2025-02-20 09:11 م

الأردن وإدراك خطورة المرحلة القادمة

2025-02-15

بقلم: محمد ابو رمان

بالرغم من الخطاب الودّي الذي وجّهه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشعب الأردني غداة لقائه بالملك عبدالله الثاني، بما يعكس الوزن الاستراتيجي الإقليمي الأردني، ويؤكّد على أنّ هنالك تحالفاً استراتيجياً بين الدولتين، لم يُرد ترامب فقدانه، بناءً على توصية بعض مستشاريه، فإنّ ذلك لا ينفي أنّ هنالك تحديات كبيرة ومنعرجات خطيرة ستشهدها العلاقة مع إدارة ترامب، بخاصة فيما يتعلّق بالخلاف الجوهري معها في ملف القضية الفلسطينية.
الرهان على أنّ ترامب قد يغيّر رؤيته ويكون أكثر اعتدالاً وتوازناً هو رهان يتجاهل جملة من العوامل البنيوية الرئيسية، ويقفز عن السياقات التي تحكم تصورات الرجل للمنطقة ولإسرائيل، وإذا كان الصدام الأولي معه عربياً (الأردن ومصر والسعودية) فيما يتعلّق بتهجير الفلسطينيين من غزة، فإنّ الخلاف الأكبر سيتمثّل فيما يتعلّق بالضفة الغربية والقدس والمشروع الإسرائيلي هناك، الذي يقوم على شرعنة ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية والمضي خطواتٍ أكبر للأمام في تهويد القدس، وهي الخطوات التي من الواضح أنّها تنسجم مع المسار العام لسياسات ترامب وخطابه تجاه فلسطين والقدس ووعده المشؤوم بتوسيع رقعة إسرائيل.
في المقابل لا يمكن تجاهل الدور الكبير للفريق الذي حوله، ليس فقط على صعيد المستوى الأول في إدارته، بل حتى الثاني والثالث وأكثر من ذلك، فهو يحيط نفسه بتيارٍ يميني متعاطف مع المشروع اليميني في إسرائيل، فإذا تجاوزنا وزراء الدفاع والخارجية ومستشار الأمن القومي والسفير الأميركي في إسرائيل، فحتى نائبة المبعوث الرئاسي الأميركي للشرق الأوسط، مورغان اورتاغورس، فهي معروفة بميولها الشديدة والمتعاطفة مع إسرائيل، وأريد تراغر المنسق الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، الذي يعتبر أحد العقول الرئيسية في تصميم سياسة ترامب نحو الشرق الأوسط، وغيرهم ممن يجعلون من الصعوبة بمكان توقع تحولات كبيرة أو استدارات نوعية في توجهات ترامب في المرحلة القادمة.
هل يمكن الرهان على أنّ الإدارة الأميركية ستضغط على إسرائيل من أجل تقديم تنازلات وصولاً إلى اتفاقية تطبيع مع السعودية، التي جعلت وجود دولة فلسطينية شرطاً رئيسياً لذلك؟! من زاوية من الضروري أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، وأن يكون هنالك تطوير لموقف عربي (بخاصة ما بات يطلق عليه السداسية العربية)، وتعزيز موقف القيادة السعودية بهذا الخصوص، لكن من زاوية أخرى فإنّ هنالك ما يمكن أن نطلق عليه البنيامينة السياسية، فمشروع نتنياهو يقوم على إلغاء كامل لمفهوم الدولة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ويعتبر أوسلو نفسه خطأ، وتم إصدار قرار بذلك من الكنسيت الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ البديل إما اجتراح صيغة أقل من الدولة أو مقايضة الموقف السعودي بقضايا أخرى، أو تأجيل التطبيع السعودي- الإسرائيلي لمرحلة تالية إلى أن تتمكن إسرائيل من تنفيذ جزء كبير من مشروعها في الضفة الغربية.
الخيار الاستراتيجي الأكثر منطقية وواقعية أن نتعامل -أردنيّاً- مع حقيقة أنّ إقامة دولة فلسطينية من خلال التسوية السلمية، على الأقل في المدى المنظور لم تعد سيناريو ممكناً أو محتملاً، وأنّ هنالك مشروعاً إسرائيلياً صهيونياً يمينياً مسنوداً بقوة من اليمين الأميركي، وعلى الطرف الآخر بالرغم من الموقف العربي المتصاعد، مؤخراً برفض التهجير، إلاّ انّ هنالك ما تزال حالة من الفراغ الاستراتيجي، والتفوق الإسرائيلي، بعد تراجع إيران وحلفها، وإذا لم يكن هنالك محاولة حقيقية لتعديل موازين القوى، فإنّ الأوضاع ستتطور بدرجة أكثر تسارعاً - مما حدث في مراحل سابقة- نحو الأسوأ، في محاولة لاستثمار وجود مثل هذه الإدارة الأكثر ولاءً وتأييداً ودعماً لليمين الإسرائيلي في التاريخ السياسي الأميركي بأسره، كما ذكر نتيناهو وهو للأمانة محقّ في ذلك!
من الضروري بناء خطة عمل وتصور استراتيجي أردني للتعامل مع التطورات المتوقعة، يأخذ بعين الاعتبار التعامل مع الترامبية والبنيامينية السياسية ومع المخططات المخبأة بالأدراج فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، ومنها بالضرورة ما يمسّ الأمن القومي الأردني بصورة كبيرة..
وللحديث بقية.

المصدر: الدستور