2025-03-09 04:09 ص

كيف نواجه مخطّطات ترامب

2025-02-28

بقلم: معين الطاهر
ينحو هذا المقال باتجاه مغاير لما يُكتَب عن دونالد ترامب والأوصاف التي تًطلق عليه، باعتباره مطوِّراً عقارياً مهووساً يستمدّ أفكاره من الخيال ويتعمّد بتصريحاته المثيرة تحويل الأنظار عن معركته الرئيسة داخل الولايات المتحدة وإلهاء الرأي العام وفق ما يُعرَف بخطّة باتون عبر إثارة نقاشات صاخبة لحرف الأنظار عن مخطّطاته الحقيقية من خلال حديثة عن ضمّ كندا والاستحواذ على قناة بنما وشراء غرينلاند، واحتلال غزّة المدمّرة وتهجير أهلها بادّعاء تحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". ما ينطق به ترامب أو يصرّح به ليس خيالاً أو وهماً أو محاولةً لتحويل الأنظار عن قضايا أخرى، قد لا يتمكّن من تحقيق تهديداته كلّها، لكنه سيستخدمها أدوات ضغطٍ على هذه البلدان، محاولاً أن يجبرها على تقديم تنازلات يحقّق بها مكاسب. كما ينبغي النظر إليه (وإلى سياساته) باعتباره رئيساً للولايات المتحدة، القوة الأولى في العالم، وليس باعتباره شخصاً مثيراً للسخرية والاستغراب.

ليست سياسات ترامب في منطقتنا وليدة اللحظة، فقد طرح بعضها في صفقة ترامب - نتنياهو، إبّان ولايته الأولى. لذا يجب التعامل مع مخطّطاته المتعلّقة بغزّة والضفة الغربية والتطبيع بجدّيةٍ، ولا يجوز النظر إليها باستخفاف أو استهزاء، أو تجاهلها باعتبارها صادرةً عن شخص مهووس، فهي مخطّطٌ جليُّ المعالم صادر عن القوة الأولى، وهي نتاج تخطيط طويل بدأ منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية، وتعاقبت عليه الإدارتَان الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة، بالتعاون مع مراكز البحوث الصهيونية، وينسجم مع الفكر الصهيوني، المتجذّرة فكرة التهجير العرقي في جوهر أيديولوجيته وسياساته، وسبق أن مارسها فعلاً في "النكبة" عام 1948، وفي "النكسة" عام 1967، وفي التهجير الداخلي ضدّ أهلنا في فلسطين المحتلّة منذ 1948، وسبق أن اقترح الفكر الصهيوني أنماطاً منه في صفقته الأولى. لذا ينبغي الاستعداد لمواجهته والتصدّي له، وعدم الانحناء أمام عاصفته.

يريد ترامب أن يهجّر أهل غزّة باتجاه سيناء ومصر، وأهل الضفة باتجاه الأردن، مستغلّاً أن قطاع غزّة أصبح منطقةً غير قابلة للحياة الإنسانية، وتفتقر إلى الخدمات الضرورية، وتحتاج أعواماً، تُقدَّر ما بين خمسة إلى عشرة أعوام لإزالة الأنقاض، وتفتقر إلى فرص عمل حقيقية، وإلى مرافق تعليمية وصحّية، وإلى احتياجات غذائية مُستدامة بعدما دمّرت حرب الإبادة الجماعية مقومات الحياة كلّها فيه. تراوحت سيناريوهات ترامب لتهجير أهل غزّة (بل تناقضت أحياناً) بين قوله إنها هجرة مؤقّتة تارّة وحديثه عن منع أهل غزّة من العودة إليها بعد تهجيرهم، ولا يكتفي بتهجيرهم إلى مصر، بل يضع حصصاً لدول أخرى لاستقبالهم، تمتدّ من إندونيسيا إلى ألبانيا وكندا. والثابت هو مخطّط التهجير الذي بات قاسماً مشتركاً لهذه السيناريوهات كلّها، وهو ما سعت إليه الدوائر الصهيونية منذ الأسبوع الأول للحرب، وتسرّبت أنباء عن أن أدارة بايدن وضعت مخطّطاً يقضي بإقامة منطقة حرّةٍ في سيناء تقدّر مساحتها بخمسة أضعاف مساحة قطاع غزّة، وتُؤجَّر إلى جهات فلسطينية أو فلسطينية مصرية مشتركة، لتستوعب أهل قطاع غزّة فيها، وتوفير فرص عمل لهم، وأن إدارة ترامب قد وافقت على هذا المخطّط، الذي سيظهر كأنه استجابة إنسانية لمعاناة الناس في غزّة، أو باعتباره حلّاً مؤقّتاً إلى أن يتم رفع الأنقاض، وإعادة البنى التحتية، لكنه عملياً سينتج وقائع جديدة، وسيفضي إلى تهجير مئات آلاف من سكّان القطاع.

في الضفة الغربية، وعد ترامب بأنه سيحدّد الجزء الذي سيضمّه إلى الكيان الصهيوني في غضون ثلاثة أشهر، وكان قد نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، التي وافق على ضمّها، وعلى ضمّ 30% من مساحة الضفة في صفقته الأولى، التي قسّم فيها ما تبقّى من أرضٍ فلسطينية بين كانتونات منفصلة، ووضع خططاً لتهجير الفلسطينيين إلى دول عدّة. لم ينجح ترامب في تمرير ذلك أمام موقف فلسطيني موحّد وموقف عربي داعم، ودُفِن هذا المشروع بانتهاء ولايته الأولى، ليعيد تجديده بشكل أوسع وأشمل، قد يصل إلى ضمّ المنطقة "ج"، التي تقدّر بـ61% من مساحة الضفة. وهو يفصل بين الفلسطينيين وأرضهم، ويعمل على اقتلاعهم من ديارهم بحجّة توفير ظروف حياة أفضل لهم، معتبراً أن إسرائيل دولة صغيرة تحتاج لأن تتوسّع وتكبر على حسابهم.

إفشال صفقة ترامب الثانية ممكن ومتاح، وهو يستلزم توفير مقوّمات الصمود للشعب الفلسطيني في أرضه، وهي مهمّة يتشارك بها فلسطينيو الشتات والمجتمع العربي، كما أن المدخل الرئيس لإفشال المخطّط يبدأ من كسر الحصار، وهي مهمّة النظام العربي الرسمي، والمجتمع الدولي، وسبق لكاتب هذا المقال (وعلى صفحات "العربي الجديد") أن طالب بتسيير قوافل مساعدات تنطلق إلى قطاع غزّة، يكون في مقدّمتها زعماء عرب ومسؤولون دوليون وزعماء روحيون، وأن يتم ذلك بشكل مستدام، ومن دون حاجة إلى موافقة أو تنسيق إسرائيلي، لن يستطيع الاحتلال أن يشنّ حرباً على مصر أو العالم العربي أو المجتمع الدولي، ولعلّها الوسيلة الوحيدة المتاحة لفكّ الحصار ووقف الإبادة الجماعية. وسيعزّز ذلك استمرار الملاحقات الجنائية والمحاكمات الدولية والحراكات الشعبية لعزل إسرائيل وفضح ممارساتها على المستوى العالمي.

إفشال المخطّطات ممكن وضروري ولازم، ليس من أجل فلسطين وحدها، ولكن لحماية العالم العربي بأسره من مخطّطات التطبيع والهيمنة الصهيونية، ويحتاج إلى موقف عربي رسمي موحّد، وإلى وحدة وطنية فلسطينية، ووعي فلسطيني بأن هذا المخطّط يستهدف الكلّ الفلسطيني في غزّة والضفة والداخل الفلسطيني، كما يستهدف التيّارات والقوى الفلسطينية كلّها، ولا يفرّق بينها، فهي ساعة الوحدة والوعي والتصدّي في معركة الوجود.

عن العربي الجديد