ساهمت الاتفاقيات التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا بين أوكرانيا وروسيا في السماح للحبوب والأسمدة بالوصول إلى العديد من أصقاع المعمورة، حيث يعاني الملايين من الجوع وسط مخاوف حقيقية بشأن حدوث اضطرابات في الأمن الغذائي العالمي.
وترفض موسكو تجديد الاتفاق الذي ينتهي، الاثنين، ما لم يتم تلبية مطالبها، بما في ذلك ضمان ألا تواجه صادراتها الزراعية الأخرى أي عقبات بسبب العقوبات المفروضة على موسكو إثر غزو قوات الكرملين لأوكرانيا في أواخر فبراير من العام الماضي.
ووفقا لوكالة "أسوشيتد برس"، فقد سمحت مبادرة "حبوب البحر الأسود" بتصدير 32.8 مليون طن متري (36.2 مليون طن) من القمح من أوكرانيا منذ أغسطس الماضي، ليذهب أكثر من نصفها إلى البلدان النامية، بما في ذلك تلك التي تحصل على إعفاء من برنامج الغذاء العالمي.
وقال ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إذا لم يتم تجديد الاتفاق، "فسيكون هنالك ارتفاع جديد ومؤكد في أسعار المواد الغذائية".
وأضاف أن "مدة ذلك الارتفاع في الأسعار ستعتمد كثيرا على كيفية استجابة الأسواق".
بيد أن بعض الخبراء أظهروا نوعا من التفاؤل متوقعين عدم حدوث ارتفاع دائم في تكلفة السلع الغذائية العالمية، مثل القمح، نظرا لوجود ما يكفي من الحبوب في العالم.
ومع ذلك، فإن العديد من البلدان تعاني بالفعل مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية، مما يساعد على تفشي ظاهرة الجوع، وفيما يلي نظرة على اتفاقية "حبوب البحر الأسود" وما تعنيه للعالم:
ما هي الاتفاقية؟
وقعت أوكرانيا وروسيا اتفاقيات منفصلة في أغسطس من العام 2022، وجرى بموجبها إعادة فتح ثلاثة من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، والتي تم إغلاقها لعدة أشهر بعد الغزو الروسي.
كما سهلت الاتفاقية حركة بعض المنتجات الروسية رغم العقوبات الغربية.
ويعد كلا البلدين من الموردين العالميين الرئيسيين للقمح والشعير وزيت عباد الشمس، وغيرها من المنتجات الغذائية ذات الأسعار المعقولة التي تعتمد عليها أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء عدة من قارة آسيا.
وتعتبر أوكرانيا أيضا مُصدِّرًا ضخما للذرة، في حين تعد روسيا مُصدرا مهما للأسمدة التي تعتمد عليها الكثير من الدول الفقيرة في إنتاجها الزراعي.
وكان توقف الشحنات من أوكرانيا، التي يطلق عليها اسم "سلة خبز العالم"، قد أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب في جميع أنحاء العالم، وفقا لمديرة برنامج الأمن الغذائي والمائي العالمي في مركز الإستراتيجية والدراسات الدولية، كيتلين ويلش.
وتوفر اتفاقيات مبادرة "حبوب البحر الأسود" ضمانات بأن السفن لن تتعرض للهجوم عند دخول الموانئ الأوكرانية ومغادرتها.
كما يتم فحص السفن من قبل المسؤولين الروس والأوكرانيين والأمم المتحدة والأتراك للتأكد من أنها تحمل الطعام فقط وليس الأسلحة التي يمكن أن تساعد أي من الجانبين.
ومن المفترض أن يتم تمديد الاتفاق كل أربعة أشهر، وقد تم الترحيب بالاتفاقية باعتبارها منارة أمل وسط الحرب حيث جرى تجديدها ثلاث مرات.
ما الذي تم إنجازه؟
ساعدت الاتفاقية في خفض الأسعار العالمية للسلع الغذائية مثل القمح الذي سجلت أسعاره مستويات قياسية بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
ونظرًا لأن الحرب تسببت في ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة في جميع أنحاء العالم، فقد أُلقي بملايين الأشخاص في براثن الفقر وواجهوا قدرًا أكبر من انعدام الأمن الغذائي في الدول الضعيفة بالفعل.
وأوضح جون ستاوبيرت، كبير مديري شركة البيئة والتجارة للغرفة الدولية للشحن والتي تمثل 80 بالمئة من الأسطول التجاري العالمي، أنه وبمجرد إبرام صفقة الحبوب، استعاد برنامج الغذاء العالمي المورد الثاني له، مما سمح لـ 725 ألف طن متري (800 ألف طن) من المساعدات الغذائية الإنسانية بمغادرة أوكرانيا والوصول إلى بلدان على شفا المجاعة، بما في ذلك أثيوبيا وأفغانستان واليمن.
ما الذي يهدد الصفقة؟
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن موسكو لن تمدد اتفاق الحبوب ما لم يلتزم الغرب بـ "الوعود التي أعطيت لنا".
وقال بوتين للصحفيين، الخميس: "أظهرنا مرارا حسن النية بتمديد هذه الاتفاقية.. ولكن طفح الكيل".
ونوه إلى أنه يريد إنهاء العقوبات المفروضة على البنك الزراعي الروسي والقيود المفروضة على الشحن والتأمين التي يصر على أنها أعاقت الصادرات الزراعية.
وكانت بعض الشركات حذرة من التعامل مع روسيا بسبب العقوبات، لكن الحلفاء الغربيين قدموا تأكيدات بإعفاء المواد الغذائية والأسمدة.
وقال سيمون إيفينت، أستاذ التجارة الدولية والتنمية الاقتصادية في جامعة سانت غالن في سويسرا: "ليس من غير المألوف في مثل هذه المواقف أن تستخدم البلدان أي أدوات لديها لمحاولة تغيير أنظمة العقوبات".
من جانبه ذكر متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الأخير بعث برسالة إلى بوتين هذا الأسبوع يقترح فيها تسهيل المعاملات من خلال البنك الزراعي.
وقال ويلش : "إن المزاعم الروسية بأن قطاعها الزراعي يعاني يقابلها حقيقة" مفادها أن الإنتاج والصادرات في ارتفاع مقارنة بفترة ما قبل الحرب.
وصدرت روسيا رقما قياسيا بلغ 45.5 مليون طن متري من القمح في العام التجاري 2022-2023، مع ارتفاع آخر على الإطلاق بلغ 47.5 ملايين طن متري متوقعة في 2023-2024، وفقًا لتقديرات وزارة الزراعة الأميركية.
من يتأثر بوقف الاتفاق؟
تصف لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى تقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية، صفقة الحبوب بأنها "شريان الحياة لـ 79 دولة و 349 مليون شخص على الخطوط الأمامية لانعدام الأمن الغذائي".
وقال شاشوات صراف، مدير الطوارئ الإقليمي للمجموعة في شرق إفريقيا، إن منطقة شرق إفريقيا، على سبيل المثال، شهدت العديد من مواسم الجفاف والفيضانات الشديدة، مما أدى إلى تدمير المحاصيل لـ 2.2 مليون شخص يعتمدون على الزراعة لكسب عيشهم.
وأردف في بيان: "من المهم أن يتم تمديد الاتفاق على المدى الطويل لخلق بعض القدرة على الاستقرار" في الأمن الغذائي.
ويقول محللون إن البلدان التي تعتمد على استيراد المواد الغذائية، من لبنان إلى مصر، ستحتاج إلى إيجاد موردين خارج منطقة البحر الأسود، الأمر الذي قد يرفع التكاليف بسبب بعد المسافات.
وهذا من شأنه أن يضاعف التكاليف بالنسبة للبلدان التي شهدت تعاني ضعفا وتدهورا في عملاتها المحلية وزيادة مستويات الديون لأنها تدفع ثمن شحنات المواد الغذائية بالدولار.
وقال كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي، عارف حسين، للصحفيين إن الدول والشعوب منخفضة الدخل ستعاني إذا لم يتم تجديد صفقة الحبوب.
ماذا عن أوكرانيا؟
يعتمد اقتصاد أوكرانيا على الزراعة، وقبل الحرب، كانت 75٪ من صادراتها من الحبوب تمر عبر البحر الأسود.
ويمكن لكييف إرسال الصادرات الغذائية لأوروبا عن طريق البر أو النهر، لذلك لن يتم قطعها عن الأسواق العالمية إذا انتهت مبادرة الحبوب، ولكن هذه الطرق ذات قدرة أقل من الشحنات البحرية، ناهيك عن أن هذا الخيار قد أثار غضب المزارعين في البلدان المجاورة.
ومع ذلك، تريد جمعية الحبوب الأوكرانية إرسال المزيد من الحبوب عبر نهر الدانوب إلى موانئ رومانيا المجاورة على البحر الأسود، قائلة إنه من الممكن مضاعفة الصادرات الشهرية على طول هذا الطريق إلى 4 ملايين طن متري.
وانخفضت صادرات القمح الأوكرانية بأكثر من 40٪ عن متوسطها قبل الحرب، مع توقع وزارة الزراعة الأميركية تصدير 10.5 مليون طن متري في العام المقبل.
وكانت أوكرانيا قد اتهمت روسيا بإبطاء عمليات التفتيش على السفن ومنع السفن الجديدة من الانضمام إلى المبادرة، مما أدى إلى انخفاض صادراتها الغذائية من 4.2 مليون طن متري في أكتوبر إلى مليوني طن في يونيو.
ما الذي يؤثر أيضًا على إمدادات الغذاء؟
تؤثر تداعيات الوباء والأزمات الاقتصادية والجفاف وعوامل مناخية أخرى على قدرة الناس على الحصول على ما يكفي من الطعام.
وقالت منظمة الأغذية والزراعة في تقرير صدر في يوليو الجاري إن هناك 45 دولة تحتاج إلى مساعدات غذائية.
ويؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية إلى الجوع في معظم تلك البلدان، بما في ذلك هايتي وفنزويلا والعديد من البلدان في أفريقيا وآسيا.
ففي حين أن الجفاف يمكن أن يمثل أيضًا مشكلة لموردي الحبوب الرئيسيين، يرى المحللون أن البلدان الأخرى تنتج ما يكفي من الحبوب لتعويض أي خسائر من أوكرانيا.
وإلى جانب الصادرات الضخمة لروسيا، تعمل أوروبا والأرجنتين على زيادة شحنات القمح المعدة للتصدير، بينما شهدت البرازيل عامًا بارزًا بالنسبة لمحصول الذرة.
الحرة / ترجمات - دبي