فشل جيش الاحتلال الإسرائيليّ في عمليته المزعومة، والتي أطلِق عليها اسم (أتلانتس) والتي حاول فيها على مدى أشهر إغراق أنفاق حركة حماس في قطاع غزة، منذ بداية الحرب على غزة في تشرين الأول (أكتوبر) من العام المنصرم، وينضاف هذا الفشل إلى سلسلة الإخفاقات التي كانت من نصيب جيش الاحتلال منذ بداية العدوان الهمجيّ والبربريّ ضدّ قطاع غزّة.
وكشف تحقيق أجرته صحيفة (هآرتس) العبريّة النقاب عن أنّ فشل جيش الاحتلال في التغلّب على مشكلة الأنفاق دفعه للأخذ بأفكار جديدة منها عمليات الإغراق، من دون أنْ ينتظر إجراء تجارب. كما اعتمد خطة قديمة وغير ملائمة، مع تجاهل نصائح المهنيين والخطر المحتمل على الأسرى لدى حماس، وانتهت بعد بضعة أشهر دون الكشف عن تفاصيل تنفيذها وما إذا قد تسبب تنفيذها بضرر ما أم لا، على ما أكّدته الصحيفة.
وشدّدّ التحقيق الصحافيّ الإسرائيليّ على أنّه كان من المفترض أنْ تشكل (أتلانتس) تحولاً كبيرًا، حيث كانت تهدف إلى تقديم حلٍّ سريعٍ وفعّالٍ لأحد التحديات المعقدة في غزة، ووصفها جيش الاحتلال بأنّها “اختراق هندسي وتكنولوجي كبير في التعامل مع التهديد تحت الأرض”، في إشارة لتعطيل أنفاق حركة حماس والقضاء على كبار مسؤوليها العسكريين عبر إغراقها بالمياه.
ومضت الصحيفة العبريّة قائلةً في تحقيقها إنّ جيش الاحتلال استهدف نفقًا كبيرًا في غزة كان يعتقد بوجود قيادات من حماس داخله، وذلك على الرغم من احتمالات كبيرة لوجود أسرى إسرائيليين أيضًا، موضحةً في الوقت عينه أنّ الجيش الإسرائيليّ لم يمتلك معلومات واضحة عن الأنفاق وآليات بنائها، لكنّه قرر العمل على إغراقها بمياه البحر بسبب الضغوط، طبقًا لأقوال الصحيفة.
علاوة على ما ذُكِر أعلاه، أشارت الصحيفة العبريّة إلى أنّه رغم محاولة إغراق الأنفاق لم يتمكّن الجيش من جمع معلومات عن نتائجها وعن مصير من كانوا داخلها سواء من مقاتلي حماس أوْ أسرى إسرائيليين، تحتجزهم المقاومة الفلسطينيّة منذ السابع من أكتوبر من العام الفائت.
ووفقًا لإفادات ضابط إسرائيليّ تحدّث لصحيفة (هآرتس) فإن جيش الاحتلال كان يعتقد أنّ إغراق الأنفاق سيقضي على عناصر حماس وأنّ الناجين منهم سيقتلهم، لكن هذا لم يتحقق، على حدّ تعبيره.
كما ذكرت الصحيفة أنّه بعد محاولات إغراق الأنفاق دارت نقاشات في دولة الاحتلال حول آلية بناء حماس للأنفاق، ولماذا لم تغرق طيلة السنوات الماضية نتيجة مياه الأمطار، ليكتشف المعنيون أنّ حركة (حماس) شيّدت الأنفاق على مستويات مختلفة ومنحدرات وأنشأت نظامًا لتصريف مياه الأمطار وأبوابًا جانبية.
وقال مصدرٌ أمنيٌّ في تل أبيب، طلب عدم الكشف عن اسمه، للصحيفة إنّ كلّ ما تدرب عليه الجيش قبل الحرب ليس له صلة بالواقع الذي تكشّف أمام الجنود في الميدان.
يُشار في هذا السياق إلى أنّه تمّ عن خطة (أتلانتس) قبل نحو ستة أشهر، في 30 كانون الثاني (يناير) 2024، حيث وصفها رئيس أركان جيش الاحتلال، الجنرال هرتسي هاليفي بالفكرة الجيدة.
وكان الكاتب أنشيل بابر قال في (هآرتس) “إنّ عددًا من الضباط من مختلف الرتب في الجيش الإسرائيليّ يعتقد أنّ شبكة الأنفاق في قطاع غزة أكبر وأكثر تشعبًا بكثير ممّا تمّ تقديره في البداية. علاوةً على ذلك، يزداد الاقتناع في أوساط كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيليّ بأنّ قواتهم لن تدمر كلّ أنفاق حماس والجهاد الإسلاميّ في القطاع، ولا حتى معظمها.”
وأضاف: “الأنفاق موجودة في غزة قبل قيام (حماس) في سنة 1987، ويتضح الآن أنّها، في معظمها، ستبقى مكانها بعد الحرب الحاليّة”.
وشدّدّ الكاتب على أنّ “الافتراض بأنّ (الاستيلاء عملانيًا) على الأرض فوق الأنفاق عدة أسابيع سيُجبِر عناصر (حماس) على الخروج منها لفقدان الأوكسيجين والماء والغذاء، تبينّ أنّه افتراض خاطئ، إذ اتضح أنّ الأنفاق لم تكن فقط مزودة جيدًا بالطعام والشراب لإقامةٍ طويلةٍ، بل أنّها سمحت بانتقال القوات بين عدة مناطق في المدينة، وفي القطاع”.
وقال أيضًا: “مؤخرًا نقلت (نيويورك تايمز) عن مسؤولين كبار في المؤسسة الأمنيّة تقديرهم أنّ طول شبكة الأنفاق في القطاع تقدَّر بـ 700 كلم، وهذا بعكس تقديرات الاستخبارات التي وصلت في بداية الحرب إلى 400 كلم”.
وأردف: “من غير الواضح إذا جرى الكشف عن كلّ الأنفاق المركزيّة، وحتى تلك التي اكتُشفت، لن يكون هناك وقت لتدميرها. حتى الآن، عثر الجيش في مختلف أنحاء القطاع على 1000 فتحة نفق. ومن المعقول وجود آلاف أُخرى لم يُكشف عنها، ويبدو أنّ المُقاومين يُمكنهم إزالة الردم من الفتحات وترميم شبكة الأنفاق”.
واختتم: “يتعيّن على المؤسسة الأمنيّة الاعتراف بأنّ تدمير الأنفاق كان منذ البداية هدفًا غيرٌ واقعيّ، ربّما بإمكان الجيش مواجهتها كتهديدٍ عسكريٍّ، لكنّ هذه الأنفاق ستبقى تحت غزة”، على حدّ تعبيره.
المصدر/ رأي اليوم