2025-02-22 10:28 ص

مشكلة بنيوية داخلية وأدوار تحولية كبيرة

2025-02-21

بقلم: رفيق خوري

لا شيء في لبنان ينتهي تماماً. لا الأزمات ولا التسويات. لا الحروب ولا سلام ما بعد وقف النار. كلها في تراكم. وكلما وصل المسار إلى محطة جديدة بقي شيء من المحطات القديمة، وظهر شيء آخر من العقبات والحواجز بعدها. لا قطع مع الماضي ولا ربط مع المستقبل. مجرد دوران في الزمان والمكان. ينتخب رئيس جديد وتؤلّف حكومة جديدة ضمن برنامج إصلاحي تأسيسي، فتتحرك التركيبة السياسية القديمة للحفاظ على المواقع والأدوار والمصالح.

تفرض التحولات الهائلة في المنطقة اتفاقاً على حل مستدام ينهي دور "حزب الله" والسلاح غير الشرعي ويضع حداً للمد الإيراني في لبنان، فيدفع الحزب أنصاره إلى تهديد السلم الأهلي على طريق المطار وفي شوارع بيروت للقول، نحن هنا ولا نزال قادرين ومصممين على استخدام القوة احتجاجاً على منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت.

كأن المقاومة التي خسرت دورها جنوب الليطاني وسلاحها شماله بعد حرب غزة مع إسرائيل يمكن أن تستعيد دورها في شوارع بيروت دفاعاً عن الطيران الإيراني، وكأن تمثيلها في الحكومة ليس قيداً على ممارسة الشغب وضرب نائب قائد "يونيفيل" وإحراق سيارته على طريق المطار.

ذلك أن مشكلة لبنان أشد تعقيداً من التركيز على عقدة واحدة، والحل أبعد من التركيز على تسوية واحدة واعدة والتصور أن البلد تجاوز المحنة المستمرة منذ عقود. والوقائع ناطقة، إذ جاء وقت راهن فيه فريق لبناني على تغييرالنظام بالاعتماد على سلاح المنظمات الفلسطينية التي هيمنت على البلد تحت عنوان مقاومة إسرائيل، وتصور فريق آخر أن خروج المنظمات الفلسطينية من لبنان يضعه على طريق التعافي. لكن الرهان بدا وهمياً والخلاص بدا وهمياً أيضاً. فمقابل إخراج المنظمات من لبنان وقع البلد تحت هيمنة سوريا وإسرائيل وتحت مظلات واشنطن وموسكو وباريس. والخروج الإسرائيلي ثم السوري لم يحل مشكلة لبنان، بحيث توسعت الهيمنة الإيرانية وصارت العلاقات مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين في مأزق.

المشكلة ليست محصورة بالوقوع تحت هيمنة أدوار خارجية خطرة، فهي قبل ذلك وبعده مشكلة بنيوية عميقة في النظام، على سطحها مجموعة مشكلات لها علاقة بإدارة السلطة والسياسات بالنسبة إلى الـ"ماكرو" سياسي واقتصادي وإداري كما بالنسبة إلى الـ"ميكرو". ومن أخطار المشكلة البنيوية في النظام تسهيل الطريق على التدخلات الخارجية في البلد واستعداد الأطراف الداخلية لدعوة القوى الإقليمية والدولية إلى التدخل، وأساس المشكلة البنيوية هي صعوبة بناء دولة في نظام طائفي يضمن مصالح أمراء الطوائف، في حين أن الدولة القوية العادلة تهدد المصالح الفئوية الضيقة للأمراء وتعمل للمصلحة العامة الوطنية العليا، وأي انتقاص من مصالح أحد هؤلاء يقود إلى أزمة حكومية على السطح، لا بل إن من الصعب تشكيل حكومة لا يضمن أمراء الطوائف سلفاً الحفاظ على مصالحهم فيها.

والأمثلة غنية، ففي سبعينيات القرن الـ20 وبدايات حرب لبنان تصور عدد من أعضاء المجلس النيابي أن مطالبة الرئيس سليمان فرنجية بالاستقالة تنهي الحرب، وحين رفض الطلب جرى انتخاب الرئيس إلياس سركيس قبل ستة أشهر من الموعد الدستوري، لكن سركيس قضى ستة أعوام يحاور الإدارة الأميركية فتطلب منه أن يحاور الرئيس السوري حافظ الأسد، وما كان بالإمكان معرفة ما يريده الأسد بالفعل.

وعهد الرئيس أمين الجميل انتهى من دون انتخاب رئيس وسط الانطباع السائد أنه أسهل في العرقلة رغبة في التمديد لنفسه بناء على وعد مسؤول فرنسي لكن الأسد لم يتجاوب، وكان الخيار في ربع الساعة الأخير تأليف حكومة من أعضاء المجلس العسكري برئاسة العماد ميشال عون. والوزراء المسلمون استقالوا فوراً وصارت الحكومة غير ميثاقية في مواجهة حكومة الدكتور سليم الحص، والعماد عون بدأ يحضر الأجواء لتولي رئاسة الجمهورية بدلاً من تسهيل انتخاب رئيس، مما قاد إلى حربين وانقسام شعبي لبناني ورهان على أن التخلص من عون يحل المشكلة، فكان اتفاق الطائف. لكن الوصاية السورية لم تطبق من اتفاق الطائف سوى ما يناسب هيمنتها وتحكمها في لبنان بانتظار حكمه، وتركت أساسيات الاتفاق ممنوعة من التطبيق، ولا أحد يعرف إن كان تطبيق الطائف سهلاً في عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام.

وليس من السهل إحداث تغيير جذري في ظل أحادية الطوائف المانعة للتعددية الحقيقية في المجتمع والنظام، إذ كانت الأحزاب في الماضي مختلطة والكتل النيابية تضم كل أطياف المجتمع، وكان الطموح في الطائف الانتقال من الدولة الطائفية إلى الدولة المدنية، غير أن ما حدث هو الانتقال إلى صفاء الأحزاب المذهبية وأحادية الزعامات والدولة المذهبية. حتى تعديل الدستور بناء على اتفاق الطائف، فإنه بقي حبراً على ورق وسط تعطيل الدستور.

يقول إعجاز أحمد "إن كل دولة تحصل على الفاشية التي تستحقها"، لكن لبنان نجا من فاشية لا يستحقها، على أمل تطبيق ديمقراطية حقيقية يستحقها في دولة مدنية، والفرصة مفتوحة وإن بقي الخطر.


المصدر: اندبندنت عربي