائيل" استولت على قرابة 4.5 تريليون قدم مكعب[19] من الغاز، مما يعني أنها سرقت قرابة 20 مليار دولار بالأسعار الحالية.
ثالثاً: حقل مارين غزة والاتفاق المصري الفلسطيني:
• منحت السلطة الوطنية الفلسطينية الحق الحصري لصندوق الاستثمار الفلسطيني ومجموعة من الشركاء في التنقيب عن الغاز قرابة شواطئ غزة، وتضم المجموعة شركتَي (British Gas Group-BG) وشركة اتحاد المقاولين Consolidated Contractors Company (CCC)، وبموجب الاتفاق مع السلطة يملك صندوق الاستثمار الفلسطيني 10%، رفعت مؤخراً إلى 17.5%، من المشروع وتملك شركة بريتش غاز ما نسبته 60%، في حين تملك شركة اتحاد المقاولين ما نسبته 30%.[20]
• عرقلت "إسرائيل" خطط الإنتاج في الحقل حيث منعت مدّ الأنابيب الخاصة بنقل الغاز، وكذلك بناء البنية التحتية لإيصال الغاز للمحطة؛ واشترطت نقله من خلال أنابيبها في خطة للسيطرة على الحقل، حيث اشترطت "إسرائيل" أن ينقل الغاز من الحقل إلى محطة تسييل الغاز في عسقلان، ليوزع من هناك إلى غزة والضفة، أو أي مكان آخر، إلا أن الشركة رفضت الخضوع للشروط الإسرائيلية.[21]
• أعاقت "إسرائيل" أي تطوير أو محاولة لاستخراج الغاز من الحقل، كونها تحدد مساحة الإبحار للفلسطينيين بـ 6 أميال بحرية فقط، فيما يقع الحقل على مسافة 23 ميلاً تقريباً، وتأتي هذه الخطوة الإسرائيلية بالرغم من أن قانون البحار المعتمد دولياً يعطي الحق للدول بالاستثمار في مياهها الإقليمية التي حددت بـ 200 ميل بحري.
• في سنة 2016، استحوذت شركة رويال داتش شل Royal Dutch Shell على حصة مجموعة بريتش غاز البريطانية في حقل غزة مارين.[22]
• في شباط/ فبراير 2021، وقّع صندوق الاستثمار الفلسطيني واتحاد المقاولين مع "إيجاسEGAS " المصرية اتفاقية للتعاون في مساعي تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، لتوفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، ويدور الحديث غير الرسمي على أن حصة صندوق الاستثمار الفلسطيني تبلغ 27.5% من الحقل، وشركة اتحاد المقاولين CCC الحصة نفسها، 27.5%، بينما الحصة المتبقية البالغة 45% ستكون للشركة المشغلة.[23]
• ووفق آخر تصريحات أدلى بها ظافر ملحم، رئيس سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية في رام الله، حول آلية الاستخراج وتوزيع النسب، فقد ورد في تصريحه النقاط التالية:[24]
– الدور الوحيد للإسرائيليين في ملف غاز غزة سيكون منح الموافقات للحفر والعمل[25] في الحقل، دون أي تعطيل خلال فترة حفر الآبار والنقل، والتي ستبدأ بعد انتهاء كافة الإجراءات.
– سيتم حفر آبار في قاع البحر ومن ثم سيتم نقلها إلى محطة معالجة العريش في مصر لتصريف الغاز ومعالجته، في الوقت ذاته سيكون للسلطة الفلسطينية نسبة محددة من الأرباح.
– لم تحدد المبالغ التي ستحصل عليها السلطة الفلسطينية أو بقية الأطراف من تطوير حقل غاز غزة، إذ إن المبالغ من الممكن أن تتراوح بين مليار ومليارَي دولار، فيما سيتوقف الرقم النهائي على السعر الذي سيتم به بيع الغاز.
– وبما يخصّ وجود غزة في الاتفاق أو مشاورتها؛ قال إن الحكومة الفلسطينية في رام الله تغطي أثمان الكهرباء الخاصة بالقطاع، بواقع إجمالي يبلغ 40 مليون شيكل إسرائيلي (نحو 11.3 مليون دولار) من العائدات الضريبية بدلاً من فاتورة الكهرباء.[26]
– وحسب ملحم، فالمشروع يسهم في زيادة عدد ساعات الوصل أو تحويل محطة الطاقة في غزة للعمل بالغاز الطبيعي.
• في 2022/11/1 صادقت اللجنة الوزارية التي شكّلها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية على اتفاقية إطار المبادئ الرئيسية لدخول التجمع المصري كشريك في ائتلاف التطوير، وعناصر الخطة الفنية والمالية الأولية لتطوير حقل غزة مارين من قبل ائتلاف الشركات الفلسطينية والمصرية كمشروع عابر للحدود بين دولة فلسطين وجمهورية مصر العربية، بهدف استخراج الغاز من الحقل الواقع في المياه الفلسطينية ونقله ومعالجته في منطقة سيناء في جمهورية مصر.[27]
• كما أعلنت شركة إيجاس استعدادها شراء الغاز المنتج بما يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية وتوفير التمويل اللازم لتطوير المشروع، والقيام في الوقت نفسه بالدخول باتفاقيات مع شركات توليد الكهرباء الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة للتزود بالغاز الطبيعي. كما تؤكد اتفاقية الإطار على التزام ائتلاف التطوير بدفع العوائد المستحقة لدولة فلسطين بموجب اتفاقية الرخصة، وعلى قيام حكومتَي البلدين بإنجاز اتفاقية ثنائية بين الدولتين الشقيقتين؛ لتسهيل عملية التطوير وتنسيق الجوانب التنظيمية والضريبية.[28]
رابعاً: العوائد الاقتصادية لحقل مارين غزة على الاقتصاد الفلسطيني:
• الاستثمار المتعطل في حقول غاز غزة كان من المفترض أن يحقق نهضة حقيقية في كافة مناحي الحياة في الأراضي الفلسطينية وخصوصاً في قطاع غزة؛ من خلال تحقيق عوائد مالية ضخمة تسهم في حلّ الأزمات المالية التي تتعرض لها السلطة الوطنية الفلسطينية، والتخلص من الابتزاز المالي الإسرائيلي المستمر، والتحرر من الهيمنة الإسرائيلية على مصادر الطاقة في قطاع غزة والضفة الغربية.
• سعت "إسرائيل" وبكافة الطرق للسيطرة على كافة الموارد الفلسطينية بما فيها غاز غزة، من أجل فرض سيطرتها وهيمنتها على القرارات الفلسطينية، وعدم وصول الفلسطينيين إلى مشاريع تنموية تحررهم من التبعية الاقتصادية والمالية لـ"إسرائيل"، الأمر الذي جعلهم يستوردون ما نسبته 95% من الطاقة، كهرباء ووقود وغاز منزلي، من "إسرائيل"، بمتوسط فاتورة سنوية تتجاوز 1.4 مليار دولار.
• يعاني قطاع غزة من نقصٍ حادٍ في مصادر الطاقة، يتجلى أثر ذلك بانقطاع التيار الكهربائي أكثر من 14 ساعة يومياً في قطاع غزة، نتيجة توفر أقل من 45% فقط من احتياج المواطنين للكهرباء، كما أن معظم مناطق الضفة الغربية تحصل على الكهرباء عن طريق شرائها من شركة الكهرباء الإسرائيلية، مما يجعل المواطنين الفلسطينيين عرضة لابتزاز الشركة الإسرائيلية؛ حيث يبلغ متوسط استهلاك فلسطين من الطاقة الكهربائية سنوياً نحو 1.8 ألف ميجاواط، منها قرابة 600 ميجاواط لقطاع غزة، تعتمد فلسطين على "إسرائيل" حالياً للحصول على قرابة أكثر من 95% من الطاقة الكهربائية، والنسبة المتبقية من الأردن ومصادر الطاقة الشمسية.
• يشير التقرير السنوي لصندوق الاستثمار الفلسطيني إلى فوائد واسعة النطاق في العديد من المجالات الرئيسية من تسييل ناجح لمشروع غاز غزة، وتقدر الوفورات بأكثر من نحو 560 مليون دولار سنوياً في فاتورة الطاقة للسلطة الفلسطينية، وعائدات مباشرة تقارب 2 مليار دولار على مدى عمر المشروع، الذي يصل إلى أكثر من 20 عاماً للحقل، إلى جانب توقع فرص استثمار ضخمة في قطاع الطاقة لشركات توليد الطاقة المستقلة. حيث تتضاعف أهمية هذين البندين نظراً لدورهما في تعزيز المساعي الرامية إلى الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال.[29]
• القيمة النقدية المتوقعة لاحتياط الغاز الطبيعي الفلسطيني تعتمد على عدة عوامل؛ تشمل الكمية القابلة للاستخراج، وحجم الاستثمار في المشروع، وكلفة استخراجه ونقله، والأسعار العالمية للغاز، والإطار الزمني لعمر المشروع. وبذلك فإن أي أرقام بهذا الخصوص هي أرقام تقديرية، ومن الصعب تحديدها في هذه المرحلة قبل اعتماد خطط وبرامج تطوير المشروع، والدخول في اتفاقيات طويلة الأجل لبيع الغاز. ومع الأخذ بعين الاعتبار العوامل المختلفة، وأهمها كمية احتياطي الغاز وعملية التطوير، والضرائب المترتبة على العملية.[30]
خامساً: تساؤلات حول المواقف:
ترى "مؤسسة الحق، 2021"[31] بأن دولة فلسطين والشركات التي وقّعت الاتفاق لا تملك الصلاحية التي تخوّلها إبرام اتفاقيات بشأن قطاع غزة فيما يتعلق بأرضها ومواردها الطبيعية، دون الحصول على موافقة المجتمعات المحلية المعنية في القطاع والتشاور معها. حيث يشترط إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية التشاور مع الشعوب الأصلية في أي مسائل قد تؤثر فيهم، مع مراعاة أن الغاية المتوخاة من هذه المشاورات؛ ينبغي أن تسعى إلى الحصول على "موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة". ومن الجدير بالذكر أن المواد 7، و8، و47 من اتفاقية جنيف الرابعة Fourth Geneva Convention، تُعَدّ ملزِمة بموجب القانون الدولي العرفي، وتحظر على الممثلين السياسيين للسكان المحميين الدخول في اتفاقيات خاصة من شأنها تقويض الضمانات التي تكفلها اتفاقية جنيف الرابعة، بما فيها العقاب الجماعي، والمعاملة اللا إنسانية، وحق الانتفاع من قاع البحر لتمديد خطوط الأنابيب لأغراض تحقيق مكاسب اقتصادية، وذلك باعتباره مورداً يملك السكان القابعون تحت الاحتلال حقوق السيادة الدائمة عليه.
لذلك سنقوم باستعراض بعض المواقف والتساؤلات وهي كما يلي:
1. اللجنة الحكومية في غزة: لم تعلن اللجنة الحكومية عن موقفها تجاه قضية غاز غزة، فهل توافق على النموذج اللبناني وتتوافق مع سياسة حزب الله، أم أنها لا تقبل ذلك؟ وإذا كانت لا تقبل ذلك، فما هي الخطة، وهل ستكون تصرفاتها تصرفات مبنية على خطة مسبقة أم ردات فعل؟ وهل ستقوم بتنسيق المواقف مع المقاومة في غزة ومع الحكومة في رام الله، أم سيلقي الانقسام بظلال الفرقة على القرارات بما يمنع الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه؟
2. السلطة الوطنية الفلسطينية: ما زالت تعمل بشكل منفرد، فهل ستتبع نموذج الحكومة اللبنانية في التوافق مع المقاومة، وتتبنى سياسة لعب الأدوار للوصول إلى أقصى استفادة من آبار الغاز الفلسطينية في غزة أو المشتركة مع "إسرائيل"، أم ستظل تحتكر القرار وتتفرد به ولا تنشر المعلومات؟ وهل ستقوم بالتنسيق مع اللجنة الحكومية في قطاع غزة أم تسير بالتفرد وسياسة الإهمال بما لا يضمن مبادئ الشفافية والنزاهة؟
3. المجلس التشريعي الفلسطيني: ناقش المجلس التشريعي تقرير اللجنة الاقتصادية حول "الغاز الطبيعي في بحر غزة" في جلسته يوم 2021/3/3، وقد قبل التقرير وأقر توصيات اللجنة الاقتصادية، وقد ورد ذلك في العدد 102 من الوقائع الفلسطينية الصادرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. وفي 2022/9/21 عقد المجلس التشريعي جلسة في ميناء غزة، دعا فيها إلى "إطلاق حملة لدعم حق الفلسطينيين في استرداد حقوقهم في ثرواتهم الطبيعية وحقول الغاز وتدشين الممر المائي البحري الآمن، فضلاً عن تفعيل الجهود لكسر حصار غزة".[32]
ولكن هل ما قام به المجلس التشريعي كافياً للحفاظ على الحقوق الفلسطينية في الغاز الطبيعي، أم أن المجلس قام بدوره؟
4. المقاومة الفلسطينية وخصوصاً في غزة: ما موقفها وماذا تريد؟ وكيف ستتعامل مع الجانب الإسرائيلي أو مع الحكومة الفلسطينية فيما يتعلق بالموضوع، وهل ستسمح باستخراج الغاز من حقول النفط؟ أم سيكون لها رأي آخر؟ وهل ستحمي أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية أو أنها ستعرقل هذا الاتفاق؟
5. الفصائل والأحزاب الفلسطينية: ماذا تريد؟ وهل لها موقف واضح؟ وما الدور المطلوب منها؟ وكيف يمكنها تنسيق المواقف لتحقيق أقصى مصلحة فلسطينية للاستفادة من موارد الطاقة الفلسطينية في بحر غزة؟ وهنا نستعرض بعض التصريحات الصحفية:
أ. عضو المكتب السياسي في حماس سهيل الهندي، يصرح: "نحذر الاحتلال الإسرائيلي من العبث بأي شكل من الأشكال في خيراتنا ومقدراتنا البحرية وثروات شعبنا الطبيعية وعلى رأسها الغاز الطبيعي".[33]
ب. القيادي في حركة الجهاد الإٍسلامي مصعب البريم، قال إنّ غاز غزة حق للشعب الفلسطيني، و"شعبنا من حقه أن ينتزع خيراته أسوة ببقية شعوب العالم".[34]
ج. عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ماهر مزهر، ذكر أن "الفصائل ستكون أمام خطوات متصاعدة في ملف الغاز وملف الممر المائي للحصول على هذه الحقوق وانتزاع المطالب كاملة وتحقيق الحياة الكريمة للفلسطينيين".[35]
ومع ذلك، وبالرغم من التصريحات بأن غزة لن تسمح لدولة الاحتلال باستغلال حقول الغاز على شاطئ بحر غزة، نجد أن "إسرائيل" قد استنفذت نحو 4.5 تريليون قدم مكعب من حقل ماري ب والذي احتوى على 1.5 تريليون قدم مكعب، وحقل نوح أو نوا والذي بدأت "إسرائيل" إنتاج الغاز منه في سنة 2012 وقدر مخزونه بقيمة 3 تريليون قدم مكعب، وقد حرمت الفلسطينيين من حصتهم من قيمة الغاز والتي تقدر بنحو 20 مليار دولار بالأسعار الحالية.
فأين هي تصريحات الفصائل والأحزاب الفلسطينية، وما قيمتها على الأرض الواقع، وكيف يمكن أن تكون ذات فاعلية دون تنسيق المواقف وتحديد الأدوار.
الخلاصة:
• أن "إسرائيل" تدرك بأن استغلال الفلسطينيين للموارد الطبيعية البحرية سيدر عليهم أموالا ًتغنيهم عن التزود بالطاقة منها، وكذلك تغنيهم عن التمويل الخارجي بما يحقق استقلالية في الاقتصاد والقرار السياسي، وهو ما لا تريده "إسرائيل" وتحاربه بشدة من خلال العوائق التي تضعها أمام تنمية الاقتصاد الفلسطيني.
• تتزايد المخاوف من تنامي ظاهرة الفساد السياسي في الأراضي الفلسطينية؛ في ظلّ تعطل المؤسسة التشريعية والعودة لحكم الفرد الواحد، وزيادة تكاليف الفساد الذي يتحمله المواطن الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية.
• يتنامى الخوف من استمرار السرية في ملف الغاز، مثله مثل ملفات أخرى، مما يجعلنا غير قادرين على الاستفادة الفعلية من عائدات الغاز في تنمية القطاعات المختلفة؛ مثل قطاع الحماية الاجتماعية، والصحة، والتعليم وغيرها، وما يمنع من تحقيق الشفافية والنزاهة والرقابة على ملف الغاز وحمايته من الفساد المتوقع.
• ما زالت المواقف الفلسطينية مشتتة وغير موحدة، كما لا يوجد رؤية موحدة حول ملف الغاز، مما يجعل الفلسطينيين بعيدين عن الاستفادة من الغاز، كما يظهر أن الفصائل والمقاومة في غزة ما زالت في خانة التهديد والتي لن تكون مفيدة دونما خطة واقعية لتنفيذ التهديدات، فالإسرائيليون تمكنوا من استغلال حقلَي غاز على الحدود مع غزة، كما أن الفلسطينيين منذ أكثر من 20 عاماً غير قادرين على الحصول على حقهم في غاز غزة.
• عدم استسلام الفلسطينيون للرغبة الإسرائيلية واستغلال الفرصة بجهود متكاتفة وأدوار متبادلة لتحقيق أقصى فائدة ممكنة، في ظلّ ظروف الاحتلال، وظروف المجتمع الدولي والقارة الأوروبية، التي هي بحاجة للغاز المتوسطي في ظلّ حرمانها من الغاز الروسي.
• الاستفادة من التجربة اللبنانية والتي أظهرت وحدة في الموقف بين مختلف التيارات، وتبادل للأدوار بين رجال السياسة ورجال المقاومة؛ من أجل الضغط على "إسرائيل" وتوقيع اتفاق مرضي للدولة اللبنانية.
التوصيات:
• نشر بنود الاتفاق الذي جرى بين صندوق الاستثمار الفلسطيني واتحاد المقاولين مع إيجاس المصرية؛ حول استخراج الغاز من حقل غزة مارين، وكذلك التنقيب عن حقول أخرى في المياه الإقليمية لغزة، وتبادل المعلومات بين الأحزاب الفلسطينية والمعارضة بما يضمن الشفافية والقدرة الرقابية.
• التقدم بشكوى في المحاكم الدولي ومطالبة "إسرائيل" بتعويضات عن تعطيل الفلسطينيين عن استثمار غازهم، وكذلك استنزاف "إسرائيل" للغاز على حدود غزة في حقلَي نوا وماري ب، حيث تقدّر القيمة الاجمالية التقديرية لهذَين الحقلَين بنحو 20 مليار دولار.
• الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل الحصول على موافقة السكان المحليين؛ من خلال إشراك الفصائل الفلسطينية ولجنة العمل الحكومي في المشاورات التي تمّت حول ملف الغاز واطلاعهم على التفاصيل، والدخول في أي اتفاقيات يتم توقيعها مستقبلاً للغاز المكتشف قبالة قطاع غزة، لأن هذا الغاز حقّ لكل الفلسطينيين، بما يضمن الشفافية والنزاهة وعدم التفرد في القرارات المصيرية.
• قيام المجلس التشريعي بتفعيل قضية حقّ الفلسطينيين في التصرف في مواردهم الطبيعية في المحافل الدولية وفي التكتلات البرلمانية التي ينتمي إليها المجلس، والاستمرار في المطالبة بهذا الحق.
• ضرورة استثمار عائدات حقل غزة مارين في استكمال مشروعات التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجَسر الفجوة الاقتصادية بين المحافظات الجنوبية، قطاع غزة، والشمالية، الضفة الغربية.
• تعزيز التوافق والوحدة الفلسطينية؛ بما يسهم في قدرة الفلسطينيين على الاستفادة من آبار الغاز ضمن مياههم الإقليمية، وبما يضمن تعظيم الفوائد المحققة من تطبيق الاتفاقات.
• تنسيق المواقف العربية المشتركة عبر الجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامي، والوقوف مع الحكومة الفلسطينية لتحقيق أقصى منفعة من آبار الغاز في حدودها الإقليمية.
• دراسة تبادل الأدوار التي مارستها القوى والفصائل اللبنانية في الاستفادة من آبار الغاز لديهم، وتعزيز الجوانب الإيجابية وتجنب السلبية.
• تعزيز التعاون مع الجانب المصري بما يضمن تحقيق المصالحة الفلسطينية؛ لأنها المدخل الحقيقي لإنهاء الانقسام والشراكة الحقيقية، وبما يضمن عدم التفرد الإسرائيلي بالسلطة الفلسطينية.
• ضرورة تشكيل فريق وطني متخصص من قبل القوى الفاعلة الفلسطينية؛ من أجل المراقبة على ملف الغاز، ودراسة وتقييم الاتفاقيات، والتوظيف، ووضع خطط استخدام الإيرادات، وغيرها من الملفات.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات