يعيش الفلسطينيون الذين اضطروا إلى مغادرة قطاع غزّة نتيجة الحرب الإسرائيلية إلى مصر في ظروف سيئة بسبب غياب الرعاية الصحية والاجتماعية لهم من قبل الجهات الرسمية المصرية أو الفلسطينية، أو المؤسسات الخيرية المحلية أو الإقليمية أو الدولية.
وقدّر السفير الفلسطيني في القاهرة، دياب اللوح، أخيراً، أن ما بين 80 إلى 100 ألف فلسطيني وصلوا إلى مصر من غزّة عبر معبر رفح البري منذ بدء العدوان الإسرائيلي. ويتوزّعون على محافظات عدة، خصوصاً القاهرة وشمال سيناء، ويضطرون لاستئجار شقق سكنية مفروشة لعدم قدرتهم على اصطحاب أي شيء من أمتعتهم في غزّة، سواء بسبب القصف الإسرائيلي منازلهم، أو عدم السماح لهم بحملها في أثناء المرور عبر معبر رفح.
ولسوء الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين القادمين إلى مصر أسباب عدة، أهمها فقدان مصادر الرزق والعمل في غزّة نتيجة الحرب، وكذلك دفع مبالغ مالية أثناء رحلة النزوح داخل القطاع، ومن ثم الاضطرار لدفع مبالغ مالية باهظة تبدأ من خمسة آلاف دولار لكل بالغ و2500 دولار لكل طفل لكي يتمكنوا من العبور إلى مصر عبر معبر رفح، فيما قد ترتفع الكلفة في حال كان السفر مستعجلاً.
وترتفع كلفة إيجار الشقق في المدن المصرية الرئيسية مع دخول فصل الصيف الذي يشهد إقبال السياح العرب والأجانب، ما يجعل الفلسطينيين فريسة للسماسرة، وأصحاب الشقق، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية واحتياجات الأطفال والأدوية، وكذلك احتياجهم لدفع مبالغ مالية مقابل العلاج بسبب عدم إتاحة العلاج المجاني لهم.
وصل الفلسطيني يسري وافي إلى مصر قبل شهر، وقال لـ"العربي الجديد" إنه كان يتردد على القاهرة بشكل دوري قبل العدوان بسبب تلقي أحد أطفاله العلاج في أحد المراكز الطبية الخاصة، لكنه في هذه المرّة قرّر أن يصطحب عائلته كلها معه، وعدم تركهم في غزّة تحت القصف الإسرائيلي، ما اضطره إلى دفع مبلغ يقدر بـ 22 ألف دولار مقابل ما يطلق عليه "التنسيق الأمني".
وأضاف: "بعد وصولنا إلى مصر فوجئت بقيمة إيجارات الشقق السكنية، إذ يتراوح إيجار الشقة المفروشة شهرياً في القاهرة بين 15 إلى 60 ألف جنيه مصري (320 إلى 1250 دولاراً)، بحسب مكان الشقة ومستوى الفرش فيها، والمدة التي سيدفع إيجارها مسبقاً. اضطررت إلى استئجار شقة فارغة بثمانية آلاف جنيه شهرياً، وشراء بعض الأثاث المستعمل، في ظل عدم معرفة المدة التي سنمكث فيها في القاهرة". وتابع: "لم نجد أي دعم مالي أو اجتماعي من أي جهة، سواء مصرية أو فلسطينية أو دولية، ولم يتواصل معنا أحد بالمرة، ولم يقدم لنا أي شخص أو جهة أي نوع من الدعم. نحتاج على الأقل لمن يتكفل بكلفة السكن، على أن نتكفّل نحن بمصاريف الحياة اليومية، خصوصاً أن الحياة باتت مكلفة في مصر، ولا يمكن البقاء هنا من دون مصدر دخل دائم، وقد فقد جميعنا مصادر العمل والرزق".
ويبحث الفلسطينيون في مصر عن أية فرصة عمل تدرّ عليهم دخلاً مادياً يساعدهم في توفير النفقات المعيشية، لكن غالبية المراكز التجارية والمحال العاملة لا تحتاج إلى أيدٍ عاملة، إضافة إلى أن المردود الشهري من العمل في مصر لا تتناسب مع التكلفة التي يحتاجها الفلسطينيون القادمون من غزة.
وصل الفلسطيني نهاد أبو عودة إلى مصر قبل أشهر، وبعد رحلة بحث، اضطر إلى استئجار غرفة بإحدى المناطق الشعبية في حي جسر السويس شرقي العاصمة القاهرة، ليقطن فيها مع عائلته المكوّنة من خمسة أفراد، وهو حالياً غير قادر على توفير مستلزمات الحياة اليومية، وقام صاحب العقار بتخفيض الأجرة الشهرية مساعدة للعائلة الفلسطينية. وقال لـ"العربي الجديد": "نعيش في ظروف سيئة، وأنتظر أن تنتهي الحرب كي أعود إلى منزلي في غزّة رغم أنه مدمّر، ولو كنت أعرف أن الحرب ستمتد كل هذا الوقت لما جئت إلى مصر. كنت أتوقع أن تدعمنا كثير من المؤسسات والجهات الرسمية والخيرية، لكننا تركنا لنواجه مصيرنا وحدنا. ينبغي إطلاق مبادرات شعبية لدعمنا، وتوفير احتياجاتنا الأساسية، وفي مقدّمتها السكن والعلاج".
وفتحت مصر معبر رفح أمام الفلسطينيين لمغادرة قطاع غزّة بعد أسابيع من تخصيصه في بداية الحرب لمغادرة أصحاب الجنسيات والإقامات الأجنبية والعاملين في المؤسسات الدولية، ويغادر القطاع يومياً ما يقارب 800 فلسطيني، بينهم مرضى وجرحى، ويضطر غالبية هؤلاء إلى دفع مبالغ مالية لصالح شركة "هلا"، أو سماسرة قادرين على إضافة الأسماء في الكشوف المخصصة لسفر الفلسطينيين التابعة لوزارة الخارجية المصرية.
المصدر: العريي الجديد