رأت السفيرة الإسرائيليّة السابقة في مصر، أميرة أورون، أنّه من المهم الإصغاء إلى دعوة العالم العربيّ، الموجهة أيضًا إلى الجمهور الإسرائيليّ، والتي ترسم أمامنا النظرة العربية الشاملة بشأن العيش معًا بسلامٍ وأمانٍ في المنطقة، وأضافت في مقالٍ نشرته على موقع القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ أنّ “كلام الرئيس المصريّ، الذي استضاف القمّة، عن مزايا معاهدة السلام مع إسرائيل وكونها نموذجًا لتحويل حالة الحرب إلى سلام وازدهار، يعزز هذا التصور”، لافتةً إلى أنّ “العرب عادوا من الباب الخلفيّ لمبادرة السلام العربيّة من العام 2022 والقاضية بإقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ في الضفّة والقطاع مُقابِل التطبيع الكامل والشامل مع الكيان”.
وانعقدت القمة العربية وسط مشهدٍ فلسطينيٍّ دامٍ، حيث لا يزال قطاع غزة تحت نيران العدوان، بينما يراقب الشارع العربي بقلقٍ ما ستؤول إليه المواقف الرسمية، وجاء البيان الختاميّ بلغةٍ صارمةٍ حول رفض التهجير القسريّ، والدعوة إلى دعم إعادة الإعمار، وإدانة الحرب الإسرائيليّة، لكنّه في جوهره لم يحمل تغييرًا جذريًا في قواعد الاشتباك السياسيّة أو العسكريّة.
كما أنّ التأكيد على عدم السماح بترحيل الفلسطينيين من أرضهم بدا كتحصيل حاصلٍ، لا كإجراءٍ استباقيٍّ يردع إسرائيل عن تنفيذ مخططاتها، أمّا إعادة الإعمار، فقد أصبحت بندًا ثابتًا في كلّ قمةٍ عربيّةٍ تعقب عدوانًا إسرائيليًا، دون آلية تنفيذية واضحة تضمن عدم تكرار سيناريوهات سابقة حيث تُهدم غزة ثم يُعاد إعمارها، قبل أنْ تُقصف مجددًا.
وغنيٌّ عن القول إنّ الأزمة الحقيقية ليست في صياغة البيانات، بل في القدرة على ترجمتها إلى خطواتٍ عمليةٍ. لا تهديد بقطع العلاقات مع إسرائيل، ولا ضغط اقتصاديّ يمكن أنْ يردعها، ولا حتى خطوات تصعيد دبلوماسيّ حقيقية. والاكتفاء بالمطالبة بتحركٍ دوليٍّ في ظلّ معادلات القوة الحالية يعني تعليق الآمال على وهم الوساطات والضغوط الغربية، التي لم تقدم للفلسطينيين شيئًا سوى بيانات القلق المعتادة.
وكما كان متوقعًا، جاء الرد الإسرائيلي سريعًا وحاسمًا: رفض مطلق لمخرجات القمة، وتصعيد في العمليات العسكرية على غزة، واستمرار في نهجها العدواني. تل أبيب لم تتوقف عند حدود الرفض، بل سخرت من البيان الختامي عبر وسائل إعلامها، واعتبرته “إعادة إنتاج لمواقف عربية عاجزة”.
ومن هنا فإنّ التحدي الأكبر يكمن في أنّ إسرائيل تقرأ هذه البيانات العربية جيدًا، وتدرك حدود تأثيرها. رفضها للمقررات لم يكن بدافع الخوف من أيّ ردّ فعلٍ عربيٍّ، بل لقطع الطريق أمام أيّ محاولاتٍ دبلوماسيّةٍ لإعادة فتح ملف القضية الفلسطينية دوليًا بجدية أكبر. حكومة الاحتلال تدرك أنّ الموقف الأمريكيّ لا يزال داعمًا لها، وأنّ أيّ تحركٍ عربيٍّ لن يتجاوز الدوائر التقليديّة التي أثبتت في السابق عدم قدرتها على فرض وقائع جديدة.
علاوة على ذلك، الرهان العربي على القرارات السياسية يصطدم بواقع أنّ إسرائيل تتحرك وفق منطق القوة، وكلّ المؤشرات تؤكّد أنّ الاحتلال لا ينوي وقف عدوانه، بل يواصل تحصين مواقعه بدعمٍ أمريكيٍّ غير مشروط. الميدان في غزة لن ينتظر مبادرات دبلوماسية غير ملزمة، بل سيفرض معادلاته بنفسه.
في هذا السياق، يبدو أنّ المقاومة الفلسطينيّة تدرك هذه الحقائق، وهي ماضية في استراتيجيتها رغم الثمن الباهظ. المعركة لم تعد مجرد حرب على غزة، بل اختبار للقدرة على فرض معادلة ردعٍ جديدةٍ، يكون فيها ثمن العدوان الإسرائيلي أعلى من قدرة الاحتلال على تحمله.
كما أنّ الحديث عن موقفٍ عربيّ موحدٍ يواجه إسرائيل يتطلب تجاوز حسابات المصالح الضيقة. هناك دول تدرك خطورة ما يحدث لكنها مكبلة بحساباتٍ سياسيّةٍ داخليةٍ أوْ ارتباطاتٍ دوليّةٍ تمنعها من الذهاب بعيدًا في مواجهة الاحتلال. وهناك أخرى ترى في التصعيد الحالي فرصة لإعادة ترتيب الأوراق بما يخدم مصالحها الإقليمية، حتى لو كان الثمن هو استمرار العدوان على غزة.
في ظلّ هذه المعادلة، يصبح السؤال عن قدرة القمة على إحداث تغييرٍ فعليٍّ غير مطروح، لأنّ التجربة تثبت أنّ التحركات العربيّة تبقى أسيرة السقف المرسوم لها مسبقًا، وما يجري ليس مجرد حرب إسرائيلية جديدة على غزة، بل إعادة تشكيل لواقع المنطقة، حيث تختبر إسرائيل قدرتها على فرض معادلاتٍ جديدةٍ، فيما العرب يكتفون بالتحرك ضمن الهامش المتاح لهم دوليًا.
أيضًا، قدّمت القمة العربية موقفًا سياسيًا داعمًا للفلسطينيين، لكنها لم تقدم أدوات فعلية لوقف العدوان، وإسرائيل تدرك أنّ البيانات وحدها لا تغير الواقع، ولهذا تواصل عملياتها دون اكتراث، بينما يبقى الفلسطينيون وحدهم في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
وختامًا، المعركة في غزة لن تُحسم في المؤتمرات، بل على الأرض. المقاومة تثبت مرّةً أخرى أنّها الرقم الصعب في أيّ معادلةٍ، فيما يبقى الرهان على تحرك عربي حقيقي غير مرتبط بالإملاءات الخارجية، لكنه رهانٌ مؤجلٌ إلى إشعارٍ آخر.
ومن الجدير ذكره أنّ الدول العربيّة طرحت في العام 2002 مبادرة سلام شاملة مع دولة الاحتلال، ولكن بعد مرور 23 عامًا من وضعها على الطاولة، انتقلت إلى الرّف، ولا يهتّم بها أحدًا، لا عربيًا، ولا غربيًا لا إسرائيليًا، ناهيك عن أنّ قمّة لاءات الخرطوم ذابت إلى غيرُ رجعةٍ، وحلّ مكانها اتفاقيات الاستسلام، وليس السلام والتطبيع العربيّ مع الكيان.
عن رأي اليوم
قمّةٌ عربيّةٌ دون أنيابٍ-المقاومة أتثبت أنّها الرقم الصعب بأيّ معادلةٍ..
2025-03-09