بقلم: مصطفى رستم
ما زالت أنظار العرب تتجه إلى البيت الأبيض، ولا سيما خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي من شأنها تغيير خريطة المنطقة بعد انتهاء حرب غزة، وعلى رغم أن الخطة القاضية بترحيل أهل غزة إلى أراضٍ مصرية وأردنية لا تحظى برضا عربي ودولي، يدور الحديث حول خطط بديلة منها ترحيل نحو مليوني فلسطيني إلى سوريا. فلماذا سوريا؟
دعم أميركي مشروط
في الأثناء كشفت القناة السابعة الإسرائيلية عن خطة برعاية أميركية هدفها منح واشنطن دعماً لا محدوداً لحكومة دمشق الحالية مقابل توطين الفلسطينيين القادمين من غزة، وأثار هذا العرض انقساماً بين المراقبين حيال قبول الإدارة الجديدة، أو رفضها لا سيما أنها في حاجة، في هذا الوقت، إلى اعتراف دولي يمنحها الشرعية، ويرفع عن البلاد العقوبات الأميركية والأوروبية، بينما يجزم خبراء بأن دمشق سترفض هذا الطرح لأسباب عدو منها جملة من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.
في غضون ذلك تلقى رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع دعوة إلى المشاركة في القمة العربية الطارئة في القاهرة، وهي فرصة تراها دمشق خطوة مهمة في مسار إعادة بناء العلاقات السورية مع المحيط العربي في وقت يحاول العهد الجديد في سوريا بث رسائل طمأنة وبناء علاقات إيجابية مع دول العالم. وقال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في تصريح "من المرتقب أن تلعب سوريا دوراً مهماً في المنطقة بما يخص استقرارها".
الترحيل المستحيل
في السياق رأت الأكاديمية الأميركية - السورية مرح البقاعي من الولايات المتحدة الأميركية أن "هذه القصة بدأت منذ طرح الرئيس ترمب خطته في نقل جميع أهل غزة خارج القطاع تحضيراً لإعادة الإعمار، واعتبر غزة منطقة هدم كما سماها على طريقته، وهو مقاول الإعمار الشهير، وكرر ترمب خطته هذه مرات عديدة، ورفضها العرب وبخاصة مصر والأردن". وأضافت البقاعي الإعلامية المقربة ومن البيت الأبيض، "في هذه الأجواء تم تداول مشروع خطة بديلة ستبحثها مصر والأردن بدعوة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض، ترمب وافق على الاطلاع على هذه الخطة البديلة وواشنطن بانتظارها، أما عن نقل أهل غزة إلى سوريا كوطن بديل فالأمر تم تداوله في الصحافة الإسرائيلية حصراً، وليس مطروحاً في واشنطن، ولا في سوريا الدولة المعنية، أما الاعتراف الدولي بحكومة دمشق فشروطه واضحة، وهي تشكيل حكومة شاملة، والسير نحو عملية ديمقراطية شفافة واضحة".
وكان رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع اعتبر أن أهل غزة تحملوا العذاب والقتل والدمار خلال سنة ونصف السنة، ولم يقبلوا بالخروج من أرضهم، ووصف في تصريحات سابقة من فبراير (شباط) الجاري إخراج الفلسطينيين من أرضهم بأنه "جريمة كبيرة لا يمكن أن تحدث، ولن تنجح". وتابع الشرع، "أعتقد أنه لا يمكن لأي قوة أن تطرد الناس من أراضيهم، لقد حاول عديد من الدول القيام بذلك، لكنها فشلت جميعها، بخاصة خلال الحرب الأخيرة في غزة".
الشارع السوري يرفض فكرة ترحيل الفلسطينيين بصورة قسرية
لم تظهر الإدارة السورية الجديدة أي موقف مما يثار حول "الخطة البديلة"، ورجحت مصادر مطلعة أن ما يثار عن خطة ترحيل بديلة إلى سوريا غير جدي، "ومن المرجح أنه لم يطرح، وإلا كانت الحكومة في دمشق ردت عليه بالإيجاب أو النفي، وبصورة علنية، وهو ما يفسر موقف الإدارة الجديدة الصامت حيال عدم الإعلان عن موقفها".
ورأى الباحث والناقد الفني الفلسطيني عدنان حميدة "أنه ليس بإمكان الإدارة الجديدة في دمشق أن تبت في الموضوع، في الأقل البرلمان غير موجود ليقر بنعم أم لا على هذا المشروع". وتابع الناقد الفلسطيني في حديث خاص أن مبدأ الترحيل غير مقبول ولا يستطيع أحد ترحيل أهل غزة لأنهم متشبثون بأرضهم، "ولا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين". وجزم بأن فكرة تهجير أهل غزة إلى سوريا "فكرة شيطانية كاملة الأركان بإجرامها، ذلك لأن سوريا ما زالت تلملم جراحها على مساحة من ركام، وهم سيحاولون إعطاء السوريين أموالاً، وهم يعلمون أن سوريا تحتاج إلى مساعدات، وأنا لا أعتقد أن هذا المشروع سينجح، هم يضعون العرب في احتمالات محددة أحلاها مر، ويبقى خيار إبقاء أهل غزة في أرضهم، ولو بظروف صعبة، أفضل الخيارات".
وسط هذه الأجواء اندفع الشارع السوري مسجلاً موقفاً رافضاً فكرة ترحيل الفلسطينيين بصورة قسرية، وعمدت المنظمات الأهلية والمجتمع المحلي إلى الخروج بوقفات تضامنية منها في ساحة الأمويين في العاصمة دمشق احتجاجاً على هذه الخطط، وتحدثت المسؤولة عن فريق دمشق لدى "مؤسسة وعي" نور أشقر عن أن فلسطين كانت وما زالت حاضرة في وعي وضمير وقلب الشعوب الحرة "لا هجرة إلا للقدس". وأضافت، "نحن في سوريا عشنا آلام التهجير ومرارته ونفهم تماماً شعور أن يسلب الإنسان من أرضه وتنتزع منه كرامته، لكن هذا الشعور لن يزيد المظلوم إلا حقداً على الظالم، فلسطين لها مكان خاص في قلب الشعب السوري، وهناك رفض عام لأي خطط من هذا النوع تسلب الإنسان أرضه وحريته".
عن اندبندنت عربي