أثارت زيارة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، المفاجئة لدولة قطر الكثير من التساؤلات حول أسبابها وتوقيتها والملفات التي تم فتحها، في وقت تشتد فيه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولا يوجد أي أمل بانتهاء الحرب أو حتى الاتفاق على تهدئة.
حسين الشيخ، والذي يعد من الشخصيات الأبرز في السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”، وحتى ينظر له على أنه “الخليفة المحتمل” للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أجرى زيارة سرية إلى قطر، في ظل الحديث بكثرة عن مبادرات تُطرح في السر لمناقشة مستقبل غزة، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية.
ورغم التكتم الشديد من قبل السلطة الفلسطينية وحتى دولة قطر حول هذه الزيارة، والاكتفاء بإصدار بيان متواضع أكد فيه مناقشة الشيخ مع المسؤولين القطريين، تطورات حرب غزة، وتحديد مستقبل القطاع.
وقال الشيخ، في منشور له عبر منصة “إكس”: “التقيت الاثنين، في الدوحة مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، حيث تباحثنا في آخر التطورات وملف المصالحة الداخلية”، مضيفًا ” المباحثات تناولت أيضا “إجراءات إسرائيل الأخيرة (ضد السلطة)، والتحرك الثنائي والعربي والدولي، لوقف الحرب على غزة، وضرورة وجود أفق سياسي لحل شامل”.
وبدعم أمريكي مطلق، أسفرت الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن نحو 125 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل إسرائيل حربها رغم قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
– تفاصيل غامضة
وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.
زيارة الشيخ لقطر لم تمر مرور الكرام، فالكثير من وسائل الإعلام هرولت خلفها لمعرفة خفاياها وأسرارها في هذا الوقت الحساس، فتحدثت بعضها أن الهدف هو بحث مستقبل “غزة في ظل وجود حماس”، فيما ذهبت أخرى للتأكيد على وجود شي خفي يدور أسفل الطاولة حول مصير غزة ستكون السلطة الفلسطينية شريكًا فيه.
وقال مصدر فلسطيني، إن الشيخ زار الدوحة، لبحث التنسيق مع حماس بشأن إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وتابع وفق “سكاي نيوز عربية”، بأن “حماس” لينت مواقفها فيما يتعلق بمشاركة السلطة الفلسطينية في حكم غزة.
كما كشف مصدر مسؤول آخر، عن تفاصيل لقاءات مرتقبة ستجمع مسؤولين في السلطة الفلسطينية مع قيادات من حركة “حماس”، في قطر، وأوضح وفق موقع “ارم نيوز” الإماراتي، أن مغادرة الشيخ والوفد المرافق إلى قطر جاءت بعد ضغط أمريكي كبير على قيادة السلطة الفلسطينية، من أجل التنسيق مع حركة حماس لإدارة شؤون قطاع غزة.
وذكر أن الضغط الأمريكي جاء هذه المرة على قاعدة بقاء حركة “حماس” في الحكم إلى ما بعد انتهاء الحرب على القطاع، مشيرًا إلى وجود اختلاف بين رؤية الإدارة الأمريكية عن ما أعلنه مجلس الحرب الإسرائيلي في وقت سابق، بضرورة إنهاء حكم “حماس” للقطاع، والقضاء عليها عسكريًّا.
غير أن المصدر ذاته كشف عن وجود نية إسرائيلية – أمريكية بأن يكون هناك خليط ما بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، ودور أوروبي، في إدارة شؤون قطاع غزة بعد الحرب.
وأوضح المصدر أن التوجه العام الجديد يصب في اتجاه نزع القوة العسكرية من حماس، المتمثلة في سلاحي الأنفاق والصواريخ، ومنع إدخال المال إليها بشكل مباشر، ومن جهة أخرى الإبقاء على الحركة قوية أمام أي خصم فلسطيني موجود على الساحة في القطاع.
ولفت المصدر إلى أن ذلك يضمن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومشروع اليمين الإسرائيلي الرافض لقيام وحدة فلسطينية سياسية وجيوغرافية، بالإبقاء على حالة الانقسام قائمة، مع ضمان عدم معارضة السلطة الفلسطينية التي ستظهر بمظهر المتعاون مع إسرائيل في القضاء على حماس في حال عادت لتحكم قطاع غزة.
وبيّن المصدر أن جولة المفاوضات الأولى بين الطرفين في العاصمة القطرية كانت معقدة للغاية، إذ كان سقف المطالب لدى حماس مرتفعًا مقارنة بالحالة التي تعيشها الحركة، مع التأكيد على تكرار الجلسات إلى أن تخلص لرؤية مشتركة بحسب رغبة الإدارة الأمريكية.
– مصير غزة
وتماشيًا مع هذا التطور، تراجع مكتب نتنياهو سرا في الأسابيع الأخيرة عن معارضته لمشاركة أفراد مرتبطين بالسلطة الفلسطينية في إدارة غزة بعد الحرب ضد حماس، حسبما قال ثلاثة مسؤولين مطلعين على الأمر لـ “تايمز أوف إسرائيل” العبرية.
ويأتي هذا التطور بعد أن وجه مكتب نتنياهو على مدى أشهر المؤسسة الأمنية بعدم إدراج السلطة الفلسطينية في أي من خططها لإدارة غزة بعد الحرب، وفقا لمسؤولين إسرائيليين قالا إن الأمر أعاق بشكل كبير الجهود المبذولة لصياغة مقترحات واقعية لما تم التوصل إليه. أصبح معروفًا باسم “اليوم التالي”.
علنًا، يواصل نتنياهو رفض فكرة حكم السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، وقال للقناة 14 العبرية الأسبوع الماضي، إنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية في المنطقة الساحلية بينما قال إنه “غير مستعد لتسليم غزة للسلطة الفلسطينية”.
وبدلا من ذلك، قال نتنياهو للشبكة اليمينية إنه يرغب في إنشاء “إدارة مدنية – إن أمكن مع الفلسطينيين المحليين، ونأمل أن تحظى بدعم من دول المنطقة”.
لكن كبار مساعدي نتنياهو خلصوا سرا إلى أن الأفراد الذين لهم صلات بالسلطة الفلسطينية هم الخيار الوحيد القابل للتطبيق أمام إسرائيل إذا أرادت الاعتماد على “الفلسطينيين المحليين” لإدارة الشؤون المدنية في غزة بعد الحرب، حسبما أكد مسؤولان إسرائيليان ومسؤول أمريكي. خلال الاسبوع الماضي.
وأوضح مسؤولان إسرائيليان أن الأفراد المعنيين هم سكان غزة، الذين يتقاضون رواتب من السلطة الفلسطينية والذين أداروا الشؤون المدنية في القطاع حتى سيطرة حماس العنيفة على السلطة في عام 2007، ويتم الآن فحصهم من قبل إسرائيل.
وقال مسؤول إسرائيلي ثان، إن مكتب نتنياهو بدأ التمييز بين قيادة السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، الذي لم يدين علناً بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وموظفي السلطة الفلسطينية “من المستوى الأدنى” الذين هم جزء من السلطة الفلسطينية بالفعل. إنشاء مؤسسات في غزة أكثر ملاءمة لإدارة الشؤون الإدارية للقطاع.
وأوضح المسؤول الإسرائيلي الثاني، أن معارضة نتنياهو لتسليم السيطرة على غزة إلى “السلطة الفلسطينية الحالية” لا تزال قائمة، لكنه يمكن أن يكون أكثر مرونة إذا نفذت رام الله إصلاحات مهمة للتصدي بشكل أفضل للتحريض والإرهاب في الضفة الغربية.
وأمام هذا التطور..
هل ستوافق “حماس” على نزع سلاحها مقابل بقائها بغزة؟ وما دور السلطة الفلسطينية بهذا المخطط؟ ومن سيرسم مستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب؟
المصدر: رأي اليوم