حاولت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة اللعب على جميع الحبال حتى تخرج بأكبر المكاسب، واعتقدت خاطئة أن دعم تنظيم داعش يمكن أن يجلب لها المكاسب وتستطيع من خلاله ضرب عصافير كثيرة بحجر واحد، كالتخلص من النظام السوري على أمل تحقيق إختراق في الخريطة الإستراتيجية في المنطقة، إلا أن حسابات المملكة كانت خاطئة وانقلبت الموازين، وبدأت تتذوق الإرهاب على أيدي مقاتلي داعش، هناك تحليلات كثيرة تحدثت أن تغير السياسة السعودية التي تأتي في زمن الحروب الإقليمية المتفرقة ضد تنظيمات إرهابية، تعبر عن شعور الرياض بخطر داعش والقوى المتطرفة الأخرى على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات الملف السوري.
يقظة متأخرة لدى الرياض بعدما تمكن تنظيم داعش في وقت قياسي من التوغل في دول المنطقة، فلم تعد القاعدة أو داعش خطراً يقتصر على سورية، بل إن الأصوات بدأت تعلو من السعودية بصورة متزايدة للتحذير من وصول الحريق السوري إلى داخل الأراضي السعودية، إذ أعلن داعش الخميس الماضي مسؤوليته عن التفجير الذي إستهدف مسجداً لقوات الطوارئ في جنوب غرب السعودية، كما شهدت السعودية، في أيار من العام الجاري، تفجيرين إستهدفا مسجدين أحدهما بالقطيف، والآخر في الدمام، ورغم الجهود السعودية لملاحقة أفراد داعش إلا أنه يلاحظ من خلال البيانات الرسمية، إزدياد عدد المنضوين في صفوف الأخير، ويرى بعض المراقبين ان السعودية اليوم بدأت تدفع ثمن موقفها المساند للمجموعات المتطرفة التي تسعى الى توسيع عملياتها الإنتقامية في السعودية، التي قد تتحول الى ساحة حرب جديدة خصوصا مع وجود أعداد كبيرة من الجهاديين والمتعاطفين مع التنظيم في السعودية.
بالمقابل شهدت الأيام الأخيرة بوادر تقارب سوري- سعودي حيال تطورات الأوضاع في سورية، فالرياض التي إنتهجت خطاً متشدداً يقوم على ضرورة الإطاحة بنظام الأسد كمدخل ضروري لحل الأزمة الشائكة باتت تتكلم اليوم بلهجة مختلفة، وهو ما تبدى بصورة واضحة من خلال إشادة السفير قاسم المصري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، بالتغييرات الجديدة التي حدثت في المملكة، باختيار وزير الخارجية السعودي الجديد عادل الجبير خلفاً للأمير سعود الفيصل، وحول السياسة الخارجية للمملكة خلال المرحلة المقبلة، أكد "المصري" انها قد تشهد تغيراً بشأن الموقف السعودي تجاه سورية وأوضح أن الموقف السعودي في البداية كان ضد الرئيس الأسد، وإذا كان هناك حماس لدعم المجموعات المسلحة في سورية، فتعّقد الأمور وسيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة مثل داعش والتي أصبح لها اليد الطولي في المنطقة، وهو ما قد يدفع المملكة إلى تغيير سياستها والبحث عن تسوية سياسية للأزمة السورية، وبذلك تكون الرياض قد وضعت اللمسات الأخيرة على إستراتيجية جديدة حيال سورية التي تنص على التصدي للمجموعات الإرهابية التي تثير الفوضى في منطقتنا، وما يعزز هذا الطرح لقاء مدير المخابرات السورية علي مملوك، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، بالرياض بوساطة روسية الذي قلب الطاولة وفرض سيناريوهات جديدة للأزمة السورية، وهناك أنباء تقول بأن الرئيس الروسي بوتين يسعى لدعوة الرئيس الاسد الى موسكو وإقناع الملك سلمان بعقد قمة روسيا سعودية سورية في العاصمة الروسية من أجل بحث الأزمة والتعاون للحل السياسي في سورية.
وفي الاتجاه الآخر قدمت إيران مبادرة معدلة لحل الأزمة في محاولة لوضع حد للحرب الدائرة في سورية، ثمة تقارير إعلامية قريبة من طهران تحدثت عن أن المبادرة جرى تقديمها والتشاور فيها مع تركيا وقطر ومصر ودول أخرى أعضاء بالأمم المتحدة في محاولة جديدة تستثمر الدفع الإقليمي والدولي الناجم عن إجماع متمثل بخطر تنظيم داعش والمجموعات الإرهابية التكفيرية الأخرى، كما نسج الايرانيون خيوط عمل جديدة مع سلطنة عمان، التي بادرت لدعوة الوزير السوري المعلم التقى خلالها نظيره العماني يوسف بن علوي، على أن يستكمل لقاءاته في طهران لاحقاً مع الجانب الإيراني حول المبادرة المعدلة التي إقترحتها طهران، ومن المحتمل أن يقود هذا المسار الوزير المعلم إلى موسكو في وقت قريب أيضاً، علماً أن الأخيرة بدأت تحضيراتها لعقد اجتماع موسكو 3، وإنطلاقاً من ذلك ربما تكون السلطنة الأقدر على تقريب وجهات النظر السعودية والسورية بما يؤسس لأبعاد سياسية لاحقاً.
بالتزامن مع المبادرة الإيرانية برزت مبادرة روسية تحمل المضمون نفسه، حيث طرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تدعو إلى تشكيل حلف إقليمي يجمع دول الخليج وتركيا مع نظام الرئيس الأسد، في مواجهة المجموعات المتشددة وعلى رأسها تنظيم داعش وإحلال الأمن والإستقرار في المنطقة، وعلى صعيد متصل، هناك مساع لتحسين العلاقات الإيرانية السعودية ودول الخليج الأخرى، وذلك بعد الإتفاق النووي الذي يتيح لطهران فرصة الحل السياسي لأزمات المنطقة، وقد أشار عبد اللهيان مساعد وزير الخارجية الإيراني إلى أن طهران تعمل على إعادة علاقاتها مع جيرانها في المنطقة لاسيما السعودية، وعلى تخطي الخلافات لتعود العلاقات إلى مسارها الطبيعي، معتبراً أن إيران والسعودية تحظيان بإمكانيات جيدة ويمكنهما من خلال التعاون أن تساهما في حل قضايا ومشاكل المنطقة .
مجملاً... أن الوقت حان لتضافر الجهود البناءة لوضع حد للأزمة في سورية على أساس تلبية تطلعات السوريين لمكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، والحفاظ على سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية، وأخيراً أختم مقالي بالقول إن الأيام والأشهر القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في الملف السوري، وبالتالي فإن الحكومة السعودية لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع النظام السوري لضرب هذه المجموعات التكفيرية التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ الرياض إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي بوابة التصفية لمشروع داعش في المنطقة، وهذا التعاون يسهل على الرياض وعلى كل العالم القضاء على هذا التنظيم، وبإختصار شديد يمكنني القول إن كل هذه المعطيات تشير الى إن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً إن سيناريو التفاهم الأمريكي الإيراني عاد الى السطح مجدداً، ما يعني نتائج جديدة ستنعكس على بعض دول الإقليم في المنطقة.
khaym1979@yahoo.com