يبدو أن السلطة المصرية لن تتوقف نيتها في بيع الأصول والأراضي، ولن تكتفي فقط بما حُسم من صفقات منذ العام 2021، بل ستسعى إلى مزيد من عمليات البيع، تنفيذاً لاشتراطات صندوق النقد الدولي، واشتراطات دول الخليج المانحة، التي رأت أنه قد حان الوقت لمقايضة ديونها بأصول مصر الاستراتيجية، فيما تُطلق عليه السلطة الاستثمار المباشر والصفقات الكبرى.في العام 1862، مع نهاية عهد سعيد باشا والي مصر وقتها، تراكمت سلسلة من الديون التي أثقلت كاهل المصريين، ووصلت إلى مُنتهاها في عهد الخديوي إسماعيل الذي أُعلن في عهده عن إفلاس القاهرة للمرة الأولى في تاريخها، نتيجة سياسة الاقتراض التي اتبعها، ما أسهم في زيادة الأزمة المالية وسمح بالتدخل الأجنبي في شؤون القاهرة (وصلت الديون الخارجية إلى حوالي 126 مليون جنيه إسترليني وقتئذٍ). تبعت ذلك سلسلة من الضغوط الدولية المُطالبِة بسداد القاهرة ديونها، ليسُمح بتأسيس "صندوق الدين" (تأسس بمرسوم من الخديوي إسماعيل في أيار/ مايو 1876، للإشراف على سداد الحكومة المصرية الديون الأوروبية).
واعتُبر الصندوق أداة للتدخل الأجنبي في شؤون مصر المالية والسياسية، حيث كان يتولى إدارته مندوبون أجانب بتكليف من الحكومات الدائنة. لحقه ما عرف بنظام "المراقبة الثنائية" في تشرين الثاني/ نوفمبر 1876، وهدف إلى مراقبة المالية المصرية من خلال مراقب إنجليزي لجانب الإيرادات، وآخر فرنسي لجانب المصروفات.
***
هذا كان في الماضي، فماذا عن الآن؟ وفق بيانات صندوق النقد الدولي في كانون الثاني/ يناير 2024، تأتي القاهرة في المرتبة الأولى كأكبر مدين للصندوق من بين الدول العربية، وتشكل ديونها 68 في المئة من ديون الدول العربية للصندوق[1]. فكيف أصبحت مصر مثقلة بالديون إلى هذا الحد؟
مديونيات عصر الجمهورية
تولى الرئيس جمال عبد الناصر حكم مصر، بعد أن أطاح وحركة العام 1952 بالنظام الملكي، وكانت الخزينة المصرية حينها قوية للغاية، فوفقاً لتقديرات أحمد فاروق - أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر - فإن مديونية بريطانيا لمصر وصلت في العام 1947 إلى ما بين 450 و550 مليون جنيه إسترليني [2]. لكنّ مع صعود عصر الجمهورية، بدأ الرؤساء الاستعانة بمصادر أجنبية للاقتراض، ما عزز من نمو الدين، فوصل في نهاية عهد "ناصر" في العام 1970 إلى حوالي 1.7 مليار دولار. ثم في العام 1981 ترك الرئيس السادات البلاد مدينة بحوالي 15 مليار دولار، تبعه مبارك، فكانت الديون الخارجية في العام 2011 تصل إلى حوالي 34.8 مليار دولار. وزادت في فترة حكم محمد مرسي ثم الرئيس المؤقت عدلي منصور إلى حوالي 46.1 مليار دولار.
ومنذ العام 2014، تغيرت سياسة مصر في الاقتراض الخارجي، مع صعود عبد الفتاح السيسي - الرئيس الحالي للبلاد - إلى سدة الحكم، حيث توالت القروض والمساعدات التي ارتفعت من 46.1 إلى 74 مليار دولار في العام 2017، بزيادة قدرها 27.9 مليار دولار، قبل أن ترتفع إلى 157.8 مليار مع نهاية آذار/ مارس من العام 2022، ثم تصل إلى 164.7 مليار دولار في نهاية حزيران/ يونيو 2023.
وكانت القاهرة قد بدأت منذ العام 2016 ببرنامج موسع للاقتراض، حين حصلت على قرض بقيمة 12 مليار دولار، بغرض بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي، ثم حزمة تمويل أخرى ليصل إجمالي القروض المرتبطة إلى حوالي 20 مليار دولار.
وبحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد، الصادر عن البنك المركزي المصري، عن الفترة من تموز/ يوليو وحتى أيلول/ سبتمبر من العام المالي 2023/ 2024، فإن توزيع الديون يأتي كالآتي: 53.5 مليار دولار مستحقة لمؤسسات متعددة الأطراف، منها مديونية لصالح صندوق النقد الدولي بحوالي 20 مليار دولار، ونادي باريس - مجموعة من الدول تقدّم خدمات مالية للدول المتعثرة - بما قيمته 11.1 مليار دولار، إلى جانب بعض الديون الأخرى. فيما جاء في تقرير المجلة الاقتصادية الأخير الصادرة عن البنك المركزي، أنه في نهاية حزيران/ يونيو 2023، كان رصيد المديونية المستحِقة للمؤسسات الدولية والإقليمية حوالي 52.9 مليار دولار، بنسبة 32.1 في المئة من إجمالي الدين الخارجي. ويحتل صندوق النقد الدولي ما نسبته 40 في المئة من تلك النسبة بواقع 21.2 مليار دولار. بينما للبنك الدولي حوالي 12.3 مليار دولار منها بنسبة 23.3 في المئة.
لكنّ النقطة الأهم والجوهرية، هي ما كشفته تقارير البنك المركزي بخصوص الديون المستحقة للدول العربية التي وصلت إلى حوالي 48.4 مليار دولار أمريكي في كانون الأول/ ديسمبر 2023 مقارنة بـ46.2 مليار دولار في العام السابق له. وأبرز تلك الدول هي: الإمارات العربية المتحدة وتأتي في الصدارة بحوالي 22.2 مليار دولار بنسبة 13.5 في المئة من إجمالي الديون الخارجية (مثلّت ديونها في العام 2022 حوالي 20.9 مليار دولار بحصة 12.7 في المئة من إجمالي الديون)، تليها المملكة العربية السعودية بحوالي 12.5 مليار دولار، بنسبة 7.6 في المئة من الديون (بلغت في العام 2022، حوالي 12.2 مليار دولار بنسبة 7.4 في المئة). ويظهر هنا أن مساهمة الإمارات قد تزايدت بشكل ملحوظ مقارنة بالسعودية خلال العام الأخير، بعد تراجع الرياض عن دعم القاهرة إلا بعد تطبيق شروطها.
لكنّ ما الذي أوصل المشهد في مصر إلى ما هو عليه الآن؟
السيسي يعدكم بالفقر
يظهر من السياسات التي يتبعها نظام السيسي منذ قدومه إلى السلطة أن أولويته الأولى هي تعزيز دولةٍ يمكنها أن تنهب الفقراء وتُرهِبهم، كي لا يتمردوا أو يقاوموا سياساته. وقد أعلن عن مشروعين لدولته، كانا بمثابة أدوات قمع: الأول "محاربة الإرهاب" عقب إسقاط نظام جماعة الإخوان المسلمين في العام 2013 (قُدِّرت ميزانية محاربة الإرهاب بحوالي 84 مليار جنيه حتى العام 2017، بتكلفة شهرية قدرها مليار جنيه، حسبما أفاد السيسي في نيسان/ إبريل من العام 2022)، والثاني برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ العام 2016، الذي أصبح بمثابة الطوق المكبِّل للمصريين، ونتج عنه رصيدٌ من الديون الخارجية والداخلية غير المسبوقة (ارتفع الدين الداخلي لمصر من حوالي 2.6 تريليون جنيه في العام 2016، ليبلغ 4.7 تريليون جنيه بحلول منتصف العام 2020، وفقاً لبيانات البنك المركزي).
ونتيجة لتلك السياسات، فقد زادت الهوة بين الطبقات، وارتفع معدل المصريين الذين يقبعون تحت خط الفقر. فوفق منظمة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة، فقد ارتفعت نسبة المواطنين تحت خط الفقر الوطني في العام 2012/ 2013 إلى حوالي 26.3 في المئة من إجمالي السكان، وزادت إلى 27.8 في المئة في العام 2014/2015. ووصلت إلى 32.5 في المئة في العام 2017/ 2018، لتنخفض إلى 29.7 في المئة في العام 2019/ 2020، وترتفع إلى حوالي 33.3 في المئة من إجمالي السكان في العام 2023، ما عنى أن حوالي 37 مليون شخص يعيشون في حال فقر، العام الماضي. ووفقاً لدراسة أجراها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعام 2017، فإن 85 في المئة من سكان الريف فقراء، و42 في المئة في الحضر تحت خط الفقر. ويتركز الفقر في محافظات الصعيد، إذ تقع فيها 762 قرية من بين القرى الألف الأشد فقراً، حيث بلغت نسبة الفقر في محافظة أسيوط، حوالي 66 في المئة، وفي سوهاج 57 في المئة، وفي الأقصر 55.3 في المئة، والمنيا 54 في المئة، وقنا 41 في المئة من إجمالي سكانها (محافظات منطقة جنوب الصعيد).
على الجانب الآخر، ظهرت منذ اللحظة الأولى لرحيل جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة، مساعدات ومنح سخية، قدمتها دول خليجية، أبرزها الإمارات. وقد قال السيسي في مقابلة تلفازية أثناء ترشحه الأول للرئاسة في العام 2014، إنها وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار قبيل انتخابه. تطبيقاً لـ"سياسة الإنقاذ" التي عُرفت عن دول الخليج العربي منذ سبعينيات القرن الماضي[3]، والتي سعت فيها إلى تقديم حزم مساعدات مالية لدول متعثرة، ومنها مصر، مقابل تنفيذ أجندات خاصة تتعلق بمصالحها ومد نفوذها على المستوى الإقليمي، حيث ظهرت حكومة أبوظبي وكأنها تنافس القاهرة على ريادتها للمنطقة، وكبديل إقليمي يتحالف مع حكومة تل أبيب التي أعلنت التطبيع الكامل معها. وكانت وسيلتها في ذلك إذلال القاهرة عبر تقديم منح ومساعدات سخية وإقراضها، ثم تغيير سياستها بالمطالبة بمقابل لتلك المساعدات.
ويُظهر تقرير تحليلي يتناول فيه سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة، الدور الذي لعبته الإمارات في دعم المجموعات المعارضة لحكم جماعة الإخوان المسلمين في العام 2013، وقد ذكر أن مراسلات دارت بين العتيبة ورامي يعقوب - المنسق الاستراتيجي وعضو المكتب السياسي لحزب "المصريين الأحرار" ذي المرجعية الليبرالية، والذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس - وشملت نية أبوظبي دفع حوالي مليون ونصف مليون دولار سنوياً، لدعم تلك المجموعات (يشار إلى أن الإمارات كان لها دورٌ فاعلٌ في دعم الانتفاضة ضد حكم الرئيس مرسي).
تركيع القاهرة: دور الإمارات
يقول الخبير الاقتصادي والباحث اليساري إلهامي الميرغني[4]، إنه من الصعب أن يشار إلى أن الخليج العربي ــ والإمارات - قد نجحت في استعباد مصر اقتصادياً خلال السنوات العشر الأخيرة فقط، إذ يُرجِع المسألة إلى بداية عصر الانفتاح والاستثمار الأجنبي. ولأن الخليج لديه فوائض نفطية كبيرة بدأت الاستثمارات في مصر في الصناعة والزراعة والعقار والسياحة. وهو يورد مثالاً على منح القاهرة ميناء السخنة - أحد موانئ البحر الأحمر الاستراتيجية - لشركة موانئ دبي في العام 2008 (وصلت نسبة رأس المال الخليجي من الاستثمار الأجنبيّ المباشر في القاهرة إلى 25 في المئة منه في العام 2007، واستحوذت على 37 في المئة من عمليات الخصخصة التي جرت ما بين عامي 2000 و2008)، موضحاً أن النفوذ الاقتصادي الخليجي موجود في مصر منذ عقود، ولكن ممارسات دول الخليج وتبعيتها للولايات المتحدة وتطبيعها مع الكيان الصهيوني لم تبرز إلا في السنوات الأخيرة. وتساءل الباحث عن كيفية ظهور الإمارات في مظهر المنقِذ، بينما تمول سد النهضة الإثيوبي، وعمليات عسكرية في كل من ليبيا والسودان المتاخمتين لمصر، بما يضر بالمصالح المصرية؟
ولا يرتبط الدور الذي تلعبه حكومة أبوظبي بالحالة الاقتصادية فقط. بل بدأت منذ عهد مبارك بالتغلغل في القطاع الثقافي والديني لدى المصريين، وزادت من سطوتها في ظل النظام الحالي، إذ أنه، ووفق محللين، أظهرت سياسة الإمارات تخطيطها لاستغلال اعتماد السيسي عليها اقتصادياً لحكم مصر فعلياً بتدعيم سيطرتها على الاقتصاد المصري، من خلال تطبيقها نهجين: الأول ديني، والآخر اقتصادي. إذ دعّمت الخطاب الديني الصوفي في مقابل خطاب الإسلام السياسي، إبان سقوط الإخوان، للحد من سلطتهم على الشارع المصري ومنح السلطة الجديدة مزيداً من الشرعية، فسمح ذلك بصعود ما عُرف بالصوفية الإماراتية، إلى جانب الطرق الصوفية التقليدية المصرية والتي تمول بعضها في الأساس حكومة الرياض، لمواجهة منافستها الإقليمية، إيران. وكان من أبرز رموزها التي صُدِّرت إلى المشهد المصري، الحبيب علي الجفري، الذي تم إظهاره على حساب قيادات دينية تنتمي إلى مؤسسة الأزهر وعلى رأسها إمامه أحمد الطيب.
ومن الناحية الاقتصادية، عمدت الإمارات إلى إغراء السيسي بمنح ومساعدات غير مشروطة في البداية. ففي العام 2013، قدّمت الإمارات هِبة بقيمة مليار دولار ووديعة إضافية بقيمة ملياري دولار إلى البنك المركزي، إضافة إلى مساعدة عينيّة في النفط والغاز بقيمة 225 مليون دولار. وفي العام التالي قدّمت 3.21 مليار دولار على هيئة استثمار في تطوير البنى التحتية وقطاعي النفط والزراعة. وفي العام 2015، قدمت مجموعة من المساعدات بقيمة أربعة مليار دولار إلى البنك المركزي وتمويل المشاريع. وفي العام 2016، أعادت تعهدها بدعم قيمته أربعة مليار دولار، كوديعة لدى البنك المركزي، واستثمار أجنبي مباشر. ما جعل الاقتصاد المصري رهينة للأموال الإماراتية والخليجية، وسمح لحكومة أبوظبي فيما بعد بالمساومة للحصول على حصص في أصول استراتيجية مقابل الديون.
في المقابل، حاولت السلطة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد منذ العام 2023، لسداد احتياجاتها وجزء من مديونياتها. لكن الإمارات لعبت دوراً مهمّاً في تأخير موافقة الصندوق على القرض المطلوب، بحجة أنها تريد مزيداً من الإجراءات المقدّمة من القاهرة والداعمة لمناخ استثماري جيد. كما تفاوضت على دفع السلطة نحو إخراج الجيش من القطاع الاقتصادي في مصر، الذي يحتكر صناعات وقطاعات كبيرة أبرزها الإسمنت والإنشاءات.
مقابل المساعدات
وفق مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الأوسط، فإن الحكومة المصرية التي باتت عاجزة عن سداد أقساط الديون وفوائدها إلى صندوق النقد، كما تعثرت مفاوضاتها مع دول خليجية أبرزها السعودية والإمارات على منح النظام قروضاً أو مساعدات جديدة - لكنها لم توفق، حيث توقفت الدول الخليجية عن مساعدة السلطة، وبدأت في التفاوض على امتلاك حصص في مشروعات مصرية مقابل مساعداتها- فلم تجد أمامها سوى بيع الأصول العامة. لذا، أعلنت في شباط/ فبراير من العام 2023 عن قرارها بيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة. وكانت الإمارات هي الملجأ الأول للنظام المصري، الذي بات متخبطاً ويظهر نهماً غير مسبوق لبيع الأصول.
رأت التوجهات الإماراتية أن الاستثمار في الموانئ والخدمات اللوجستية المصرية (من خلال مجموعة موانئ أبوظبي المملوكة لصندوق الثروة السيادي الإماراتي) يمكن أن يوفر مكاسب سياسية وأمنية ومالية. وتحاول الإمارات في السنوات الأخيرة الحصول على حقوق انتفاع من عمليات هيئة قناة السويس وخدماتها. لكنّ حالاً من الغضب سادت بين المواطنين بمجرد التلميح بإمكانية حدوث الصفقة، خاصة وأن هيئة القناة تقع خارج الأصول المدرجة في وثيقة ملكية الدولة، الهادفة إلى تخارج الدولة من الاقتصاد وبيع بعض الأصول لمستثمرين استراتيجيين، لتحقيق أرباح تمكِّنها من سداد خدمات الدين وأقساطه واستكمال مشروعاتها الإنشائية المليارية.
وفي العام 2023، أعلنت مجموعة موانئ أبوظبي عن توقيع اتفاقية امتياز تشغيل ميناء سفاجا لمدة 30 عاماً بقيمة 200 مليون دولار، إضافة إلى اتفاقيتين لإنشاء محطتين في ميناء العريش وميناء غرب بورسعيد لمناولة الأسمنت لمدة 15 عاماً باستثمارات تبلغ 33 مليون دولار، وأربع اتفاقيات تشمل موانئ مصرية تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، لتشغيل ثلاث محطات في ميناء العين السخنة، ومحطة السفن السياحية في ميناء مدينة الغردقة، ومحطة السفن السياحية في ميناء مدينة شرم الشيخ. وأعلنت أيضاً عن تطوير محطة متعددة الأغراض، ومنطقة لوجستية واقتصادية في شرق بورسعيد. وفي العام 2022، استحوذت المجموعة على حصة 70 في المئة من شركة الشحن والخدمات اللوجستية المصرية "إنترناشونال أسوسييتيد كارجو كارير" (أي أيه سي سي) مقابل 140 مليون دولار، واستحوذت "شيميرا للاستثمارات الإماراتية" على حوالي 56 في المئة من "بلتون المالية القابضة" مقابل 20.3 مليون دولار، تبعها شراء حصة 22 في المئة من "إم إن تي إنفستمنتس الهولندية" المملوكة بحصة أغلبية من شركة "جي بي كابيتال" المصرية للاستثمارات المالية.
وفي العام 2022، وقعت الإمارات اتفاقية للتعاون مع الحكومة المصرية، لإنشاء وإدارة وتشغيل ميناء نهري في محافظة المنيا بصعيد مصر، وتجهيز وإدارة وتشغيل مرافق تخزين في محافظة دمياط على ساحل البحر المتوسط، وإدارة وتشغيل خطوط لنقل الركاب في محافظة القاهرة الكبرى. ليصبح الأمر وكأن حكومة أبوظبي قد سيطرت على موانئ البحر الأحمر المصرية، وتخطت الأمر إلى الحد الذي وصل إلى بدء شراكات في قطاع النقل النهري داخل محافظات الجمهورية أيضاً.
من الصعب أن يشار إلى أن الخليج العربي ــ والإمارات - قد نجحت في استعباد مصر اقتصادياً خلال السنوات العشر الأخيرة فقط، إذ ترجِع المسألة إلى بداية عصر الانفتاح والاستثمار الأجنبي. ولأن الخليج لديه فوائض نفطية كبيرة بدأت الاستثمارات في مصر في الصناعة والزراعة والعقار والسياحة.
ولم تكتف الإمارات بالاستحواذ على صفقات في منطقة الساحل الشرقي لمصر على البحر الأحمر، بل استحوزت على "الصفقة الكبرى"، حين أعلنت السلطة في مصر في شباط/ فبراير الماضي، عن منح الإمارات حقوق الاستثمار في مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي من محافظة مطروح على البحر الأبيض المتوسط. ولم تعلن السلطة عما إذا كانت الصفقة جاءت كحق انتفاع أم بيع لأرض المدينة الواقعة في منتصف الطريق بين القاهرة ومدينة الضبعة النووية المصرية. لكنّ مراقبين يشيرون إلى احتمالية أن تكون الصفقة عملية بيع مقابل حصول القاهرة على حصة لا تتجاوز 20 في المئة من المشروع بعد تطويره.
ويشير مراقبون إلى أن الإمارات قد سيطرت بالفعل على نحو 70 في المئة من استثمارات مدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي لمصر، عبر رجل الأعمال الإماراتي البارز محمد العبار - رئيس "شركة إعمار العقارية" - والذي سعى منذ العام الماضي 2023، وفق تقارير، إلى الاستحواذ على شركة "سيتى إيدج" للتطوير العقاري، وهي شركة مساهمة مصرية تم إطلاقها في العام 2017 برأس مال ملياري جنيه، ومسؤولة عن تطوير أبراج العلمين الجديدة وأجزاء من العاصمة الإدارية ومشروعات عقارية عملاقة في مصر. ووفق مؤشرات، فإن الشركة سيتم تضمينُها في برنامج الطروحات الحكومية.
ويبدو أن تطلعات أبوظبي لا تقتصر فقط على قطاع الموانئ والعقارات، بل تفاوضت بشأن الاستحواذ على حصص في الشركة المصرية للاتصالات - غير المدرجة في برنامج الطروحات الحكومية - والتي تمتلك فيها الحكومة المصرية نسبة 80 في المئة في حين تطرح 20 في المئة منها في البورصة، قبل أن تعلن عن طرح 10 في المئة إضافية في العام 2023. وفي العام 2022، استحوذت الإمارات على ما نسبته 9.8 في المئة من شركة فودافون مصر، كما استحوذت الشركة القابضة الإماراتية على حصص في خمس شركات مدرجة في البورصة المصرية، وهي: البنك التجاري الدولي، وفوري لتكنولوجيا البنوك والمدفوعات الإلكترونية، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وشركتا مصر لإنتاج الأسمدة - موبكو، وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية. وبذلك ارتفع عدد الشركات التي استحوذت الإمارات على حصة منها إلى سبع شركات، بعدما سبق أن استحوذت على شركة سوديك وآمون للأدوية، خلال العام 2021/ 2022 فقط. كما استحوذت على حصة حاكمة في مجموعة عوف للأغذية الصحية المالكة لعلامة أبو عوف التجارية الغذائية.
.. ويبدو أن السلطة المصرية لن تتوقف نيتها في بيع الأصول والأراضي، ولن تكتفي فقط بما حُسم من صفقات منذ العام 2021، بل ستسعى إلى مزيد من عمليات البيع، تنفيذاً لاشتراطات صندوق النقد الدولي، واشتراطات دول الخليج المانحة، التي رأت أنه قد حان الوقت لمقايضة ديونها بأصول مصر الاستراتيجية، فيما تطلق عليه السلطة الاستثمار المباشر والصفقات الكبرى.
______________________
وفق بيانات صندوق النقد الدولي، تأتي الأردن في الترتيب الثاني عربياً من حيث الاستدانة، بديون تبلغ 1.54 مليار دولار، وتحتل المرتبة الـ14 عالمياً، ثم المغرب بحوالي 1.34 مليار دولار، في الترتيب الـ17 عالمياً، وتونس بحوالي 1.14 مليار دولار وتحتل المرتبة الـ20 عالمياً. ↑
جاء ذلك في دراسة له بعنوان: أثر الحروب البريطانية على الاقتصاد المصري في النصف الأول من القرن العشرين (مع التركيز على مشكلة الأرصدة الإسترلينية). نشرت في مجلة "مصر المعاصرة"، وهي مجلة علمية تصدرها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع. ↑
أنفقت ما بين العامين 1963 و2022، ما يتجاوز 363 مليار دولار من المساعدات والمنح، متجاوزة ما أنفقته الجهات المانحة التقليدية الثنائية ومتعددة الأطراف، بما فيها صندوق النقد الدولي الذي قدم 162 مليار دولار في صورة قروض. ↑
- وهو ايضاً نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي. ↑
المصدر/ السفير اللبنانية