بقلم: د. آمال جبور
منذ الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة وما تبعها من اصطفافات على المستوى السياسي والشعبي والحزبي والاعلامي في المنطقة وانعكاسات على جملة من التحولات السياسية في لبنان وسوريا والاقليم برمته، ونحن في الشارع العربي غارقين بشعاراتنا المعهودة التي لا تحقق الا تجييش العواطف وتعطيل العقول، والانشغال في سجالات غير منطقية وغير واقعية، و لا تحتمل النقد ولا قراءة واقع الحالة العربية ومآلاتها، والسبب هو مساحة الخوف والقلق و الاحراج و الاتهام والتخوين التي سكنتنا تجاه بعضنا بعضا.
فالفضاء الشعبي والاعلامي والثقافي والسياسي عاجز عن النقد و القراءة لواقع القيمة الاستراتيجية المفقودة للعرب تجاه واقع يشكله الآخر الأمريكي والاوروبي والروسي والصيني والهندي….الخ، المنتصر اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، والذي يمتلك الكوكب بما فيه وما عليه، فيما نحن لا نمتلك لا القوة ولا الارادة، ولا حتى أدوات مادية أو فكرية في مواجهته، وفي الوقت ذاته تطل علينا اصوات تحمست وتريد أن تدفع الناس للمواجهة ولو بشوكة من صناعة صينية.
والملفت ان هذه الاصوات التي تطل علينا صباحا ومساء، ومن قلب مدننا ونقاباتنا واحزابنا ومشاربنا، اعتادت استدعاء محطات منجزة من التاريخ العربي الذي نعيش قطيعة معه اصلا منذ مئات السنين، فيزأر هؤلاء بشعاراتهم بأبعادها العربية والقومية والإسلامية لكنها سرعان ما تتهاوى أمام طوابير السفارات الغربية لاستجداء هجرة أو إقامة في بلاد الهلولولوووو ليبقى هؤلاء على مسافة المليون من الحدود مع الكيان الصهيوني، حاملين شعاراتهم المدججة إلى حدود أخرى……..
ان نموذج الحرب الاسرائيلية على غزة التي افقدت الانسانية بوصلتها، أشارت إلى الكم الهائل من النقد الإعلامي الإسرائيلي لأحزابها وشارعها و أداء حكومتها خلال مدة الحرب الممتدة الى الآن ومنذ ساعاتها الاولى، وبالمقابل فإن إعلامنا ومثقفينا وشعوبنا وأحزابنا امتطينا موجات وموجات من الانتصارات التي لم توجه لها أي انتقادات ولا مسائلات، و التي يدفع ثمنها اليوم الشعب الفلسطيني في غزة الأعزل بالدرجة الاولى، فيما شعوب المنطقة تترقب توسع الاحتلال الاسرائيلي وقضم الجغرافيا العربية والتقسيم والتجزئة نتيجة سلسلة من خيبات وخيبات متراكمة حمّلَتها لنا اجيال سابقة وحاضرة باسم العروبة والاسلام والقومية، فكل يرى المستقبل بنموذجه(هناك في المخيال) الذي لا يقبل النقد والتجديد والتحديث.
وبالتالي لماذا لا نجرؤ على القراءة و النقد؟ لأننا ببساطة لا نمتلك الإرادة والقوة، واعتدنا على الانسياق وراء ذهنية الاستدعاء لأساطير وملاحم وانتصارات قديمة لم تعد حاضرنا….
ولأن الجماعة والجموع والقطيع هي من يُسَيّر حاضرنا الى مستقبل هاويته ليست بعيدة……..
ولأن كل هذه المفردات لا تقبل النقد والمراجعة والتصحيح والتحديث والواقعية، بل تتغذى على الأوهام و البركات والتسابيح والقوى الماورائية……
في حروبنا وأزماتنا الراهنة يظهر جيل يمتطي الجدران الورقية…. والخيول المبتورة…..
يناجي اللغة بكسوتها المزخرفة…. فتلفظنا معانيها وجوهرها….
لا نجرؤ على قراءة الواقع…. لأننا مهزومين… عاجزين…..تابعين…..منفصمين…..
كاتبة اردنية