2024-11-26 12:54 م

تقديرات إسرائيلية: لا انتصار لتل أبيب في هذه الحرب.. وواشنطن تمنحها أسبوعاً أو اثنين لوقفها

الناصرة- “القدس العربي”: دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أسبوعها السادس وشهرها الثاني. وفي خضم الأحاديث عن مساعٍ كثيرة تبذل في الدوحة والقاهرة وغيرهما من أجل صفقة، أو وقف مؤقت للنار وغيره، تبدو لهجة وتصريحات الساسة الإسرائيليين ملتبسة، وأحياناً متناقضة، ولهجة التصريحات مغايرة، تزامناً مع تصعيد للقصف الوحشي على القطاع، وسط تساؤلات متصاعدة عن مصير الحرب واحتمالاتها، وعن النافذة الزمنية المتبقية لها، في ظل تسارع عقارب الساعة الرملية الدبلوماسية في الغرب، وفي واشنطن بالذات.

على ما يبدو أن مثل هذه الأسئلة، علاوة على موضوع الصفقة المحتملة، مطروحة على طاولة بحث الكابينيت الإسرائيلي، الذي بدأ ظهر اليوم، بالتزامن مع وجود رئيس الموساد ورئيس السي أي إيه في الدوحة. وحسب الإذاعة العبرية، فإن إسرائيل مستعدة لوقف الحرب ليومين ثلاثة، مقابل الإفراج عن عدد مهم من المخطوفين.

وتنقل مصادر كثيرة في إسرائيل عن مصادر أمريكية وإسرائيلية قولها إن الضغوط على إسرائيل لوقف العمليات القتالية من أجل هدنة إنسانية تتصاعد، في ظل معاناة المدنيين الفلسطينيين، وتنبّه لانتقاد شبه مباشر للرئيس بايدن بقوله لقناة أمريكية، رداً على سؤال عن تقييمه للتعاون مع حكومة نتنياهو، إن الحرب قد طالت.

في هذه الأيام، التي تصاعد فيها الحديث عن احتمال تحقيق صفقة تشمل تبادل أسرى، فإن القصف الإسرائيلي ازداد كثافة ووحشية، وعلى ما يبدو هناك علاقة سببيّة بين الأمرين، في ظل طمع إسرائيلي بتليين موقف “حماس”، وخفض سقف طلباتها، علاوة على البحث عن المزيد من الضرب من أجل احتلال وعي الفلسطينيين والإسرائيليين، واسترداد الهيبة الجريحة، وربما البحث عن صورة انتصار إزاء ازدياد الضغط الدولي لوقف الحرب.

ورغم هذا الجحيم المصبوب على غزة منذ 36 يوماً، لم تتمكّن إسرائيل، حتى الآن، من تحقيق انتصار على المقاومة الفلسطينية داخل القطاع، رغم اختلال ميزان القوى بشكل مريع لصالحها. وفي الأثناء يتزايد عدد المراقبين الإسرائيليين ممن يتشكّكون في قدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة، ويحذّرون من نفاد صبر الغرب والولايات المتحدة، أو من التورّط في حرب طويلة داخل مناطق سكنية حوّلها الجيش الغازي لأكوام ركام. من هؤلاء المعلّقة السياسية البارزة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيما كادمون، التي تقول، في مقال بعنوان: “انتصار هنا لن يكون”، المنشور اليوم الجمعة، إنه “مهما حدث هنا، وبصرف النظر كيف ستنتهي هذه الحرب، وحتى لو انتهت بأفضل صورة في العالم، لن نرى هنا انتصاراً فيها”.

وتعلّل كادمون رؤيتها هذه، التي تتناقض والرواية الإسرائيلية الرسمية، بالقول إن الانتصار هنا مفقود، رغم الأحاديث الرسمية العلنية عن النجاحات الإسرائيلية، خاصة تلك الواردة على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن فيها يوآف غالانت، لأن الفشل الذريع في السابع من أكتوبر كبير، وفيه فقدت إسرائيل سيادتها على شريط جغرافي معين لصالح “حماس”، طيلة يومين.

وتؤكد كادمون أنه حتى لو تكلّلت الحملة البرية بالنجاح، بدون استعادة كل المخطوفين، فإن هذا لن يكون انتصاراً، بل سيكتب التاريخ عنها أنها خسارة موجعة.

أزمة الثقة لدى الإسرائيليين
 ودون الإشارة لزعزعة ثقة الإسرائيليين بدولتهم وجيشهم، وربما مستقبلهم، لا بحكومتهم فحسب، نتيجة ضربة السابع من أكتوبر، طبقاً لمراقبين إسرائيليين أيضاً، تكتفي كادمون بالقول:

“تبلغ أزمة الثقة بين الإسرائيليين وبين القيادة ذروتها، وسيكتب المؤرخون أنها أهملت سكان مستوطنات غلاف غزة مرتين؛ عندما فشلت في حمايتهم، وعندما فشلت في استعادتهم من الأسر، وهذه رسالة مروّعة لوعينا، بعدما قلنا لأنفسنا، طيلة عقود، إن إسرائيل هي البيت الأكثر أمناً واطمئناناً لليهود في العالم”.

كما تتساءل: “أي انتصار سيكون هذا، وقد بدأنا الحرب مع مقتل 1400 إسرائيلي، وإصابة آلاف، وأسر 240، ما زال مصيرهم مجهولاً بعد شهر ونيّف؟”.

ويتفق معها زميلها المحرر البارز في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع، الذي يشكّك في احتمال إحراز صفقة، والأهم في إمكانية تحقيق انتصار.

في مقاله، اليوم الجمعة، بعنوان” الجيش في حرب مع الزمن”، يعرب بارنياع عن أسفه لأنه لا يوجد انتصار في الأفق، لافتاً إلى أن أقوال نتنياهو عن حرب لفترة طويلة هي تعويض لفظي وعلاقات عامة عن انتصار غير موجود”.

ويعلّل بارنياع ترجيحه لتصاعد الضغط الخارجي على إسرائيل بالإشارة لما قاله المعلق السياسي الأمريكي توماس فريدمان في “نيويورك تايمز”، أمس، بأن الرئيس بايدن سيواصل تلبية احتياجات إسرائيل العسكرية ودعمها في غزة، فقط بحال دخلت إلى عملية سياسية مقابل الفلسطينيين وصولاً لتسوية الدولتين.

وأشار برنياع إلى أن فريدمان مقرب جداً من بايدن. ويوضح بارنياع أنه يتفق مع فريدمان بأن حكومة نتنياهو لا ترغب، ولا تستطيع، القيام بذلك، لأنها غير مؤهلة لليوم التالي للسابع من أكتوبر. معتبراً أن فقدان التناسب بين الاحتياجات الراهنة والظروف السياسية الداخلية في إسرائيل يخلق صعوبات، والنتيجة المتوقعة، برأيه، ضغط أمريكي متزايد من أجل الموافقة على وقف إطلاق نار.

ويرفض الإسرائيليون طلب الأمريكيين بوقف إطلاق نار حتى الآن، ويتحدثون عن هدنة، ويعتبرون أن “وقف إطلاق نار يمنح قادة “حماس” شعوراً بأن الخلاص قريب، ولذا يجب مواصلة القتال”.

تراجع شعبية بايدن
كما يوضح بارنياع أن إسرائيل تطمع بأن الضغط الكبير المتصاعد على “حماس” سيدفع لتحرير المخطوفين بأعداد كبيرة، أو مغادرة قيادتها بالكامل من القطاع.

في المقابل، يتابع بارنياع: “لا وقت لدى بايدن، فمشاهد الدمار والنار في غزة المدمرة تعرّض الإدارة الأمريكية لانتقادات في الجناح اليساري في حزبه، وتُصوّره كمن استسلمَ لإرادة حكومة إسرائيلية فاقدة للشعبية، فيما يخشى حلفاء أمريكا في المنطقة على استقرار حكمهم، بينما تعكس استطلاعات الرأي تراجع شعبيته بشكل خطير”.

وبخلاف تصريحات رسمية حول استمرار الحرب، يرى بارنياع أن إسرائيل ستضطّر إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، خلال أسبوع أو أسبوعين فقط.

 وعلى غرار أوساط إسرائيلية وأجنبية، يتساءل بارنياع في ما إن كان الجيش الإسرائيلي سيبقى في شمال القطاع، بحجم قوات محدود في ما يشبه شريط أمني؛ وماذا بعد ذلك؟ عن ذلك يقول بأسى إن قادة إسرائيل لا يملكون إجابات في هذه المرحلة، منبهاً لخطورة ازدياد سخونة الأوضاع داخل الضفة الغربية، حيث تقلق انتهاكات واستفزازات المستوطنين الإدارة الأمريكية.

حرب لبنان الثانية
ويواصل المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل التحذير من عدم إمكانية تحقيق الأهداف المعلنة لهذه الحرب، بقوله، اليوم الجمعة، “إن انتصاراً في حرب يتم عندما يقوم واحد من طرفيها بالتوقف عن العمل، وعن أداء وظائفه. و”حماس” ما زالت بعيدة عن هذه الحالة”.

 وعن ذلك يضيف: “تُبدي حماس ضيقاً حيال الجحيم الذي تلقيه إسرائيل على القطاع وعليها، لكنها بعيدة عن الانهيار”.

 وينقل هارئيل عن ضباط وقادة عسكريين إسرائيليين قولهم إن إسرائيل بحاجة لشهور حتى تحقّق أهداف الحرب، لكن الولايات المتحدة تمارس تأثيراتها، مرجّحاً أنها لن تقبل باستمرار هذه الحرب أكثر من بضعة أسابيع فقط.

ويستذكر هارئيل أن الحرب على غزة دخلت يومها الـ35، اليوم الجمعة، وهي الآن أكثر بيوم واحد من حرب لبنان الثانية، عام 2006، التي انتهت بوصف نتائجها بـ “تعادل محبط”، لأن إسرائيل لم تتمكن من هزم “حزب الله”. معتبراً أن “الظروف هذه المرة أصعب بكثير، معللاً ذلك بالقول إن “إسرائيل بدأت الحرب بعجز كبير، عقب فشل استخباراتي يزعزع البدن، في السابع من أكتوبر”.

 ويتابع: “كل ما فعله الجيش الإسرائيلي من وقتها، وما سيقوم به أيضاً، أشبه بمحاولة يائسة للّحاق بمنافس سبقه بفارق كبير إلى الأمام. خلال حرب لبنان الثانية، والحروب الكثيرة التي تلتها على غزة. دأب وزراء الأمن وقادة جيشنا التحدث عن ضرورة إلحاق هزيمة سريعة بالعدو، وفي سلاح الجو، والمستوى السياسي يشكّكون بقدرات القوات البرّية”.

 وبخلاف الرواية الإسرائيلية المعلنة، يوضح هارئيل أن “الجيش الغازي في غزة يتكبّد خسائر عندما تباغته “حماس” من الخلف، وعندما تتوقف قواته مكانها، أو عندما تصل إلى أماكن هامة للحركة، وتخوض حولها جهداً دفاعياً أقوى”.

ونقل عن عسكريين قولهم إن “المنطقة التي يتواجد فيها الإسرائيليون هي الأكثر اكتظاظاً، علاوة على أمرين يفاقمان تحديات القوات الإسرائيلية: الأنفاق المتشعبة للغاية تحت الأرض، والأبراج السكنية، رغم أن قسماً كبيراً منها دمّرته الغارات الجوية”.

ويضيف الجنرال في الاحتياط آفي مزراحي، في حديث للإذاعة العبرية العامة، اليوم، أن إسرائيل “لا تملك خطة لليوم التالي، وهذا من شأنه أن يورطها في حرب مكلفة داخل القطاع”.

للتدليل على ذلك يقول مزراحي إن إسرائيل عليها “تعلّم الدروس من العراق من فترة الحرب الأولى عليها، بعدما دمّر الجيش الأمريكي الجيش العراقي دون خطة لليوم التالي، ما ورّطها في حرب استنزاف أمام منظمات كثيرة”، معتبراً أن “هذا هو حال إسرائيل في غزة اليوم”.