أثار مقال نشره موقع مجلّة ”نيوزويك” الأمريكية، يعدّ الأكثر قراءة على موقع نيوزويك على الإطلاق، حمل عنوان ”سقوط فرنسا” موجة سخط كبيرة في عديد الأوساط الفرنسية، السياسية منها والاقتصادية والتي اعتبرته متحاملا، وأنّ الغرض منه تشويه صورة فرنسا ليس إلاّ،، بعد أن تنبأت صاحبته ”جانين دي جيوفاني” بوشاكة أفول نجم فرنسا جرّاء القوانين الضريبية التعسّفية والجائرة، وإدراجها معلومات تنبئ بوضع اقتصادي واجتماعي في غاية الخطورة، قد تنتج عنه انتفاضة ثورية على البؤس والفقر، تشبه إلى حد بعيد الثورة الفرنسية التي قامت سنة 1789م، أو ثورات الربيع العربي التي كانت نتيجة حتمية لترد الأوضاع المعيشية بهذه البلدان.
وانتقدت صاحبة المقال الذي حمل صورة خلفية للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وهو يُطل من شرفة على العاصمة باريس وهي تغوص في العتمة، كتب عليها: ضرائب حطّمت كل الأسقف، وحماية اجتماعية غير مبررة، ستقود البلاد إلى وضع سوف لن تحسد عليه، بشدّة النّهج الاشتراكي الذي تنتهجه حكومة فرنسوا هولاند الذي حطّم حسب كاتبته آمال الفرنسيين، جرّاء الحماية الاجتماعية غير المبرّرة التي توفرها حكومته، والضغوطات الضريبية المضطهِدة المتبعة في كامل القطر الفرنسي، وهشاشة النموذج الاجتماعي الفرنسي الذي وصفته بالرداءة، والسلبية والخمول، وهو ما يعكس عدم تمكن النخب الفرنسية من التكيف مع العولمة، إضافة إلى عناصر أخرى استعانت بها كاتبة المقال كهجرة الآلاف من الفرنسيين إلى بلدان أخرى سيما إلى بريطانيا، بحثا عن العيش السهل وهربا من الضرائب وتبعات الأزمة الأخرى التي أثقلت كاهلهم والتي شبهتها صاحبة المقال بالفترة التي شهدت خلالها فرنسا هجرة الآلاف من البروتستانت غير الكاثوليكيين بعد امتداد الحروب الدينية إبّان القرن السابع عشر، مع حصار لا روشيل وإلغاء معاهدة سلام نانت، والتي ساهمت في تخريب مملكة فرنسا.
ويشار أن مقال النيوزويك أسال الكثير من الحبر وألهب مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات عبر أصحابها من خلالها عن استيائهم وسخطهم على المقال وكاتبته، حيث ذهبت صحيفة لوبوان الفرنسية إلى القول أن الصحيفة الأمريكية لا تحب فرنسا وهي تبدي لنا ذلك، بينما كتبت لوفيغارو مقالها بعنوان: عندما تحشد نيوزويك صورها المشوّهة لفرنسا.
وجاءت أبرز ردّة فعل من لدن الإعلامية السابقة ”آن سنكلير”، طليقة ”دومينيك ستراوس كان”، وزير الاقتصاد والمالية والصناعة في حكومة ليونيل جوسبان، ومدير صندوق النقد الدولي من 1 نوفمبر 2007 إلى 18 ماي 2011 تاريخ استقالته من الصندوق بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي على عاملة فندق في نيويورك، التي خرجت عن صمتها في افتتاحية صحيفة الهفينغتون بوست التي تديرها، والتي صبت خلالها جامّ غضبها على كاتبة المقال، وهي صحفية أمريكية عاشت قرابة 10 سنوات في باريس بعدما عاشت مدة أطول في لندن، متّهمة إياها بالسّطحية والتحيّز وعدم الموضوعية، مقللة في نفس الوقت من مزايا النموذج الإنجليزي الذي بالغت حسبها كاتبة المقال في التباهي به، متناسية غلاء المعيشة بالمملكة وارتفاع معدلات الفقر بها، وختمت سانكلير افتتاحيتها بسخرية عن موعد الانتهاء الفعلي لحرب المائة عام التي دارت رحاها بين فرنسا وبريطانيا، واستطردت أنّ كاتبة المقال لم تتخلص بعد من أجواء الحرب التي عايشتها خلال عملها في منطقة الشرق الأوسط، وأنّها أصبحت تهذي وتخلط بين باريس وبيروت بعد تناولها جرعات كبيرة من النبيذ وأنّ العبارة التي أدرجت كعنوان للمقال لطالما استعملها الإنجليز سنة 1940 عندما سلمت باريس للنازيين في غضون شهر.
وتجدر الإشارة أنه خلال التدخل العسكري الفرنسي في مالي، خلال شهر فبراير 2013، نشرت النيوزويك افتتاحية فيها كثير من الإطراء والثناء، عنونتها: ”تحيا فرنسا”، إثر الحرب الضروس التي أعلنتها على تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، أظهر ودا وتقديرا منقطعي النضير لفرنسا، وجعلت منها القوة العسكرية التي أضحت تفتقدها الولايات المتحدة الأمريكية، تقبله الفرنسيون بكثير من الحذر، حتى لا يقعوا في المغالطات، ويصبحوا أضحوكة العالم، التي يسعى الأمريكان جاهدين، للإيقاع بهم فيها، فقد اعتادوا أن تنعتهم الصحف الأمريكية بآكلي الخردل، الذين ضمرت قوتهم البدنية والعسكرية، والذين لا يمكنهم كسب حرب في يوم من الأيام. وكانت التايم نشرت مقالا في ديسمبر 2007، بعنوان: زوال الثقافة الفرنسية، والذي تسبب في نقاش حاد بشأن الإبداع الفني الحديث في كامل ”الإكساغون”.