أظهرت إحصاءات حديثة في العراق، تفشي البطالة والفقر على نطاق واسع، رغم ثروات البلاد التي توصف بالهائلة، حيث تصل احتياطاتها النفطية إلى أكثر من 150 مليار برميل.
وكشف ماهر جوهان، وكيل وزارة التخطيط العراقية، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية، أن نسبة البطالة في العراق تتراوح بين 13 و15 بالمئة، (أي ما يقارب 7 ملايين عاطل عن العمل)، فيما تبلغ نسبة الفقر 22 بالمئة، ( أي ما يعادل نحو 10 ملايين نسمة) في بلد يربو عدد سكانه على 43 مليونا.
وتبدو هذه النسب وفق خبراء ومراقبين معتادة ولا تعكس جديدا، بالنظر لما تعانيه البلاد من أزمات متداخلة ومتراكمة سياسيا وأمنيا واقتصاديا واداريا، ترتد سلبا على مختلف مجالات التنمية والارتقاء بالواقع الخدمي والمعيشي للمواطنين، وهو ما ينجم عنه استفحال معدلات البطالة والفقر.
عوامل تفشي الفقر
وتفاقم الوضع في ظل توالي الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على مدى السنوات القليلة الماضية، بفعل الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي وما خلفته من دمار وأزمة نازحين، وظهور جائحة كورونا ومن ثم حرب أوكرانيا، فضلا عن آفة الفساد الإداري وهدر المال العام وضعف آليات الشفافية والمحاسبة، وتداعيات ظاهرة التغير المناخي التي تضرب أحد أهم القطاعات الحيوية في البلاد، وهو قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية.
وكانت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية، قد أعلنت في صيف عام 2022، أن 9 ملايين مواطن، يعيشون تحت مستوى خط الفقر .
وحتى قبل أزمة جائحة كورونا، وتحديدا في عام 2019، أصدرت السلطات العراقية بيانات تفيد بأن نسبة الفقر في البلاد بلغت 22.5 في المئة .
ويرى متابعون أن نسبة الفقر في العراق لا تتراجع، بل إنها قد ترتفع أكثر خلال السنوات القليلة القادمة، في حال عدم معالجة مسبباتها.
ما المطلوب؟
يقول رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية رائد العزاوي، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية":
هذه النسبة ليست مستغربة ولا هي الجديدة رغم كونها نسبة كبيرة بالطبع، وتشكل نحو ربع عدد سكان العراق، أي ما يتراوح ما بين 12 إلى 15 مليون مواطن يعانون من الفقر الذي هو آفة منتشرة في البلاد، رغم كونها تسبح على بحار من النفط والغاز والمعادن والثروات الطبيعية المختلفة.
هذا يستلزم عملا كبيرا من قبل الحكومة لتقليص النسبة الكارثية والسيطرة عليها، خاصة وأن معدلات البطالة مرتفعة، وهو ما يسهم في ارتفاع نسبة الفقر، وذلك بسبب عدم توفر فرص العمل والشركات الاستثمارية وتفشي الفساد وغيرها.
الحكومة الجديدة تقول وعن حق أن على رأس أجندتها مكافحة الفساد والفقر والبطالة وتردي الخدمات، وهو ما ينتظر العراقيون ترجمته، والمفارقة هي أن آفتي الفقر والبطالة تتركزان أكثر في محافظات الجنوب، رغم كونها صاحبة الحصة الأكبر من الإنتاج النفطي الذي تعتمد عليه الموازنة العراقية .
الموازنة المرتقب إقرارها قريبا والتي تسندها وفرة مالية كبيرة جدا بحجم فائض يبلغ أكثر من 115 مليار دولار، بإمكانها ولا شك مساعدة الحكومة في تنفيذ برنامجها الطموح لمكافحة الفقر والبطالة والحد من تفاقمهما .
لمواجهة الفقر الذي يفتك بقسم كبير من العراقيين، يشير الباحث إلى عدة خطوات ممكنة:
تعزيز اللامركزية الإدارية وإتاحة الفرص والمبادرة أكثر أمام مختلف المحافظات للقيام بالمشاريع التنموية، وجعل الاستثمار الخارجي شريكا للمحلي، لرفع معدلات التشغيل والناتج القومي.
إقرار قوانين صارمة وملزمة لمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة، واسترداد الأموال الطائلة المنهوبة.
تعميم الشفافية التي هي أس نجاح أي عمل حكومي وإداري وهو ما نفتقده بالعراق، حيث تفتقر الكثير من المشاريع والخطط الحكومية والاستثمارية لها، حيث إن غالبها مشاريع وهمية ومتلكئة لم تنجز، وأهدرت تحت ستارها مليارات الدولارات، والتي كان يمكن توظيفها لمواجهة الفقر والبطالة وتنمية البلاد وتطوير واقعها الاقتصادي والخدمي.
إشراك المنظمات الدولية في مراقبة الأداء العام للشركات المحلية والأجنبية المستثمرة في البلاد، لكبح الفساد والهدر، مع ضرورة إعطاء الأولوية لإصلاح القطاع المصرفي حيث لا توجد رقمنة حقيقية بالعراق، بمعنى أن تعرف من أين تأتي الأموال وأين تذهب وكيف تصرف وتوظف، بهدف محاصرة الفساد الذي هو السبب الأساسي لتفشي الفقر والبطالة .
مواجهة تحديات تدخل الأحزاب السياسية والقوى المسلحة في مختلف شؤون الحكم والادارة، وهو الأمر الذي أعلن السوداني التصدي له منذ بداية وصوله لرئاسة الحكومة، وهو ما يحسب له في مواجهته للفساد عبر جملة إجراءات حقيقية على الأرض، وذلك بهدف تحسين الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطن العراقي.