2025-06-18 10:41 م

الكيان الصهيوني والاتفاق النووي الإيراني

2015-07-23
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
حالة من الهستيريا عاشها الكيان الصهيوني وما زال مرتبطة بالتوصل مؤخرا الى الاتفاق حول البرنامج النووي السلمي الايراني والتوقيع عليه من قبل إيران والدول الست الكبرى والتي تم المصادقة عليه من قبل مجلس الامن الدولي، والذي يعني فيما يعنيه الاعتراف الدولي بإيران كدولة نووية، وحقها المشروع في امتلاكها برنامجا نوويا سلميا. تمثلت حالة الهلع والهستيريا في الكيان الصهيوني بالتصريحات الشديدة اللهجة لرئيس الوزراء وعدد من الوزراء والشخصيات من الطبقة السياسية والعسكرية والاستخباراتية والأمنية في إسرائيل. وحتى ما قبل التوصل الى الاتفاق فقد صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الاتفاق يشكل "خطأ تاريخيا" وعلى ان الاتفاق "يشكل خطرا وجوديا على الدولة اليهودية"، وعلى ان الدول الغربية لم تراعي المتطلبات الأمنية وأنها باعت إسرائيل في سبيل التوصل الى اتفاق مع إيران وغير ذلك من التصريحات. فوزير المعارف الاسرائيلي نفتالي بينت على سبيل المثال فقد اعتبر يوم توقيع الاتفاقية على انه " يوم أسود في تأريخ العالم". وفي تصريح مؤخرا لنتنياهو ان إسرائيل ال تجد نفسها ملزمة بالاتفاقية وستعمل بكافة الطرق لحماية أمن شعبها بمعنى انه ما زال يهدد باستخدام الخيار العسكري وعلى إمكانية ان تتصرف إسرائيل وحدها إذا ما اقتضت الحاجة الأمنية لذلك، وهو التهديد الذي ما فتأ على اطلاقه بين الحين والأخر منذ توليه زعامة حزب الليكود 1993 وفترة رئاسة الوزراء الاخيرة منذ 2009 الى الان. التصريحات الاسرائيلية المتعاقبة بما يخص إيران وخاصة المتعلقة ببرنامجها النووي والاتفاقية التي ابرمت مؤخرا بها الشأن تستخدمها إسرائيل لتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والعسكرية والسياسية والإعلامية لصالحها. فالطبقة السياسية الحاكمة بها وبغض النظر عن توجهاتها السياسية لم تترك أي حدث دولي يمكن استغلاله لصالحها الا وعملت على ذلك. والتصريحات الأخيرة لم تخرج عن هذا الإطار. التصريحات جاءت من جهة لتعكس مدى الاستياء الإسرائيلي من التوصل الى أي اتفاق مع إيران. ومن الجهة الأخرى هدفت الى ابتزاز الدول الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة لحصول إسرائيل على مزيد من الدعم المادي للكيان الصهيوني من الناحية الاقتصادية والعسكرية الى جانب الدعم السياسي في المحافل الدولية، وفك طوق العزلة الذي بدأت إسرائيل تشعره نتيجة النجاح المتسارع لحملة المقاطعة العالمية " حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" المعروفة BDS الى جانب "حملة المقاطعة الاكاديمية والثقافية لإسرائيل". الى جانب ذلك تسعى إسرائيل لتصوير نفسها على انها ستكون الضحية لهذا الاتفاق التي سعت الإدارة الامريكية للتوقيع عليه بأي ثمن تبعا للدوائر الرسمية الإسرائيلية. وهذا من الممكن ان يخدم إسرائيل في حملتها الدولية التي تشن ضد توجه الطرف الفلسطيني ومؤسسات حقوقية عالمية الى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل والتي قد تشمل كبار المسؤولين في المؤسستين السياسية والعسكرية. أما فيما يختص بالجانب العسكري والتزود بالأسلحة النوعية فقد وجهت الإدارة الامريكية الدعوة الاسرائيل لبدء الحوار عن الأسلحة التي من الممكن للولايات المتحدة تزويد إسرائيل بها ضمن الوضع الأمني والسياسي الجديد الذي قد يترتب على توقيع الاتفاقية التي بالضرورة ستخلق منظومة ومناخ استراتيجي في المنطقة مختلف عما قبل الاتفاق. ولكن إسرائيل رفضت ذلك وطالبت بالتريث وتأجيل البحث في هذا الى ما بعد الاتفاق. ولقد تعددت الزيارات الاميركية الرسمية وعلى اعلى المستويات لهذا الغرض من وزير الخارجية جون كيري الى رئيس الأركان للقوات المشتركة الامريكية الجنرال ديمبسي الى الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر. وهذه الزيارات هدفت الى التأكيد على التزام الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري والتكنولوجي على دول المنطقة مجتمعة. ومن هنا جاءت الصفقة الجديدة من الطائرات الامريكية المقاتلة ف-35 وهي أحدث ما انتجته الصناعات العسكرية الامريكية هذا بالإضافة الى التنسيق الأمني والاستخباراتي وتخصيص مليارات الدولارات لتطوير الأنظمة الصاروخية الدفاعية والهجومية الباليستية في إسرائيل، وتزويد الصناعات العسكرية الإسرائيلية بالتقنيات الحديثة وكذلك تزويد إسرائيل بمزيد من أنظمة القبب الحديدية. وهنالك قائمة قد جهزت من قبل إسرائيل والتي تحاول من خلالها الحصول على أحدث ما أنتجته الصناعات الحربية الامريكية. ولقد نوهت احدى وسائل الاعلام الامريكية المعروفة بمواقفها المنحازة والمدافعة عن إسرائيل (كومنتيري نيوز 20 7 2015 ) عن وجود توقعات أن تزود الولايات المتحدة إسرائيل بقنابل لها القدرة على اختراق الطبقة الأرضية والوصول الى المنشآت المحصنة والمبنية تحت الأرض. هذه النوعية من القنابل التي تزن 15 طنا لها القدرة على اختراق طبقة أرضية بعمق 200 قدم أو 60 قدم من طبقة اسمنتية. وعلى الرغم من كل هذا الدعم بالأسلحة النوعية والكميات الهائلة التي تهبها الولايات المتحدة فان إسرائيل والمؤيدين لها من المحافظين الجدد ووسائل اعلامهم غير راضيين عن هذا ويرى البعض ان كل هذا الكرم الأميركي لا يستطيع ان يقلب المعادلة التي اتاحتها الاتفاقية مع إيران التي من شأنها أن تعطي دفعة قوية للاقتصاد الإيراني بالإضافة الى فتح الطريق أمامها لامتلاك القنبلة الذرية حالما انتهاء الفترة الزمنية للقيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني كلية بعد 10 أعوام كما نصت الاتفاقية الموقعة. إسرائيل لا توفر أية سبيل او طريقة لمحاولة افشال الاتفاقية حول البرنامج النووي الإيراني حتى بعد توقيع الاتفاقية والتصويت عليها وتبنيها من قبل مجلس الامن الدولي. وإذا ما أخذت الاتفاقية للتصويت عليها في الجمعية العمومية فمن المتوقع ان الدولة الوحيدة التي ستقف ضدها هي إسرائيل. ومع كل هذا فان نتنياهو مصمم على خوض المعركة مع إدارة الرئيس أوباما للنهاية على الرغم من معرفته ان إسرائيل ستخسر هذه المعركة. ويقوم نتنياهو وطاقمه السياسي حاليا بتعبئة وتجنيد الطابور الخامس في الولايات المتحدة المتمثل بأعضاء في الكونغرس، ووسائل الاعلام الرسمية ومراكز الأبحاث القريبة من صنع القرار في واشنطن بالإضافة الى بعض القيادات الدينية وكذلك لجنة الشؤون العامة الامريكية-الإسرائيلية ( أيبك) للعمل ضد الاتفاقية ووضع العراقيل امام تطبيقها واسقاطها عندما يحين ميعاد التصويت عليها بعد 60 يوما من مناقشة بنودها في الكونغرس. المحور المعادي للاتفاقية يسعى لمنع الرئيس أوباما من الحصول على ثلث الأصوات من أعضاء الكونغرس وهي النسبة التي تتيح للرئيس استخدام حق الفيتو لتجاوز قرار الكونغرس وعدم الاخذ بنتيجة التصويت في حالة ما لم يحصل الاتفاق المدعوم من قبل إدارة أوباما على الأغلبية. أما عناصر المحافظين الجدد فهم ليسوا بحاجة لان يقوم نتنياهو بدفعهم للتحرك لمهاجمة الاتفاقية. فهؤلاء يريدون من الإدارة الأميركية شن عدوانا عسكريا على إيران وليس ابرام اتفاقية معها وكانوا السباقين في الدعوة الى الخيار العسكري. هذا بالإضافة الا ان معظمهم صهاينة أكثر من أي صهيوني "متطرف" والمدافعين عن أمن اسرائيل أكثر من مدافعتهم عن الامن القومي الأمريكي. فها هو السيد جون بولتون السفير السابق للولايات المتحدة في الأمم المتحدة والسناتور الجمهوري الى جانب ليندسي جراهام المرشح الرئاسي الجمهوري للانتخابات التي ستجرى 2016 يعتبران ان الاتفاقية التي وقعت مؤخرا في فينا حول برنامج إيران النووي تمثل حادثة كارثية الى الحد الذي دفعهم الى اتهام الدول الست الكبرى "بإعلان الحرب على إسرائيل" (ستراتيجيك كلتشرال فاونديشن 17 07 2015). أما أيباك فقد عملت على تشكيل مجموعة تحت اسم " مواطنون من أجل ايران خالية من السلاح النووي" (بولوتيكو 20 يوليو 2015 ) للعمل ضد الاتفاقية وتوعية عامة الأمريكيين " حول مخاطر الاتفاقية الإيرانية المقترحة" والعمل على الضغط على أعضاء الكونغرس بهدف عرقلة الاتفاق النووي الإيراني. وتضم اللجنة الاستشارية لهذه المجموعة خمسة أعضاء كونغرس سابقين من الحزب الديمقراطي. وقد صرح أحدهم " ان الاتفاقية الإيرانية تشكل خطرا على أمريكا وإسرائيل والعالم". وستقوم المجموعة بصرف ما يقارب 20 مليون دولار في الحملة التي تقودها والتي ستشمل 40 ولاية. ولقد طلب من أعضاءها الغاء اجازاتهم الصيفية للتفرغ للعمل المكثف اثناء العطلة الصيفية وقبل التصويت على الاتفاقية في الكونغرس وذلك في سبتمبر القادم (بولوتيكو 20 يوليو 2015). وفي محاربة الاتفاق النووي الإيراني والعمل على وضع العراقيل والعوائق أمام تطبيقه تعمل إسرائيل على قدم وساق على تطوير العلاقات مع ما يسمى "محور الاعتدال العربي" الذي تقوده السعودية أو ما تسميه إسرائيل والسعودية بالمحور السني مقابل المحور الشيعي وتأجيج الصراعات التي البست الطابع الطائفي والمذهبي في المنطقة بهدف تغليف جوهر الصراع السياسي. إسرائيل والسعودية على وجه التحديد عملتا جنبا الى جنب وبشكل خفي ضد مشروع المفاوضات مع إيران وحاولتا تعطيل الوصول الى الاتفاق بعدة سبل منها العمل مع الكونغرس الأمريكي من وراء الإدارة الامريكية وتجاوزها الى عقد صفقات الأسلحة مع فرنسا بعشرات المليارات من الدولارات من قبل آل سعود. إسرائيل تسعى الان الى خروج هذا التنسيق والتحالف الى العلن وضم أكبر عدد ممكن من الدول العربية اليه بحجة ان ايران هي العدو وهي التي تهدد أمن المنطقة العربية وليس إسرائيل، وهو أيضا ما يروج له آل سعود ومن لف لفهم. وفي هذا السياق صرح شبتاى شافيت الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد " مؤخرا "إن إسرائيل باتت أكثر تحمسا تجاه تبني قضية مشتركة مع الدول العربية السنية في منطقة الشرق الاوسط التي أصابها التوتر والقلق إثر انفتاح الغرب على خصمها المشترك، إيران وتوصل الدول الست الكبرى إلى إتفاق نووى مع إيران ". وتابع رئيس الموساد الاسبق " لدينا فرصة فريدة لبذل الجهود ومحاولة تشكيل تحالف يضم الدول العربية المعتدلة تتزعمه السعودية وإسرائيل؛ بغرض مواجهة القدرات النووية المحتملة لإيران في المستقبل، ولوضع نظام جديد في الشرق الأوسط" (موقع بيليست الاخباري 17 يوليو 2015). ولقد كشفت جريدة المنار المقدسية عن تفاصيل زيارة موفد سعودي الى تل ابيب 16 من الشهر الجاري (المنار المقدسية 18 يوليو 2015) وذلك بعد ساعات من الإعلان عن التوصل الى الاتفاق النووي الإيراني لمناقشة الأوضاع الأمنية في المنطقة وما أطلق عليه "الرؤيا المشتركة" لمستقبل المنطقة ضمن التطورات الجديدة. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اجتماعا بين المسؤولين الإسرائيليين ووفد سعودي وضلوع إسرائيل في الحرب على سوريا واليمن مع "محور الاعتدال العربي" بقيادة السعودية تحدث عنه الكثيرون. وما تعمل عليه السعودية الان هو تصفية القضية الفلسطينية عن طريق ضخ الحياة فيما سمي بالمبادرة العربية التي أكل الزمان عليها وشرب وربما تعديلها لمزيد من التنازلات وتشاركها في هذا أطراف فلسطينية وعربية.

الملفات