2025-04-25 04:49 ص

غزة بين المبشرين بهدنة لا تأتي..

2025-04-24

بقلم: اسيا العتروس
هناك حقائق على أرض الواقع الفظيع في قطاع غزة المكلوم لا تقبل كل انواع عمليات التجميل القسري ممثلة في الرسائل التي تروج لها الاطراف المعنية بالمفاوضات والتي لا يمكنها قلب الحقائق اذ و مع تواتر التصريحات المتفائلة بشأن تقدم المفاوضات بين حكومة ناتنياهو اليمينية العنصرية و بين حركة حماس للتبشير بانفراجة مفاجئة و اتفاق وشيك لتبادل الرهائن و تحرير مزيد الاسرى و انهاء حملة الابادة  على غزة تأتي تحركات كيان الاحتلال الارعن لتكذب ذلك و تؤكد أن الجميع أمام فريق من المفاوضين الاسرائيلين الذين يتقنون فن المراوغة و الكذب والنفاق والهروب من أي التزامات او اتفاقات سابقة و موثقة .. غزة اليوم سجن محكم الاغلاق  يختنق بداخله السجين الذي يواجه الموت المتعجل لحصد مزيد الارواح , سجن لا يسمح فيه السجان بادخال ما يسد الرمق للسجين وهو سجن تتقلص مساحته كل يوم و تقتلع منه مزيد المواقع كل يوم لاحكام القبضة على من يرفض المغادرة من الاهالي …الهجرة القسرية تفرض على الجميع و الانروا تتحدث عن تعرض الاهالي للتهجير بين ستة و تسعة مرات و في كل مرة يكون العثور على ملجئ أو مخيم أو سقف أعقد مما سبق ..

منذ مارس الماضي لم يسمح الاحتلال بعبور شاحنة مساعدات غذائية و احدة و امدادات الكهرباء مقطوعة بما يعني استحالة الحصول على الماء الصالح او غير الصالح للشرب ..
ولعلنا لا نجانب الصواب اذا اعتبرنا أن اعتماد كيان الاحتلال في كل عمليات التفاوض مع عناصر من الشاباك او المخابرات الاسرائيلية و ليس مع فريق من السياسيين او الديبلوماسيين او الخبراء ليس بالامرالاعتباطي . والاكيد أن خلف هذا الخيار دوافع و اسباب تجعل المفاوضات لعبة خطيرة يريد من وراءها كيان الاحتلال أن يكون له اليد العليا في أي نتيجة قبل اخراجها للعلم و من هنا فان استنزاف الجهود واستنزاف الوقت يعتبر أحد أهم شروط لعبة التفاوض للاحتلال الذي يهدف من وراء ذلك الى رفع سقف المطالب حتى اذا ما اضطر الى تقديم ما يمكن وصفه بالتنازلات يكون الرابح دوما في أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني ..كانت هذه و لاتزال خطوط  اللعبة منذ البداية و ربما حتى منذ انطلاق مفاوضات مدريد واوسلو وواشنطن وواي ريفر حتى اليوم ..و قد فهم كيان الاحتلال مع مختلف الحكومات  كيف يجعل من المفاوضات فخا للفلسطينيين للابتزاز و المساومات و قطع الطريق أمام أي حل نهائي يمكن أن يضع حدا لجرائم الاحتلال و انتهاكاته ..المفاوض الاسرائيلي بمكره عرف أيضا كيف يستغل المشهد العربي الهش  بين مطبع يبحث عن رضا واشنطن و بين مقاطع لا يملك غير الخطابات الكلامية النارية وعرف ايضا كيف يستفيد من  المشهد الفلسطيني الغارق في انقساماته و صراعاته ..وها انه بعد استئناف جيش الاحتلال الاسرائيلي حملة الابادة في غزة التي تقترب من عامها الثاني على التوالي يظهر جليا أن ناتنياهو يريد لهذه المفاوضات أن تكون وسيلة و ليست غاية و هي وسيلة لاطالة أمد الحرب الى ما لا نهاية و مواصلة تحقيق أهدافه التي لا تخفى على مراقب برغم  امتداد حركة التمرد في صفوف المؤسسة العسكرية الاسرائيلية و تواتر مطالب عدد من جنود الاحتياط و الطيارين بانهاء الحرب ..
الواقع على الارض في غزة يكشف كل يوم أن ناتنياهوو فريقه ينفذون ما يقولونه مستفيدين من صمت المجتمع الدولي و عجزه عن مقاذعة هذا الكيان عسكريا و اقتصاديا و سياسيا ..
وزير الحرب الاسرائيلي  كاتس يهدد بجعل غزة “أصغر وأكثر عزلة وباجبار  المزيد من سكانها على مغادرة مناطق القتال” و هذا ما يجري اليوم في غزة التي تعيش حملة تهجير قسري باعتماد القصف و التدمير و التجويع ..و خلال عطلة عيد الفصح اليهودي سيطر الاحتلال على محور موراج الذي يقسم قطاع غزة من الشرق إلى الغرب ويفصل بين مدينتي خان يونس ورفح، بما يجعل المنطقة الممتدة بين محور فيلادلفيا وموراج جزء من الحزام الأمني الإسرائيلي”…يدعي الاحتلال أن ذلك يأتي في اطار الضغط على حماس لاطلاق سراح الرهائن و لكن الحقيقة أن حكومة الاحتلال أسقططت كل المبادرات للافراج عمن بقي من الرهائن و هي غير معنية بمصيرهم فهدفها الان يتمثل في ضمان اعادة السيطرة على اكبر جزء ممكن من القطاع قبل أن تتفاقم ضغوط الرئيس الامريكي ترامب لانهاء المجزرة استعدادا لرحلته الى العاصمة السعودية الرياض و لقاء نظيره الروسي بوتين كما سبق و اعلن ذلك ..و في الانتظار فان  شهية الة القتل الاسرائيلية التي توفرها له الانظمة الغربية شريكته في محرقة القرن تزدادا تعطشا للدم و القتل .. إنذارات الإخلاء القسري  للجيش الاسرائيلي لاهالي غزة  في مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا شمالاً، إضافة إلى مدينة رفح كاملة، ومناطق بمدينة خان يونس تتواصل و ما ان يحطوا الرحال في أي مكان يجدونه بين طوفان الركان حتى يجدون أنفسهم ملاحقين مطاردين  مجددا ..
في الاثناء تستمر الحملة الشرسة ضد الرئيس الفرنسي ماكرون الذي أعلن قبل أيام امكانية اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر المرتقب الصيف القادم  بمشاركة السعودية في نيويورك , جن جنون رئيس الوزراء الاسرائيلي  مجرم الحرب ناتنياهو و فريقه الذي أطلق العنان  لحملة مسعورة ضد الرئيس الفرنسي  معتبرا ان ماكرون يرتكب خطا جسيما بترويجه  فكرة الدولة الفلسطينية ..
كيف سيكون الرد الفرنسي تلك مسألة أخرى فماكرون لم يتخلى يوما عن مواقفه الداعمة الى أبعد الحدود  لتل ابيب , ولم يتوقف يوما عن تقديم الدعم العسكري والسياسي لهذا الكيان الذي يدوس على كل المحرمات وينتهك كل القوانين الانسانية والدولية التي يدعي الغرب الدفاع عنها ..وفرنسا كانت ولا تزال تلاحق الداعمين للقضية الفلسطينية في الفضاءات وتعتمد خطابا اعلاميا أبعد ما يكون عن المهنية في اعتماده سياسة الولاء الاعمى لهذا الكيان و فرنسا كانت ايضا برغم اختلاف المواقف بين السياسيين ازاء القضية الفلسطينية من ميتران الى شيراك , عنوان المشروع النووي الاسرائيلي الذي فضحه مردخاي فعنونو و الذي سعت فرنسا من خلاله لارضاء اليهود و التكفير عن عقدة الذنب الاوروبية بعد المحرقة ..
كيف سيكون الرد الفرنسي على هذه الحملة وهل ستذهب فرنسا الى حد الاعتراف بالدولة الفلسطينية ؟ الاكيد أن أكثر ما يزعج كيان الاحتلال من موقف ماكرون بشأن الدولة الفلسطينية أن ياتي الاعلان الفرنسي من أروقة المنظمة الاممية في نيويورك بما قد يدفع دول أوروبية اخرى للقطع مع التردد و اعلان اعترافها المؤجل بالدولة الفلسطينية …
عودة الى أرض الواقع في غزة تؤكد أن حملة التهجير القسري قد انطلقت وأن تطويق الخناق حول الاهالي بعد ان تحول القطاع الى حقل للموت قصفا أو جوعا بدأت و لن تتوقف أمام موت الضمير الانساني و تحطم أسطورة القانون الدولي الذي يحمي الضعفاء و المهمشين ..غريزة البقاء قد تدفع البعض للهروب  و لو الى حين بحثا عن متنفس بعيدا عن ظلم و غطرسة الاحتلال..لمن يسأل عن صورة الجحيم أن ينظر في وجوه اطفال و نساء و رجال غزة المقهورين .. الاحتلال يشن حربه على كل مظاهرالحياة ولاشيء يوقفه بما في ذلك امكانية التوصل لهدنة أو اتفاق قد ياتي و قد لا ياتي لاطلاق سراح الرهائن الذين لا يبدو انهم في دائرة اهتمام ناتنياهو …ولعل الايام القادمة تكشف لنا المزيد عما سيبقى من خارطة غزة بعد أكثر من ثمانية عشرة شهرا من العدوان ..
كاتبة وصحفية تونسية