2025-04-25 04:36 ص

الكوميديا الاستخباراتية لتقويض المفاوضات

2025-04-24

بقلم: محمد اليمني
ماذا يمكن أن يفعل بنيامين نتنياهو لتقويض المفاوضات بين الولايات المتحدة وايران ؟ لا نتصور أنه سيفاجئ الجنرال مايكل كوريلا , قائد القيادة الوسطى الأميركية , باعطاء الأوامر الى قاذفاته بتدمير المنشآت النووية الايرانية , بعدما أبلغه كوريلا , وجهاً لوجه , أن التعامل العسكري مع الجمهورية الاسلامية يتعلق بالأمن الاستراتيجي لبلاده .
لكنه الرجل الذي قالت “هاآرتس” انه يجلس فوق قنبلة موقوتة قد تنفجر فيه في آي لحظة , بعدما بدأت أصوات الاعتراض من ضباط وطياري الاحتياط تجد صداها , وبقوة , داخل المؤسسة العسكرية . التعليقات تتحدث عن جيش منهك , وعن صدمات سيكولوجية قد تتولد عنها “متلازمة غزة” Ghaza syndrome على شاكلة “متلازمة فيتنام” Vietnam syndrome التي اصابت آلاف العسكريين الأميركيين . الى ذلك التظاهرات اليومية التي يعتبر المشاركون فيها أن رئيس الحكومة يربط بقاءه في السلطة ببقاء الرهائن , ولو موتى , في قبضة “حماس”.
صحيفة “اسرائيل هيوم” كانت قد نقلت عن أطراف في الائتلاف أن ستيفن ويتكوف وعباس عراقجي سيشتبكان بالأيدي في الجلسة الأولى من محادثات مسقط , وفي أجواء تشي بأن نتنياهو يواجه ما يشبه الصدمة بسبب الاختلاف بينه وبين دونالد ترامب حول التعاطي مع الحالة الايرانية . فارق شاسع بين التغيير بالقاذفات النووية والتغيير بالقفازات الحريرية , خصوصاً مع قناعة البنتاغون , وكذلك وكالات الاستخبارات , بأن الايرانيين لم يحاولوا البتة ملامسة القنبلة , لا بل أن الوساطات التي جرت وراء الضوء أظهرت استعدادهم للانفتاح الديبلوماسي , وحتى للانفتاح الاستراتيجي , على الولايات المتحدة .
استطلاعات الرأي تشير الى أن أحزاب الائتلاف في مأزق صعب , حتى وان كان الاعصار الايديولوجي قد انبعث بقوة في العقدين الأخيرين . الليكود أمام تراجع دراماتيكي , بعدما شهد ذروة التألق في عهد الثنائي مناحيم بيغن وآرييل شارون . لكن الأول اتتهى , وبسبب التجربة المريرة في لبنان , داخل بطانية الصوف . الثاني دخل في غيبوبة ما لبثت أن تحولت الى غيبويبة ابدبة . تكهنات كثيرة حول نهاية نتنياهو , بعدما ذهب بعيداً في لعبة النار وفي لعبة الدم , دون أن يمتلك أن تصور لليوم التالي , وهنا نقطة الضعف القاتلة , وحيث بدا أن العملية العسكرية التي جعلت غزة تتعدى “هيروشيما القرن” , تدور في حلقة مفرغة .
باستطاعته القول أنه دمر كل القوى المعادية لاسرائيل . قواته على الأرض في غزة , وفي لبنان , وفي سوريا , كما أن العمليات المبرمجة في الضفة حالت دون أي انفجار واسع النطاق فيها . لكن السؤال يبقى “وماذا بعد ؟” . الجبهات الثلاث مفتوحة ودون أن يصل الى اي من أهدافه , ان في ترحيل الفلسطينيين الى سيناء والى الضفة الشرقية , أو في حمل اللبنانيين والسوريين على الذهاب سيراً على الأقدام الى أورشليم .
نتنياهو يدرك أن توصل الأميركيين والايرانيين الى اتفاق حول البرنامج النووي , بالتالي وقف الصراع , وبدء مرحلة فتح الأبواب , يعني أن نهايته السياسية قد دنت . ولعل الكثيرين يلاحظون أن الايرانيين لا يمارسون , هذه المرة , هوايتهم في اللعب على حافة الهاوية خشية السقوط فيها . الرجل الذي في البيت الأبيض هو دونالد ترامب لا جو بايدن الذي احتار خصومه أهو البطة العرجاء أم الدجاجة العرجاء . الرجل الآن من وصفه بوب وودورد وروبرت كوستا , في كتابهما Peril , بالكائن البشري الذي تخرج النيران من اذنيه .
في هذا السياق , يبدو أن رئيس الموساد دافيد بارنياع مصاب بخلل في الخيال . حالة من البارانويا يعيشها الجهاز , ما بدا جلياً في تقاريره الأخيرة حول الخطة الخاصة بنقل الاسلحة من ايران الى “حزب الله” , الأمر المستحيل , غير الوارد على الاطلاق لا في طهران ولا في الضاحية الجنوبية . التقارير تتحدث عن انطلاق البواخر من الموانئ الايرانية في اتجاه مصر , أو في اتجاه السودان , وحتى ليبيا . ومن هناك الى مرفأ بيروت , أو الى المياه الاقليمية اللبنانية , كما لو أن الأسطول الأميركي , ومعه الأقمار الصناعية , والمسيرات , لا تراقب حتى طيور النورس على الشواطئ الايرانية , ناهيك عن أن الاسرائيليين يرصدون كل سفينة تتجه نحو لبنان , مع وجود قطع بحرية تابعة لقوات الطوارئ الدولية تتولى تفتيش كل باخرة يشتبه بحمولتها .
الكلام الاستخبارتي , الكوميدي أيضاً , عن الطريق بين ايران والعراق وسوريا ولبنان , والمفتوحة بطريقة أو بأخرى (هل من نفق يمتد من جنوب ايران الى جنوب لبنان ؟) . فات الموساد أن الايرانيين خططوا لنقل الأسلحة الى “حزب الله” عبرالأراضي الاسرائيلية باعتبارها الأكثر أماناً , لتبرير القيام بعملية عسكرية تحول دون سقوط نتنياهو على طاولة ويتكوف وعراقجي اللذين قد يتبادلان القبلات هذه المرة , الا اذا كانت جلسة الغد مخصصة لمسائل تقنية , ويقتصر الحضور على الخبراء من الجانبين .
نتوقف هنا عند الاشارات الديبلوماسية والتي تتحدث عن محاولات “جادة” يقوم بها اللوبي اليهودي لاثارة الخلاف بين أعضاء الفريق الرئاسي الأميركي حول مسار المحادثات , وهذه نقطة مؤثرة بطبيعة الحال وان كانت الكلمة الأخيرة لترامب .
لا تفاؤل ولا تشاؤم . لا شك أن المشهد الاقليمي في منتهى التعقيد . ماذا في رأس بنيامين نتنياهو ؟ نكتب وطائرة الـ MK تحلق فوق رؤوسنا . ..