لطالما حكم القضاة الإسرائيليون منذ فترة طويلة بأن سيطرة “إسرائيل” على الأراضي هي احتلال عسكري مؤقت ويتوافق مع القانون الدولي. وقد أشار خطاب وزير نافذ مؤخرًا، تم تسجيله في شريط فيديو، إلى أن الحكومة تحاول تغيير ذلك.
قال عضو مؤثر في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمستوطنين في الضفة الغربية التي تحتلها “إسرائيل” إن الحكومة منخرطة في جهود خفية لتغيير طريقة حكم الأراضي بشكل لا رجعة فيه، لتعزيز سيطرة “إسرائيل” عليها دون أن تُتهم بضمها رسميًا.
في تسجيل مسجل للخطاب، يمكن سماع المسؤول، وهو بتسلئيل سموتريتش، وهو يشير في مناسبة خاصة في وقت سابق من هذا الشهر إلى أن الهدف هو منع الضفة الغربية من أن تصبح جزءًا من الدولة الفلسطينية. وقال سموتريتش للمستوطنين: “أنا أقول لكم، إنه أمر دراماتيكي للغاية. تشبه هذه التغييرات تغير الحمض النووي للنظام”.
في حين أن معارضة سموتريتش للتخلي عن السيطرة على الضفة الغربية ليست سرًا؛ فإن الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية هو أن وضع الضفة الغربية لا يزال مفتوحًا للمفاوضات بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين. وقد قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن حكم “إسرائيل” على الأراضي يرقى إلى احتلال عسكري مؤقت يشرف عليه جنرالات الجيش، وليس ضمًا مدنيًا دائمًا يديره موظفون مدنيون إسرائيليون.
وقد يجعل الخطاب الذي ألقاه سموتريتش في 9 حزيران/ يونيو في تجمع في الضفة الغربية من الصعب الحفاظ على هذا الموقف. فقد حدد فيه الخطوط العريضة لبرنامج منسق بعناية لسحب السلطة على الضفة الغربية من أيدي الجيش الإسرائيلي وتحويلها إلى مدنيين يعملون لدى سموتريتش في وزارة الدفاع. وقد تم بالفعل إدخال أجزاء من الخطة بشكل تدريجي على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، وتم بالفعل نقل بعض السلطات إلى المدنيين.
وقال سموتريتش: “لقد أنشأنا نظامًا مدنيًّا منفصلًا”. ولإبعاد التدقيق الدولي؛ سمحت الحكومة لوزارة الدفاع بالبقاء منخرطة في العملية، بحيث يبدو أن الجيش لا يزال في قلب الحكم في الضفة الغربية.
وقال سموتريتش: “سيكون من الأسهل تقبله في السياق الدولي والقانوني، حتى لا يقولوا إننا نقوم بالضم هنا.”
استمع مراسلو صحيفة نيويورك تايمز لتسجيل الخطاب الذي استغرق حوالي نصف ساعة والذي قدمه أحد الحضور، وهو باحث من منظمة “السلام الآن”، وهي مجموعة حملات مناهضة للاحتلال. وأكد إيتان فولد، المتحدث باسم سموتريتش، أنه ألقى الخطاب وقال إن الحدث لم يكن سريًا.
وقال سموتريتش، وهو مشرِّع يميني متطرف، إن نتنياهو كان على علم بتفاصيل الخطة، والكثير منها كان متوقعًا في اتفاقية التحالف بين حزبيهما التي تسمح لرئيس الوزراء بالبقاء في السلطة. وقال سموتريتش في الخطاب إن نتنياهو “معنا بالكامل”.
إذا انهارت الحكومة قد تتمكن ائتلافات مستقبلية من عكس التغييرات، ولكن التحركات الحكومية في الضفة الغربية في الماضي بقيت عادةً قائمة خلال الإدارات المتعاقبة.
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين؛ من المرجح أن يتم استقبال الخطاب نفسه بقدر أقل من الدهشة مقارنة بحقيقة أن سموتريتش قال الكلمات بشكل علني.
وقال إبراهيم دلالشة، مدير مركز الأفق، وهي مجموعة تحليل سياسي في رام الله بالضفة الغربية: “من المثير للاهتمام أن نسمع سموتريتش بصوته يؤكد الكثير مما كنا نشك فيه حول أجندته”. ومع ذلك، قال دلالشة إن هذا النهج ليس جديدًا.
وقال الفلسطينيون لسنوات إن القادة الإسرائيليين يحاولون ضم الضفة الغربية بكل طريقة باستثناء ضمها اسميًّا؛ حيث يقومون ببناء المستوطنات في مواقع إستراتيجية في محاولة لمنع السيطرة الفلسطينية المتواصلة على الأراضي. وقال دلالشة: “لقد كان هذا يحدث منذ سنة 1967، أي منذ زمن طويل قبل أن يأتي سموتريتش إلى الساحة”.
لقد استولت “إسرائيل” على الضفة من الأردن في سنة 1967 خلال حرب مع ثلاث دول عربية. ومنذ احتلالها للضفة؛ قامت “إسرائيل” بتوطين أكثر من 500,000 مدني إسرائيلي يخضعون للقانون المدني الإسرائيلي، إلى جانب حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني يخضعون للقانون العسكري الإسرائيلي. وتدار حوالي 40 بالمائة من الأراضي بواسطة السلطة الفلسطينية، وهي هيئة فلسطينية شبه مستقلة تعتمد على تعاون “إسرائيل” في الكثير من تمويلها.
وعلى مدى عقود؛ وصفت المحكمة العليا في “إسرائيل” حكم “إسرائيل” للأراضي بأنه احتلال عسكري، يشرف عليه جنرال كبير، ويتوافق مع القوانين الدولية التي تنطبق على الأراضي المحتلة. ويختلف الائتلاف الحاكم الحالي مع مصطلح “احتلال”، لكنه ينفي علنًا أيضًا أن الضفة الغربية قد تم ضمها بشكل دائم ووضعت تحت السيطرة السيادية للسلطات المدنية الإسرائيلية.
وقال مكتب رئيس الوزراء في بيان ردًا على خطاب سموتريتش: “إن الوضع النهائي لهذه الأراضي سيحدده الطرفان في مفاوضات مباشرة”. وأضاف البيان: “هذه السياسة لم تتغير”، فيما أشار خطاب سموتريتش إلى خلاف ذلك.
ولفت الخطاب – على وجه الخصوص – إلى أحد التغييرات التي لم يعد بموجبها ضباط الجيش يشرفون على معظم العملية التي يتم بموجبها توسيع المستوطنات الإسرائيلية، والاستيلاء على الأراضي وبناء الطرق في الضفة الغربية. وقال سموتريتش إن هذه الأدوار يشرف عليها الآن “مدني يعمل تحت إشراف وزارة الدفاع”، والذي لا يعمل لدى القادة العسكريين، بل في مديرية جديدة يشرف عليها سموتريتش.
حتى مع تزايد الضغوط الدولية لإعلان دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، تشير تصريحات سموتريتش إلى أن “إسرائيل” تعمل بهدوء على إحكام سيطرتها على الضفة الغربية وجعل فك الارتباط عن السيطرة الإسرائيلية أكثر صعوبة.
كان الدبلوماسيون يحاولون التوصل إلى “صفقة كبيرة” للشرق الأوسط من شأنها أن تنهي الحرب الإسرائيلية مع حماس في قطاع غزة وتحسن علاقات “إسرائيل” مع الدول الأخرى في المنطقة؛ حيث تقول السعودية – على سبيل المثال – إنها ستعترف بـ”إسرائيل” ولكن فقط إذا سمحت “إسرائيل” بقيام دولة فلسطينية.
ويوضح خطاب سموتريتش مدى بُعد هذا الاحتمال في الوقت الذي يتحرك فيه لدمج إدارة الضفة الغربية المحتلة مع إدارة دولة “إسرائيل”.
وقالت تاليا ساسون، وهي مسؤولة كبيرة سابقة في وزارة العدل الإسرائيلية قادت تحقيقًا حكوميًا مؤثرًا في سنة 2005 في دعم الحكومة للمستوطنات غير القانونية، إن خطاب سموتريتش “يقوض بشكل أساسي الحجة التي طالما ساقتها دولة إسرائيل بأن المستوطنات قانونية لأنها مؤقتة”.
وقد بين الخطاب مدى القوة التي أصبحت تتمتع بها حركة الاستيطان الإسرائيلية التي كانت هامشية في السابق؛ فسموتريتش هو ناشط استيطاني منذ فترة طويلة عمل في السابق خارج المؤسسة الإسرائيلية لبناء معسكرات استيطانية تعتبر غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي. وباعتباره متشددًا دينيًا؛ فهو يعتقد أن الضفة الغربية – التي يشير إليها الإسرائيليون بأسمائها التوراتية، يهودا والسامرة – قد وهبها الله لليهود.
وبصفته مشرِّعًا على مدار العقد الماضي؛ جذب سموتريتش الانتباه بسبب تصريحاته المتطرفة التي يدلي بها بشكل منتظم، بما في ذلك دعوته لتدمير بلدة فلسطينية، ودعمه للفصل بين العرب واليهود في أقسام الولادة، ودعمه لملاك الأراضي اليهود الذين يرفضون بيع ممتلكاتهم للعرب.
ومنذ أواخر سنة 2022، اكتسب سموتريتش نفوذًا استثنائيًا على سياسة الحكومة. وذلك عندما انضم حزبه إلى ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مما ساعده على تأمين أغلبية صغيرة في البرلمان.
وقد استخدم سموتريتش هذا النفوذ لإقناع نتنياهو بتعيينه في وزارة الدفاع وكذلك في وزارة المالية، وهو الدور الذي استخدمه سموتريتش لمنع التمويل عن السلطة الفلسطينية.
وقال سموتريتش في الخطاب المسجل: “هدفي – وأعتقد أن هدف الجميع هنا – هو أولاً وقبل كل شيء منع إقامة دولة إرهاب في قلب أرض إسرائيل”، وأكد سموتريتش على أن إنجازه الرئيسي هو وضع العديد من مهام الجيش في الضفة الغربية تحت السيطرة المدنية. فبينما كان الجيش يغض الطرف في كثير من الأحيان عن التوسع الاستيطاني؛ بل ويحرس المستوطنات غير المصرح بها من هجوم الفلسطينيين، إلا أن الجنود قاموا في بعض الأحيان بتدمير معسكرات المستوطنين التي بُنيت دون إذن من الحكومة ومنع النشطاء الإسرائيليين من دخول الضفة الغربية.
ولمواجهة هذا التأثير، قال السيد سموتريتش إن الحكومة:
منحت المدنيين سيطرة أكبر على خطط بناء المستوطنات وكذلك الإشراف على المحامين الذين يقررون في القضايا القانونية في المستوطنات.
تجريد القائد الأعلى للجيش في الضفة الغربية من القدرة على منع خطط بناء المستوطنات.
تأمين ما يقرب من 270 مليون دولار من ميزانية الدفاع الإسرائيلية لحراسة المستوطنات في 2024-2025.
الاقتراب من إنشاء فرقة أمنية جديدة يمكنها أن تهدم بسرعة أكبر المباني الفلسطينية في الضفة الغربية التي تم بناؤها دون تصريح إسرائيلي.
ويبدو أن تصريحات سموتريتش كانت إلى حد ما محاولة لتخفيف الانتقادات من قاعدته السياسية حول سجله في منصبه؛ حيث يقول نشطاء المستوطنين إن الجيش لا يزال يمنعهم في كثير من الأحيان من بناء بؤر استيطانية جديدة، وأن سموتريتش لم يفعل ما يكفي للتدخل.
وقال سموتريتش في خطابه للمستوطنين: “قبل خمسة عشر سنة، كنتُ أحد أولئك الذين يركضون على التلال وينصبون الخيام”، موضحًا أن عمله الآن وراء الكواليس سيكون له تأثير أكبر بكثير من بناء أي مخيم استيطاني واحد.
المصدر: نيويورك تايمز