2024-11-25 11:38 م

مـــن نحــن؟!

2024-10-07

بقلم: د. طالب أبو شرار
باستمرار مشاهد القتل الوحشي لكل الطيف الإنساني في لبنان وباستمرار العصف التدميري بأعتى ما يتوفر في الترسانة الحربية الأمريكية من قنابل ومتفجرات لا يسبقها تدميرا سوى القنابل الذرية، يقف العالم العربي متفرجا على تلك المشاهد. أجل، هو يشاهد صامتا، أو متحسرا في أفضل الحالات، تماما كما لو كانت مجريات الأحداث في كوكب آخر وليست في بلد شقيقً أهله هم نحن وآلامهم لا بد وأن يكون آلامنا. أكثر من مليون وربع مليون إنسان هم جزء من ذخرنا الحضاري والوطني يهجرون بلداتهم وقراهم وأحياءهم وبيوتهم خوفا وذعرا من آلة القتل الهمجي التي تلاحقهم أينما حلوا. يفترشون الشوارع والأرصفة والساحات العامة إن وجدت بلا ماء أو طعام أو غطاء وفي جيوبهم المستنزفة أصلا القليل من مدخراتهم التي سرعان ما ستستنزف تماما كحال أشقائهم في غزة! شتاء مضى وها هو شتاء آخر يدق الأبواب فكيف لنا ألا نرى ذلك في كل ثانية نعيشها! هل تعلمون أن هناك أطفالا ولدوا في الحرب ثم قتلتهم الحرب ذاتها ولما يتنفسوا طعم الحياة بعد؟ كيف لنا أن تغفوا عقولنا على أحلامنا الخاصة أو نملأ بطوننا بالطعام والشراب وننعم بالدفء وهم على نقيض كل ما لدينا!  ألا يحق لي والحالة هذه أن أتساءل عمن نكون؟ أو من نحن؟
سؤال لم أتخيل قط أنني سأطرحه ليس عليكم فقط وانما على نفسي أيضا. قديما قال سقراط: اعرف نفسك! لكني أكاد أجزم بأن لا أحدا منا يعرف نفسه حقا. نعم! كنت أظن أنني أعرف من أنا لكن ما نشهده منذ عام من مواقف وأقوال تصدر عن أناس حقيقيين أو عن مسؤولين عرب تجعلني أراجع تعريفي لنفسي أو تعريفي للعربي. ما زلت أظن أنني عربي مسلم لكن ما أسمعه وأشاهده يشكنني في أنني أنتمي وأولئك المتحدثون الى هوية واحدة. كنت أظن العربي يمتثل لقول الرسول العربي “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” لكنني أرى ذاك العربي لا يكتفي بخذلان أخيه بل ينصرف عنه غير مكترث بمعاناته بل ينكر عليه حقه في الدفاع عن وطنه وأرضه وعرضه. هو يفعل ذلك كي يجد لتخاذله ذاك مبررا رخيصا. ليته اكتفى بالصمت، وهو أضعف الإيمان، بل تجرأ على أخيه ومقدساته تارة بإنكار قدسيتها وتارة أخرى بالقول إنها لا تعنيه وأنها ليست على سلم أولوياته! هل هو فعلا عربي؟ كنت أظن العربي شجاعا وذا شهامة ومروءة ونخوة فإذا به لا هذا ولا ذاك، يخرج العالم الغربي والشرقي متعاطفا مع أهل غزة والضفة الغربية وأخيرا لبنان والعربي في مجموعه الأعظم لاهيا في أحلامه واحتفالاته بل تتجرأ ممثلة شهيرة بالإعلان عن رفضها تعليق احتفالية فنية متذرعة بحجج ينطبق عليها قول القائل: عذرٌ أقبح من ذنب. تقول تلك الممثلة: علقنا فعاليات سابقة مع بداية الحرب على قطاع غزة وأنها وبقية زملائها غير قادرين على تعليق هذه الاحتفالية من جديد بسبب الحرب على لبنان وشعبه! يا إلهي! هل تبخلين سيدتي على أهل لبنان بهذا التضامن البسيط! هل ترفضين مد يد التضامن المعنوي الى أولئك الذين وقفوا الى جوار بلدك في العديد من معاركه وضحى شبابهم بأرواحهم من أجلكم لتقولي: نشاطاتنا الفنية أهم من لفتة التعاطف معهم! هل أنا وأنت من نفس الطينة الإنسانية؟ أشك في ذلك! فإذا كان هكذا واقع حالنا، لا بد إذن من التساؤل عمن أكون وعمن تكونين أنت وأشباهك الكثيرون!
ليعذرني القارئ الكريم، لكن كوابيس الصمت العربي على المشاهد المتلاحقة القادمة من غزة ومن لبنان، جنوبه وشماله وشرقه وغربه بما في ذلك ست المدائن، بيروت نفسِها، تكتم أنفاسي وتمزق أحشائي الداخلية. لم أعد أحتمل مشاهد الأطفال مهروسي الأجساد! لم أعد أحتمل منظر الأمهات والأبناء والزوجات وهن يتلمسن وجوه وأجسام أحبتهم الممددةَ على الأرض الى جوار أقدام الآخرين بلا احترام لقدسية الموت أو حرمة الأموات. لم أعد أحتمل عدَاد الأموات الصاعد باستمرار في غزة وفي لبنان بل وفي الضفة الغربية أيضا. الكل في بلاد العرب لا يكترث والكل صامت وآلة القتل الصهيونية دائرةً ليل نهار. عندما يُذكر عدد الشهداء وعدد الجرحى بُعيد قصفٍ صهيوني، أُضيف معظم الجرحى الى قوائم الشهداء، ففي هذه الحالة، الفارق بسيط بين الشهيد والجريح: الأول غادر دنيانا مبكرا والآخر سيغادرها متعبا ومتألما بعد حين. سيغادر أولئك الجرحى عالما بلا مستشفيات أو طبابة أو تمريض أو دواء أو حتى غذاء وكساء وإيواء مناسبين. لقد أغلق الجميع أبواب غزة وهاهم يستكملون ذلك في لبنان. لقد أصموا آذانهم عن صراخ الموجوعين والمستغيثين. هنالك أطفال بلا معيل وأطفال بلا أمهات بل وبلا أسر ترعاهم. كنت أحلم بموقف عربي “أخوي” منذ عقود عديدة يُجبر فيه “العرب” القوى الغربية على الحدِ (وليس الكفَ) عن دعم ذلك الكيان السرطاني واحتواء شروره ومنح أشقائهم في فلسطين حقهم المشروع في وطن ينعمون في ظلاله بحياة إنسانية كريمة. لقد أداروا ظهورهم لكل ذلك وذروا الرماد في العيون وربما طاب لبعضنا أن يغفوا على حلم أسمه “تحرير فلسطين”. عشنا في وهم الأخوة العربية و”جامعة الدول العربية” ثم جاء الطوفان قبل عام ليزيل الأقنعة عن الوجوه وليظهر الحقائق المجردة لكل ذي بصر وليس كل ذي بصيرة. هذا الصمت المطبق هذه الأيام هو ذات الصمت الذي مكن أعداءنا من ابتلاع فلسطين من قبل وهو أيضا ذات الصمت الذي سيلتهمكم بعد حين. هل تظنون وحوشا مثل أولئك الذين يبيدون سكان عمارات أو أحياء سكنية كي يقتلوا إنسانا واحدا سيعاملونكم بإنسانيه واحترام ونزاهة بعد أن يفرغوا منا نحن كما يخططون؟ لن أقول لكم صدقوني لكن منطق الأمور يقول لكم ذلك بوضوح ساطع: ستظل الأفعى شريرة وسامة حتى وإن بدلت جلدها وسيظل الذئب ذئبا حتى لو ارتدى ثياب الحمل. هم لا يميزون بين عربي من هنا وآخر من هناك، فتربصوا وإنا معكم متربصون.