2024-11-25 09:29 م

كيف ينظر الإسرائيليون إلى سيناريوهات التهديد الوجودي لدولتهم؟

2024-11-02

حين نلقي نظرة عامة على “إسرائيل”، نجد دولة معترف بها دوليًا ويبلغ تعداد سكانها اليهود 7 ملايين نسمة، ولديها اقتصاد قوي و6 جامعات من ضمن الجامعات الرائدة في العالم، وجيش حديث وتفوق عسكري على الدول الإقليمية، ومعاهدات سلام ودفء في العلاقات مع الدول العربية، وعلاقات ممتازة مع أوروبا والصين والهند، وتحالف تاريخي وثيق مع الولايات المتحدة. 

ربما يعتقد البعض أن بقاء دولة بهذه الإمكانات ليس موضع شك، لكن رغم كل ذلك، تركز العديد من الدراسات الإسرائيلية على معاناة المجتمع الإسرائيلي من الشعور بالتهديد الوجودي والعيش في ظل عدم اليقين، حتى إن مفهوم التهديد الوجودي يستخدم بشكل أساسي في الخطاب الإسرائيلي العام. 

في الآونة الأخيرة، حذر الباحثون في مراكز الدراسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية من التهديدات الوجودية التي ستواجهها “إسرائيل” مستقبلًا على الصعيد الداخلي والخارجي، لدرجة رسم شكل كل سيناريو محتمل من سيناريوهات التهديد ووضع خطط واتخاذ إجراءات وقائية لإفشال وإحباط سيناريوهات التهديد المختلفة.

في هذا التقرير نستكشف أهم 5 سيناريوهات يرى الإسرائيليون أنها تهدد وجودهم، 3 منها ذات طابع أمني/عسكري، وهي هجوم صاروخي من جبهات عدة، وتشكيل حلف إقليمي عسكري، وانتشار النووي في الشرق الأوسط. أما السيناريوهات الأخرى فهي ذات طابع سياسي/اجتماعي، وتتمثل في العزلة الدولية والمقاطعة وتفكك المجتمع الإسرائيلي.

حرب الصواريخ
في دراسته “هجوم صاروخي متعدد الجبهات يشل ركائز الدفاع والصمود في إسرائيل”، يشير رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، أودي ديكل، إلى أن سيناريو الهجوم الصاروخي من جبهات عدة على “إسرائيل”، من شأنه أن يؤدي إلى انهيار أنظمتها الدفاعية ويشل قدرتها العسكرية على الصمود.

لكن لماذا يتوقع الإسرائيليون هذا السيناريو؟ في دراستهما “تشكيل تحالف إقليمي ضد إسرائيل: العوائق وعلامات الإنذار” يشير الباحثان الإسرائيليان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، شلومو بروم، وأوفير وينتر إلى أن دائرة أعداء “إسرائيل” اتسعت وأصبح هؤلاء الأعداء أكثر خبرة في مجال الصواريخ.

ففي السنوات الأخيرة، تنامت القدرات الصاروخية لأعداء “إسرائيل” سواء الدول، مثل إيران، أم الجماعات مثل حماس والجهاد الإسلامي والميليشيات الشيعية، وفي حال أطلق هؤلاء على “إسرائيل” وابلًا من الصواريخ في وقت واحد ومن ساحاتهم المختلفة، فسيكون من الصعب على أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي اعتراض هذه الصواريخ خاصة الصواريخ الدقيقة الموجهة إلى أهداف استراتيجية وحساسة في عمق “إسرائيل”.

ويتخيل أودي ديكل أن الهجوم متعدد الجبهات سيشمل صواريخ وطائرات دون طيار من لبنان وسوريا، وصواريخ باليستية من إيران والعراق، وصواريخ مجنحة من إيران والعراق، وصواريخ وطائرات هجومية دون طيار وقذائف هاون من غزة.

ويرى ديكل أن هذا هو أكبر تهديد وجودي لمستقبل “إسرائيل”، فإطلاق الصواريخ الموجهة بدقة والصواريخ الأخرى على “إسرائيل” من جبهات عدة من شأنه أن يخلق توازن رعب جديد، ويخلف عواقب مدمرة على الجيش الإسرائيلي، وكذلك على الاقتصاد وشعور المجتمع الإسرائيلي بالأمن.

لقد استثمرت “إسرائيل” خلال العقود الثلاث الماضية موارد هائلة لتطوير أنظمة دفاعها الجوي لمواجهة هذا السيناريو، لكن حسب أودي ديكل فإن العدد الكبير والمتنوع من الصواريخ جعل من الصعب على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي العمل بشكل فعال على جميع الجبهات.

يقول أودي ديكل: “طورت إسرائيل أنظمة دفاع جوية متعددة، ويهدف كل نظام إلى مواجهة مجموعة مختلفة من التهديدات، فالقبة الحديدية ضد الصواريخ قصيرة المدى، ومقلاع داود ضد الصواريخ والقذائف متوسطة المدى، ومنظومة السهم ضد الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى، وهذه هي الطريقة التي يعمل بها الدفاع الجوي، حيث لكل صاروخ يتم إطلاقه على إسرائيل استجابة محددة، ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يوفر استجابة فعالة لكل التهديدات، خاصة في بيئة قتالية بها ذخائر متنوعة تهاجم في وقت واحد ومن جبهات مختلفة”.

إن تطوير وإنتاج الصواريخ أرخص كثيرًا من إنشاء وتطوير أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الاعتراضية، وكما ورد في مقال بالمجلة الإسرائيلية العسكرية “معراشوت – maarachot”، فإن برامج أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية مكلفة للغاية وتفرض عبئًا ثقيلًا على ميزانية الجيش الإسرائيلي وتستنزف موارده المخصصة لتطوير القدرات الهجومية وبناء القوة البرية.

يقول ديكل: “إذا نجح العدو في إطلاق مئات الصواريخ في وقت واحد ومن مناطق مختلفة (وهو احتمال واضح)، فمن المرجح أن يواجه الدفاع الجوي الإسرائيلي صعوبة في التعامل مع هذا التهديد، وستكون النتيجة تدميرًا واسع النطاق خاصة بالمدن الكبرى والمواقع الاستراتيجية في إسرائيل، بما في ذلك معدل مرتفع من الضحايا، وهو سيناريو لم تشهده إسرائيل من قبل، لا في حرب الخليج الأولى، ولا في حرب لبنان الثانية، ولا في عملية الجرف الصامد”.

تشكيل حلف عسكري
في دراستهما “تشكيل تحالف عسكري إقليمي ضد إسرائيل: العوائق وعلامات الإنذار” يستبعد الباحثان سيناريو مواجهة “إسرائيل” تحالفًا عربيًا إسلاميًا يسعى إلى تهديد وجودها في الوقت الحالي أو في الأمد القريب، نظرًا للميزة العسكرية لـ”إسرائيل” والدعم الكبير لها من الولايات المتحدة، ورؤية العديد من قادة الدول العربية “إسرائيل” كحليفة والاشتراك معها في نفس المخاوف، بجانب المشكلات الداخلية والانقسامات داخل المعسكر العربي والإسلامي.

لكن ما يقلق الباحثين هو أن هذا الوضع من المحتمل أن ينقلب من خلال سيناريو كالربيع العربي، أو سقوط الأنظمة الأكثر ودية لـ”إسرائيل”، ولذا يقول الباحثان: “يتعين على إسرائيل أن تستعد لاحتمال خطير يتمثل في سقوط الزعماء والأنظمة البراغماتية في دول المنطقة، أو تحول هذه الدول إلى فوضى، واستبدال القيادات المؤيدة للسلام بزعامات معادية”.

يرى بروم ووينتر أن هناك 4 دول أساسية تشكل أخطر تهديد وجودي على مستقبل “إسرائيل”، وهما تركيا ومصر وإيران والسعودية، وبدرجة أقل الأردن. ورغم أن مصر والأردن لديهما معاهدة سلام مع “إسرائيل”، فإن بروم ووينتر يرون أن هذه الاتفاقيات لا قيمة لها مستقبلًا. وقد استند تحليلهما على قاعدة أن “السلام الذي يتم بشكل أساسي بين القيادات والجيوش ولا يستند إلى أسس شعبية ومدنية قوية، سيواجه في نهاية المطاف صعوبة في الاستمرار”.

إن قلق بروم ووينتر من مصر يرجع بالدرجة الأولى إلى الخوف من تغيير النظام الحالي، ما سيؤدي حسب زعمهماذ إلى صعود القوى المعادية لـ”إسرائيل”، والأهم أن هذه القوى الجديدة في مصر ستؤثر على قوى أخرى في المنطقة.

ويؤكد الباحثان على أن مصر ستكون الثقل الأكبر في تشكيل تحالف عسكري إقليمي فعال ضد “إسرائيل”، ويحذران بشدة من احتمالية تغيير النظام في مصر، ويقولان: “الواقع الحالي في مصر قد يتغير ويعكس سياسة جديدة تجاه إسرائيل.. لا يجب أن ننفي إمكانية انضمام مصر إلى تحالف إقليمي عسكري ضد إسرائيل في الأمد البعيد”.

كذلك يعتبر بروم ووينتر أن الأردن يشكل خطرًا محتملًا في سيناريو الانضمام إلى التحالف ضد “إسرائيل”، وتشمل الأسباب الحدود الطويلة وقربها من مناطق مهمة في “إسرائيل”، واللاجئين الفلسطينيين الذين يشكلون نحو نصف سكان الأردن ولا يعترفون بـ”إسرائيل”.

ورغم أن الباحثين يستبعدان احتمال انضمام السعودية إلى تحالف عربي ضد “إسرائيل”، ويعترفان بأن جيش المملكة غير مدرب ويعتمد على الأجانب، لكنهما يحذران بشدة من إضعاف النظام السعودي، وبتعبيرهما: “جميع السيناريوهات التي تقوض النظام السعودي تضر بإسرائيل”.

وما يقلق الإسرائيليون هو تراكم الأسلحة الحديثة في السعودية والخشية من أن تنتقل إلى أيدي معادية. والإشكالية بحسب شلومو ووينتر أن تغيير الأنظمة في مصر والأردن والسعودية سيؤدي إلى تطوير التعاون بينهما. 

وحسب الباحثين الإسرائيليين تشكل إيران تهديدًا بسبب أيديولوجيتها الرافضة لوجود “إسرائيل”، وجهودها النووية وقدرتها المتقدمة في مجال الصواريخ بعيدة المدى. كما تقدم إيران مساعدات عسكرية واقتصادية لوكلائها النشطين في المنطقة.

أما تركيا فيرى الباحثان أنها قادرة على تشكيل تهديد كبير لـ”إسرائيل” بمفردها، فهي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، وتستثمر في الإنفاق العسكري، ومن منظور الباحثين، من الممكن أن تتعاون تركيا مستقبلًا مع مصر ضد “إسرائيل”، لكنهم استبعدوا التعاون العسكري الإيراني التركي ضد “إسرائيل”، نظرًا للمنافسة بين القوتين واختلاف طريقة عمل كل منهما.

يقول بروم ووينتر: “أحد أهم العوائق التي تحول دون تشكيل تحالف إقليمي ضد إسرائيل، هو علاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة، والتي تستند إلى مجموعة متنوعة من المصالح المشتركة، كالتوجه المؤيد لأمريكا، والرغبة في تقليص نفوذ إيران، والصراع ضد الحركات الإسلامية والسلفية الجهادية، والسعي إلى الاستقرار والرفاهية الاقتصادية، لكن هذه المصالح المشتركة بين إسرائيل ودول المنطقة قد تتغير في أعقاب سقوط الحكام والأنظمة وصعود زعماء أو قوى ذات أجندة معادية لإسرائيل، مثل الأيديولوجية الإسلامية”.

ولمواجهة سيناريو التحالف الإقليمي ضد الإسرائيلي، يقترح شلومو ووينتر أن تعمل “إسرائيل” على تعزيز المعسكر البراغماتي في المنطقة خاصة مصر والأردن والسعودية والإمارات، وأن تدعم استقرار هذه الدول من خلال الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والاستخبارية والعسكرية في حدود معينة، في مقابل إضعاف المعسكر الراديكالي، كإيران وحماس و”حزب الله”، وبدرجة أقل الحد من نفوذ قطر وتركيا. ويوصي الباحثان بأن تبدأ “إسرائيل” في خلق قوة ردع ضد أنقرة، وأن تنسق مع الجهات المعادية لتركيا. 

سباق التسلح النووي 
حفز المشروع النووي الإيراني دولًا عدة بالمنطقة العربية على متابعة برامج نووية سواء بالشراء أم التطوير، مثل تركيا والسعودية ومصر والإمارات. وفي دراستهما “الانتشار النووي في الشرق الأوسط” يشير الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، يويل غوزانسكي وجاليا ليندا شتراوس، إلى أن “إسرائيل” ستواجه تهديدًا وجوديًا بسبب انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.

يرى الباحثان أن “إسرائيل” من المحتمل أن تفقد صورتها كصاحبة الاحتكار النووي في الشرق الأوسط، ولذا يؤكدان على أنها يجب أن تستعد للسيناريو الذي توجد فيه أكثر من دولة مسلحة نوويًا في المنطقة. 

تشعر السعودية بالتهديد من المشروع النووي الإيراني وتعد المرشح العربي الأبرز لتطوير برنامج نووي ذي أبعاد عسكرية. وورد في ربيع عام 2019 أن المملكة استحوذت على مفاعل صغير مصنوع في الأرجنتين وأنه في مراحل متقدمة من البناء في موقع بالقرب من الرياض. 

كما أوضح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشكل علني في ربيع عام 2018 أن “المملكة العربية السعودية لا تريد الحصول على قنبلة نووية، ولكن إذا طورت إيران قنبلة نووية، فستحصل المملكة على قنبلة نووية في أقرب وقت ممكن”. وبالتوازي مع ذلك، تتفاوض المملكة مع الولايات المتحدة من أجل بناء محطات طاقة نووية لإنتاج الكهرباء.

كذلك أجري الأردن مفاوضات بشأن اتفاقية تعاون نووي مدني مع الولايات المتحدة، ولكن هذه المفاوضات لم تحرز تقدمًا بسبب إصراره على عدم التخلي عن خيار تخصيب اليورانيوم.

أما الإمارات، فتعد الدولة الأكثر تقدمًا في العالم العربي فيما يتعلق بالتطوير النووي المدني، ففي عام 2018، أكملت بناء أول مفاعل نووي من بين 4 مفاعلات، ورغم أن الإمارات تعهدت في عام 2009 بعدم تخصيب اليورانيوم، فإن سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، ألمح إلى أن الإمارات قد تعيد النظر في موقفها فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.

وفي حين قرر الرئيسان أنور السادات وحسني مبارك، عدم متابعة التطوير النووي العسكري، والاكتفاء بالدعوة إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، وهي الدعوة الموجهة بالأساس إلى “إسرائيل”، لكن الدبلوماسية المصرية في السنوات الأخيرة توقفت عن دعوة “إسرائيل” إلى التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي.

وهو ما فسره الباحثان يوئيل جوزانسكي وجاليا ليندا شتراوس، بمتابعة مصر لمشروعها النووي بعد يأسها من عدم جدوى سياستها السابقة في المحافل الدولية والتي لم تسفر عن أي نتائج حقيقية. 

ويقول الباحثان: “تدخل روسيا في بناء محطة الطاقة النووية في الضبعة وتحسين البنية الأساسية للعلوم النووية في مصر أمر في غاية القلق.. وفي الوقت الحالي، لا تزال مصر بعيدة عن إنتاج أسلحة نووية بمفردها، لكن لديها بعض المعرفة والبنية الأساسية اللازمة، كما تمتلك رصيدًا كبيرًا من العلماء والمهندسين النوويين المصريين”.

كذلك من شأن المشروع النووي الإيراني وخاصة إذا حذت السعودية حذوه، أن يشكل معضلة لتركيا، ففي خطاب ألقاه في أنقرة في مايو/أيار 2018، أعلن الرئيس التركي أردوغان أن التهديدات الرئيسية لبلاده والمنطقة هي الأسلحة النووية. وفي خطاب ألقاه في سبتمبر/أيلول 2019، انتقد الدول التي تمتلك قدرات نووية عسكرية وتمنع تركيا من امتلاكها. 

ورغم أن تركيا وقعت على معاهدة منع الانتشار النووي وتتمتع بالمظلة النووية لحلف شمال الأطلسي، يشير الباحثان الإسرائيليان إلى أن تركيا تسعى لاتخاذ مسار نووي مستقل. وفي الواقع، تقوم تركيا بتطوير برنامج نووي مدني كبير.

وإزاء كل هذه المشروعات النووية في المنطقة والتي بالأساس تفتقر إلى الاستخدام العسكري ويتم تنفيذها تحت عباءة الشرعية الدولية، تشعر “إسرائيل” بالتهديد الوجودي، وهو ما عبر عنه الباحثان الإسرائيليان بالقول: “لا يمكننا تجاهل حقيقة أن حتى مسارات التسلح النووي المدني التي تفتقر إلى الأبعاد العسكرية، تخلق تدريجيًا واقعًا إقليميا جديدًا يتجه نحو انتشار البنية النووية الأساسية، حيث تصبح المعرفة والكفاءات النووية أكثر شيوعًا، وعندها يتم كسر المحرمات النووية خطوة بخطوة.. وعلى إسرائيل منع التسلح النووي في المنطقة حتى مع الدول التي ترتبط معها بشراكة استراتيجية علنية أو سرية، وذلك خوفًا من أن يتغير توجهها أو تنقلب سياستها (على سبيل المثال في حالة سقوط نظام)، أو أن يؤدي حصول دولة ما على السلاح النووي إلى تشجيع دولًا أخرى في المنطقة على أن تحذو حذوها”.

الحرب الأهلية
في دراسة “تشكيل تحالف إقليمي ضد إسرائيل: العوائق وعلامات الإنذار” يشير الباحثان الإسرائيليان إلى أن المجتمع الإسرائيلي يتمتع بمستوى معين من التضامن خلال أوقات الحروب والأزمات، لكن دون أوقات الطوارئ، تطفو حالة الاستقطاب والانقسامات والتفكك على السطح، ومن شأن هذا السيناريو حسب الباحثين بروم ووينتر، أن يؤثر على سمعة “إسرائيل” الرادعة في نظر الأعداء، وقد يؤدي إلى أعمال عدائية ضدها، ولا يستبعدان أن تقوم حربًا أهلية بين الفصائل المختلفة في المجتمع الإسرائيلي.

أما الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والعقيد في الجيش الإسرائيلي بنينا شارفيت باروخ، فتشير في دراستها “التهديد الداخلي: الجدل حول هوية إسرائيل” إلى أن “إسرائيل” دولة غير متجانسة ومجزأة إلى قطاعات مختلفة لا تشترك في نفس النظرة إلى العالم. 

وبرأيها فقد يؤدي الصدع الداخلي بين المواطنين الإسرائيليين إلى سيناريو الحرب الأهلية، خاصة مع تراجع الديمقراطية وتطرف الخطاب السياسي، وما تعتبره شارفيت، فقدان الهوية اليهودية للدولة وانفصال “إسرائيل” عن قطاعات اليهود في الشتات، خاصة الجيل الأصغر سنًا من اليهود الأميركيين، وتقول: “يجب على إسرائيل أن تحافظ على أغلبية يهودية وأن تعزز صلتها بالشتات اليهودي، وأن تمتنع عن منح الجنسية للسكان الفلسطينيين”.

كذلك تشير إلى أن حربًا أهلية قد تحدث في حالة تم إخلاء المستوطنات اليهودية من الضفة الغربية، وهو نفس السيناريو الذي يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت.

ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن إخلاء المستوطنات وإقامة دولة فلسطينية سيؤدي إلى توسيع المخاطر الوجودية التي تواجهها “إسرائيل”، وسيقضي على الأسس الوجودية للدولة الإسرائيلية. وحتى الآن يرفض كبار المسؤولين الإسرائيليين إقامة دولة فلسطينية كجزء من خطة ما بعد الحرب، وهو ما يعارضه كذلك أغلبية المجتمع الإسرائيليين.

وبالتالي فإن سيناريو الحرب الأهلية لن يقوض فقط التماسك الداخلي لـ”إسرائيل”، بل سيؤدي إلى إضعاف قدرتها على التعامل مع التهديدات الخارجية، وفي حالة حدث سيناريو إخلاء المستوطنات اليهودية من الضفة الغربية أو تم وضع مسار نحو إقامة دولة فلسطينية، تقول شارفيت: “ستواجه إسرائيل هجرة جماعية من الإسرائيليين الذين لديهم بدائل، ولن يرغبوا بعد الآن في الاستمرار في العيش داخل الدولة. كما أن تقويض القيم والمؤسسات الديمقراطية في إسرائيل وحالة الحرب الأهلية من شأنها أن تبعد المستثمرين وتجعل من الصعب جذب استثمارات جديدة”.

المقاطعة والعزلة والعقوبات الدولية
في دراسته “عزل إسرائيل ومقاطعتها دوليًا” يتناول عوديد عيران، باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي وسفير “إسرائيل” لدى الاتحاد الأوروبي، سيناريو تجد فيه “إسرائيل” نفسها معزولة بعد خضوعها لمقاطعة وعقوبات دولية. 

يرى عيران أن العقوبات والمقاطعة والعزلة الدولية تشكل تهديدًا وجوديًا، ومن شأنها أن تلحق بـ”إسرائيل” ضررًا بالغًا في قدراتها العسكرية والاقتصادية، كما تجعل من الصعب عليها حماية مصالحها الاستراتيجية الأساسية. 

وحتى الآن، عرقلت الولايات المتحدة أي قرارات ضد مقاطعة “إسرائيل” في المحافل الدولية، لكن عيران يخشى من الهيئات الاقتصادية المستقلة، وفي حين لا توجد أمثلة على دول تعرض وجودها للتهديد بسبب العزلة ووضعها الاقتصادي، فإنه يرى أن وضع “إسرائيل” مختلف، فحين تكون المقاطعة والعزلة مصحوبة بوقوع تهديدات أخرى في نفس الوقت، حينها تشكل “تهديدًا وجوديًا حقيقيًا” على حد تعبيره.

واليوم، تقاطع “إسرائيل” عدة منظمات سياسية واقتصادية، وشهدت الأشهر الأخيرة صعود حركة احتجاج BDS (مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل)، واتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات أولية لرفض التعامل مع الهيئات الاقتصادية الإسرائيلية في المستوطنات، ويروي عيران أن “إسرائيل” عانت من عواقب سلبية بسبب حركة BDS.

ويقول عيران عارضًا الحل لمواجهة سيناريو المقاطعة والعزلة والعقوبات الدولية: “منع هذه التهديدات يتطلب من إسرائيل الحفاظ على دعم الإدارة الأمريكية والكونجرس بأي ثمن، والتعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها حجر الزاوية في الحفاظ على إسرائيل وفي تطوير القدرة على صد وتقليص أي تهديدات من هذا القبيل”.

ختامًا، نادرًا ما واجهت دولة في التاريخ الحديث تهديدات وجودية كالتي تواجهها “إسرائيل”، فهي لا تتعامل مع تهديد وجودي واحد فحسب، وتختلف الأطر الزمنية لهذه التهديدات الوجودية التي عرضها الباحثون الإسرائيليون، ففي حين قد يحدث هجوم صاروخي في الأمد المتوسط فإن التهديدات الأخرى كتشكيل تحالف إقليمي، وتحول الشرق الأوسط إلى قوة نووية، قد تحدث في إطار زمني طويل الأمد. وفي الوقت نفسه، قد يتطور التهديد الداخلي للمجتمع الإسرائيلي من خلال سيناريو المقاطعة والعزلة الدولية والحرب الأهلية على المدى المتوسط والطويل. 

المصدر: نون بوست