بقلم: د. محمود الفروخ
قُدِرَ لرام الله الجميلة ذات القوام الرشيق، صاحبة الشعر الاشقر والعينان الزرقاوان الوديعة واللطيفة خفيفة الظل وطيبة المعشر والاليفة، والتي تتوسط أخواتها من أبوين كنعانيين، قدر لها أن تكون مستهدفة منذ ولادتها وحتى يومنا هذا من عابري السبيل والسرير "الطارئين" من أبناء جلدتها ، والذين لا يريدون لها الا أن تكون جسدا بلا روح و"عاهرة" مطيعه يفرغون كبتهم الموبوء فيها، ويزيدون ثرواتهم الفاحشة منها ، ويتبوؤون المناصب المزخرفة عليها فشوهوا سمعتها وخدشوا طهارتها وعفتها بأفعالهم الخارجة عن الاعراف ، فمنذ بداية القرن الماضي وحتى يومنا هذا فتحت هذه المدينة العريقة صدرها وذراعيها للغريب قبل القريب وللسائح وللاجئ والعائد وللغضيب وابن السبيل والحبيب ، ولكن وللأسف الشديد بات المطلوب منها هذه الايام أن ترفع رجليها عنوة للاغتصاب .
فبعد ما حل بأختها الكبيرة غزة وأخواتها الاصغر منها سنا طولكرم وجنين من مجازر ومذابح وابادة جماعية ودمار وقتل وتهجير ...الخ على يد الاحتلال الاسرائيلي الغاشم ، أصبح مطلوبا منها عدم الاحساس والبكاء والحزن والحداد والنحيب والعويل والتضامن والوقوف معهن بهذه المعركة المصيرية ، بل تم ارغامها في يوم من الايام ودم أختها الكبيرة "غزة" ينزف بغزارة على التزين والتبرج واظهار مفاتنها لاستقبال أحد المشاركين الرئيسيين الامريكان من قتلة أخواتها وأبنائهن بالأحضان وهي "مفرفشه" وضحكتها من " الذان الى الذان " حتى تظهر أمام العالم أنها مسالمة وعصرية ومنفتحة وتريد العيش بسلام لضمان مشاركتها في حفلة تقطيع وتقسيم الكعكة الغزاوية باليوم التالي للحرب .
ولعل ما ينتظر رام الله أسوأ بكثير مما يعتقد البعض فستدفع هذه المدينة ثمنا باهظا لسكوتها عما جرى لأخواتها في غزة وطولكرم وجنين ، وتقاعسها عن مقاومة ما حل بها من اغتصاب فكري وثقافي واقتصادي وسياسي وتغيير وتدجين لسلوكها الوطني والقيمي والاخلاقي ، وربما ستكون هي التالية بعدهم رغم أنها لا تملك كتيبة ولا عرينا ولا تجهز لطوفان جديد ضد اسرائيل ، ولكن لأنها آثرت بنفسها خوفا على مكتسباتها الخاصة المتمثلة بالمناصب والرواتب والمواكب وقدمتها على القضية والوطن حيث سينطبق عليها مقولة "أكلت يوم أكلت غزة وطولكرم وجنين " .
ومن النتائج والسيناريوهات المتوقعة لرام الله في اليوم التالي للحرب ان واصلت اسرائيل صلفها وجبروتها وفاشيتها ومخططاتها الاحلالية والعنصرية دون أي مبالاة من أزواج رام الله الرسميين والشرعيين ، ربما سنرى مجموعة من المستوطنين من مستعمرة "دولف" يحتسون قهوة "الاسبرسو" ويسحبون أنفاسا من الاراجيل ذوات الاطعمة المختلفة في مقاهي حي الطيرة الفاخرة ويقيمون حفل طهور لأحد أطفالهم " الفزافز" في مطاعمها ، وربما سنشاهد أيضا مجموعة من المستوطنين اليهود وعلى رأسهم "الكيباه" وجدائل شعرهم منسدلة على وجوههم قادمين من مستعمرة "بيت ايل" لإقامة حفل تلمودي راقص على دوار المنارة (دوار الاسود) بزعم أن أحد الاسود السبعة أمه كانت يهودية ، وربما سنشاهد مجموعة من المستوطنين من مستعمرة "بسغوت" يتسكعون في شارع ركب ويأكلون الشاورما والبوظة والفلافل، وربما سنعلم أن شلومو وكوهن قد تشاركا من أجل فتح محل لبيع الذهب في أحد مولاتها ، وربما سنتفاجأ أن عوفر قد أشترى منزلا في البلدة القديمة برام الله وأصبح يقطن فيه ، وربما سنرى مجندا ومجندة يقبلون بعضهم البعض في موعد غرامي بحديقة محمود درويش وربما وربما وربما ....الخ , سيحدث ذلك كله وغيره في حال بقينا مطأطئين برؤوسنا وخائفين وخانعين وصامتين .