لم تكن الأخبار التي تواردت تباعاً عما حصل مؤخراً في مخيم عين الحلوة في لبنان لجهة اغتيال قائد كتيبة في جهاز أمن المخيم طلال الأردني وما شهده المخيم من اشتباكات بين عناصر من حركة فتح ومجموعات متشددة , مجرد أخبار عادية يسهل المرور عليها من دون البحث في حيثيات وأبعاد ما جرى ويجري في مخيمات اللجوء الفلسطيني في سورية ولبنان من استهدافات ممنهجة تترك فيها المجموعات المتطرفة والسلفية " الجهادية " بصمات رئيسة, وتكاد تشكل العامل الرئيس في كل صور الحرب والدمار والتهجير التي تشهدها المخيمات , مايشكل في طبيعته معاناة كبيرة تضاف إلى معاناة شعبنا الفلسطيني المتمثلة بالبطالة وسوء الأوضاع المعيشية وقلة الخدمات المقدمة وتحديداً في المخيمات اللبنانية .
في اعتقادنا أن ما شهده مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية من كوارث إنسانية كان فيها القتل والجوع والتدمير والتهجير اللغة السائدة في المخيم , وما يحضر لمخيم عين الحلوة ’هذان المخيمان اللذان يعدان برمزيتهما عاصمتي الشتات الفلسطيني في سورية ولبنان , هو امتداد لما شهده مخيم نهر البارد في العام 2007 عندما سيطر تنظيم فتح الإسلام يومها على المخيم , وما تبعه من أعمال عسكرية كان نتائجها إنهاء تواجد التنظيم في المخيم الذي دُمر بالمجمل وهُجر أبنائه إلى مناطق مختلفة , ومن هنا يمكن القول حتى الجزم بأن محاولات ضرب الوجود الفلسطيني في المخيمات , كان من بين الأهداف الرئيسة في ظل التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة وما تبعها من استشراء القتل وتنامي المواجهات المسلحة فيها واتقاد الحريق في جغرافيتها , وتالياً العمل على تهجير العنصر الفلسطيني , والشروع قدماً في إنهاء مشروعه الوطني الفلسطيني وصولا ً إلى المخطط الهادف في جوهره إلى ترحيل القضية الفلسطينية للظل تماماً كتوصيف رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الأسبق .
إن تغلغل المجموعات المتشددة داخل مخيمات اللجوء الفلسطيني وإذكاء حضورها من قبل جهات وقوى اقليمية ومدها بكل عوامل الدعم والتنامي لم يكن هدفه فقط إحراز تقدم بعينه على جغرافيا تحتدم فيها المواجهات المسلحة بين قوات نظامية حكومية وأخرى تتوزع بين معارضة وتنظيمات إرهابية معروفة , إنما يهدف بشكل أساسي أيضاً إلى شطب الهوية الفلسطينية ونسف عناوين الانتماء للوطن الفلسطيني , والتعتيم على أصوات لطالما صدحت حناجر مطلقيها لجهة المطالبة بالحقوق وإقامة الدولة المستقلة على أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف .
ما يزيد في الحُرقة وما يؤجج مشاعر الخيبة , هو ما تلحظه العيون الفلسطينية من شروخات ٍ عميقة في النسيج الفلسطيني , وما يكتنزه الصف الفلسطيني من خلافات ٍ غير مبررة أمام ما يتهدد شعبنا وقضيتنا من طوفان ٍ ستطال أمواجه العاتية الجميع دون استثناء , وهذا ما لا تحتمله هذه المرحلة الحرجة من الوضع الفلسطيني عموماً , وقد بات في قلب نيران ٍ متعددة في الداخل والشتات , الأمر الذي يستوجب وقفة رجولة , ترتقي إلى مستوى الخطر الداهم لا تظهر مفاعيلها إلا بوحدة القرار الوطني وتشابك الأيادي بما يعزز ويصوغ الجرعات الكافية لوقف مد السرطان الذي يأكل وينهش في الجسد الفلسطيني .
إن ما يتنامى من أسى ً وما يتعاظم من بلوى وما يحضر للمخيمات بتوقيع الإرهاب المُوجَه لتفريغها من أصحابها وتالياً وضع الحقوق الفلسطينية في مهب الريح وفي عرض البحار , لتأكيد قتلها وتلاشيها إنما يستوجب من القيادات السياسية نهجاً فلسطينياً موحداً تسمو فيه قضية الوطن الفلسطيني والمواطن الفلسطيني فوق أي اعتبار , وإلا فلن يرحمكم التاريخ وسيدمغ على جباهكم بالمانشيت العريض " مدافعون فاشلون " , هذا إن لم يكن قد فعلها منذ سنين .
* كاتب فلسطيني مقيم في سورية
mbkr83@hotmail.com