صوفيا ـ جورج حداد*
"ألغوا الانتخابات"... "ارسلوا الرأسماليين الى معسكرات الاعتقال".. "كلوا الاغنياء"... "اقطعوا رؤوسهم"..."اقتلوا الاغنياء".
هذه عينة من الشعارات التي كان يرفعها المشاركون في الاحتجاجات الجماهيرية التي سبق ونظمتها الحركة الراديكالية الأميركية "احتلوا وول ستريت". فحينما قرر عدد من المتظاهرين في 17 ايلول/سبتمبر من السنة الماضية ان يجلسوا للاحتجاج في بارك "زوكوتي" في نيويورك، على النهب الدائم للشغيلة من قبل المستثمرين ورجال البنوك، لم يكن أحد تقريباً يتوقع ان الحركة يمكن أن تتحول الى حركة جماهيرية واسعة متعددة القوميات ضد النخبة الرأسمالية، الأمر الذي هدد النظام الاقتصادي القائم والسلم الاجتماعي العام.
والغضب الذي عبر عنه المتظاهرون الذين لم ينهوا دراساتهم الجامعية، كان يقول انه حينما يقوم أناس عاديون بالسرقة واقتحام البنوك، يتم توقيفهم، أما حينما يقوم بذلك ابناء النخبة خريجو الجامعات، فإنهم يتلقون المكافآت. ولكي يعبروا عن عدم تأييدهم للنظام القائم اختاروا نمطاً جديداً من الاحتجاج: الاحتلال. لم يكن لدى المجموعات المشاركة في الحركة برنامج، ولم تكن تريد إصدار بيان اساسي لها. كانوا يعتبرون حركتهم بالذات بمثابة "بيان للاستياء". كانوا ببساطة يستعرضون انفسهم امام الجمهور، يشغلون مكاناً، يرفعون الصوت ويرفضون المغادرة. وهذا شكل من اشكال الرد السياسي، دون ان يكونوا هم انفسهم سياسيين. ولكن هذه المظاهرة الاولية كانت علامة على بداية حركة احتجاج واسعة.
وقد كتب الكاتبان الاميركيان جاين براون وجاك هيلبورستيم يبحثان عن العلائم المشتركة والمختلفة بين حركة "احتلوا" وول ستريت ولوس انجلوس، وبين الانتفاضات التي سبق وجرت في بريطانيا، والاضطرابات التي جرت في الثمانينات من القرن الماضي، وحركات الفوضويين. وبحسب رأي براون فإن أحداث وول ستريت تذكر بالانتفاضات التي سبق وجرت في بريطانيا، حينما قام المتظاهرون في ضواحي لندن بالنهب والاحراق، وتسببوا في حدوث فوضى شاملة.
وكانت بعض شعارات المحتجين تتضمن محتوى راديكالياً جداً. وكان الشبان والشابات من الضواحي البعيدة لا يريدون الحوار مع السلطة، ويرفضون التسوق بالطريقة الاعتيادية، وكانوا ينهبون كل ما يقع تحت ايديهم، وملأوا بالمسروقات الأحواش الخلفية لبيوتهم ولبيوت جيرانهم. وبسبب هذه الفوضى اطلقت الشرطة النار على احد السكان المحليين واردته قتيلاً. وفي سنة 1981، كانت قد حدثت اضطرابات بعد ان قامت الشرطة بتوقيف فتى زنجي، تلقى طعنة، ولكنه قيل يومها انه قتل بسبب قسوة الشرطة. كما ان توقيف احدهم في هاندسورت في 1985 تسبب في وقوع أعمال نهب وحرائق. وبعد ذلك بشهر وقعت اضطرابات في برودووتر فارم، بعد وفاة امرأة بأزمة قلبية بعد اقتحام الشرطة للمنزل من اجل توقيف ابنها. وفي سنة 2005 بعد مقتل شابين في احدى ضواحي باريس اندلعت اكبر حركة احتجاج اجتماعي في فرنسا في السنوات الأربعين الاخيرة.
ان غالبية الاضطرابات تحدث في ظروف الازمة، على خلفية البؤس والنسبة العالية للبطالة، خصوصاً في صفوف الشباب. وكانت تلك الاحداث تجري بشكل متشابه بعد مقتل احد الاشخاص من الاقليات بسبب الشرطة، ما كان يقوي الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام. ولكن حركة "احتلوا وول ستريت" خرجت عن هذا النمط من تطور الاحداث. فإن المعارضة ضد الطغمة المالية العالمية التي تسببت بأزمة الركود في العالم، لم ينشأ عنها تصادم بين المجموعات القومية. والقسم الاكبر من المحتجين كانوا من البيض، وكان الزنوج اقلية.
وحسب رأي جاين براون فإن حركة "احتلوا وول ستريت" هي شكل جديد للاحتجاج السياسي، وان كان يوجد فيها عناصر "انارشية" (فوضوية). اما جاك هيلبورستيم فيرى ان نشوء هذه الاشكال الجديدة للاحتجاج يعود الى الانتفاضات التي جرت في فرنسا سنة 2005. فحينذاك ظهرت في الانترنت كراسة بعنوان "الانتفاضة القادمة". وقد اصدرت الكراسة مجموعة مجهولة اطلقت على نفسها اسم "اللجنة السرية". وأنذرت المجموعة بوقوع انتفاضات جديدة واكدت ان السبب في ذاك هو انهيار الاقتصاد العالمي. وجاء في الكراسة "ان الاقتصاد ليس سبباً في الازمة، انه هو الازمة". ودعت الكراسة الى اجراء تغيير شامل، في العمل، في الاقتصاد، وفي الحياة الاجتماعية. وقالت: يجب اعادة تكوين كل شيء من جديد، من خلال علاقات جديدة بين الناس وبين المؤسسات.
ولكن حركة "احتلوا وول ستريت" تختلف عما سبقها، وهي تمثل دعوة تاريخية لاعادة اصلاح الرأسمالية، حسبما يعتبر بعض المحللين، الذين يقولون إنه آن الاوان لإعادة تنظيم الاقتصاد العالمي، قبل ان تصبح الاحوال اكثر سوءاً للشباب والفئات العاملة.
ولأكثر من شهر بعد ان جلس البيض الغاضبون في بارك "زوكوتي" للاحتجاج على "الارهاب المالي"، اطلق المحللون تفسيرات مختلفة لهذه الحركة. ويقول احد هذه التفسيرات ان الحركة هي مشروع يساري جذري نظمه حزب العائلات العاملة، و"حركة المنظمات الاجتماعية للاصلاح الان" والنقابات التابعة لها. وقد تم ذلك بمساعدة من قبل المضارب المالي المعروف جورج سوروس، من اجل اعادة انتخاب اوباما سنة 2012، كما يؤكد ويس فيرنون في موقع رينيو اميركا، وقد كتب ستيفن ليرنير، عضو مجلس الاتحاد النقابي للشغيلة (SEIU): "علينا ان نقوض وان نخلق عدم الاستقرار للرأسمال...". وحسب بعض المراقبين فإن ليرنير قد شوهد اربع مرات في البيت الابيض. والسؤال هو "هل يؤيد اوباما حركة "احتلوا وول ستريت"؟".
ــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
موقع "الانتقاد"