اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان أن قصف الطائرات السعودية لمجمع محطة مدينة "مخا " اليمنية للطاقة الكهربائية هو جريمة حرب ضد المدنيين وأشارت إلى مقتل /56/ مدنيا ً خلال القصف.... الذي يأتي ضمن سلسلة من المجازر بحق المدنيين "حققها" طيران التحالف العربي خلال أربعة أشهر من القصف المتواصل على اليمن .
لم تشكل هذه الجريمة بحق المدنيين إي خبر مهم بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية ولا للسياسيين الغربيين ولم ترد على لسان "الرئيس الأمريكي الحساس جدا ً تجاه حقوق الإنسان . تجاهل المحطات الغربية الناطقة بالعربية وبلغاتها الأم لهذه الجريمة بحق المدنيين ينسجم تماما ً مع توجهات الحكومات الغربية التي طالما دعمت العنف والحرب في حال كان الطرف المعتدي من حلفائها أو أدواتها ورغم ضخامة عدد الضحايا "الرقم يزيد عما ورد في تقرير المنظمة الدولية كونه لم يضم عدد الجرحى أو الذين فارقوا الحياة في الأيام التالية للقصف " امتنعت الصحافة الغربية عن إيراد أية معلومات عن الضحايا وتجاهلت المأساة في انحياز مثير للسخرية كون هذه المحطات نصبت نفسها قيمة على"المصداقية" والمهنية" منذ أمد بعيد .. وكان من اللافت كيف أن محطة مثل فرانس 24 تحدثت ليس عن المجزرة بل عن رأي منظمة هيومن رايتس ووتش بعد ثلاثة أيام من وقوعها وكما العادة لم تورد في خبرها الذي بلغت مدته /45/ ثانية إي صور للضحايا من النساء والأطفال !!! .. وهذه ليست حالة استثنائية بل هي أسلوب عمل وقاعدة ثابتة في تغطية المحطات الفضائية الغربية لأحداث اليمن أساسه الانحياز وتشويه الحقائق .
يعاني الإعلام الغربي "الناطق بالعربية" من حالة "خضوع" و"استلاب" تجاه النظام الملكي السعودي وحربه المدمرة على اليمن، ويمكن القول أن حالة "الاستلاب" هذه في إعلام يطلق على نفسه تسمية "إعلام حر" حالة لاسابق لها إلا تلك المتعلقة بإسرائيل إبان حربها المدمرة ضد الفلسطينيين واللبنانيين في السنوات الثلاثين الماضية .
وحالة الاستلاب هذه تتفاوت بين حالة من "الهيام" التي تظهر على وجوه بعض مذيعات ومذيعي قناة "فرانس 24" وحالة الابتهاج بانتصارات قوات "التحالف العربي" التي تظهر في انفعالات عدد أقل من مذيعي BBC والحرة و DW .
تظهر محطات التلفزيون الفضائية الغربية ومحطات الإذاعة من خلال أخبارها وتحليلاتها مسلوبة الإرادة تماما ً تجاه من يقتل المدنيين اليمنيين بأحدث الصواريخ والطائرات ويظهر الاستلاب بأقبح وجه في الأسلوب "التبريري" الموحد لسلوك الجيش السعودي واستخدامه القوة الهائلة ضد أهداف مدنية وهو أسلوب شبه موحد لجميع المحطات .
وفق الأمم المتحدة قتل ما يزيد عن /1500/ مدني حتى الأسبوع الماضي وهو رقم متواضع على الأرجح" وجرح أكثر من /3500/ مدني آخر منذ بداية الحرب السعودية على اليمن" وفق منظمة الصحة العالمية بلغ عدد القتلى /4000/ والجرحى 20 ألفاً " ولاحديث عن مليون مهجر ..!!"
ومن تابع المحطات الفضائية الغربية لن يستطيع معرفة شيء عن هؤلاء الأطفال والنساء ولاعن تدمير المدن والمنشآت المدنية بقوة نارية تعادل أربع أو خمس قنابل نووية كتلك التي دمرت هيروشيما وفق تقديرات خبراء عسكريين ، هذا في وقت تم فيه منع بث المحطات اليمنية ومنع الإعلام اليمني من الوصول للمشاهدين والمستمعين عبر العالم وهنا أيضا ً سكت الإعلام الغربي "بخضوع" لقمع الحريات الإعلامية على المستوى الدولي .
الحرب السعودية الجوية على اليمن تشبه في المحطات الغربية ألعاب الفيديو "المشاهد المصورة معظمها منقولة من قمرة الطيار .. مجرد إشارة تحدد الهدف ثم انفجار .. والنتيجة كما تؤكد تلك المحطات دوما ً : تدمير وقتل العديد من "المتمردين الحوثيين "أو قوات"صالح" ولاذكر لأي مدني أو طفل أو امرأة وتغيب الإحصاءات اليومية لعدد القتلى وان حصلت أحيانا ً فتتم تجزئتها إلى قتلى في هذه المدينة وتلك البلدة .. وكلهم من الحوثيين ورجال "صالح" ولا أحد يعلم أي شيء عن بقية اليمنيين وتبلغ حالة التشابه بين البيانات السعودية والمحطات الغربية درجة الترابط العضوي ولو ان المذيع أو المذيعة في المحطات الغربية يستخدمون عبارة مثل "أطال الله عمره" لظن المشاهد أنه يتابع قناة الفضائية "العربية" أو إحدى القنوات السعودية الرسمية .
المحطات الفضائية الغربية الأكثر مشاهدة باللغة العربية هي / BBC / وفرانس 24 / الحرة / وهذه المحطات موحدة الرأي والأسلوب التحريري في تأييد الحرب السعودية على اليمن ويكفي مشاهدة واحدة منها لمعرفة ماتقوله بقية المحطات، وهي تستخدم التعابير والمصطلحات الإعلامية عينها، ويتحول قصف المدن إلى مجرد "هجمات للتحالف العربي" والأهداف هي دوما ً من "الحوثيين" ورجال الرئيس السابق صالح ويغيب أي ذكر للجيش اليمني أو المدنيين وتختفي أخبار تدمير المشافي والمدارس والمساجد والبنى التحتية والآثار العريقة ويتحول كل ذلك بفعل الاستلاب إلى مجرد أهداف من الحوثيين ورجال صالح ....!!..
وللمقارنة يمكن القول إن التغطية الصحفية الغربية للحرب على اليمن والموقف من المعتدي تشبه إلى حد كبير تغطية تلك المحطات لحروب إسرائيل ضد الفلسطينيين واللبنانيين وإذا أخذنا حرب غزة الأخيرة التي ذهب ضحيتها عشرة آلاف قتيل وجريح معظمهم من المدنيين ونسبة كبيرة منهم من الأطفال لوجدنا أن التطابق بين حالة اليمن وحالة غزة شبه تام فيما يتعلق بالتغطية المنحازة .
في الحالتين تم تجاهل المجازر بحق المدنيين ولم تتطرق المحطات إلى مقتل الأطفال والمجازر التي لحقت بأسر كاملة .
في الحالتين تم تجاهل المعاناة الإنسانية للمدنيين
في الحالتين تم تجاهل استخدام أسلحة محرمة دوليا ً "قنابل انشطارية" وقنابل فوسفورية – وقنابل فراغية ضخمة "
في الحالتين تم التركيز على مايقوله الناطق الرسمي باسم القوة التي شنت الحرب وتم التقليل من تصريحات الناطق الرسمي للمعتدى عليه وفي الحالة اليمنية يتم تجاهل تصريحات الناطق الرسمي باسم الجيش تماما ً .
في الحالتين تم إبراز وتضخيم التأييد الدولي للدولة المعتدية و تجاهل آراء ومواقف الدول والمنظمات التي وقفت "دبلوماسيا ً" ضد العدوان .
في الحالتين تم تجاهل عدم وجود تفويض دولي من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة لشن الحرب لا بل انه في الحالة اليمنية تم تضخيم دور جامعة الدول العربية رغم أنها وافقت على الحرب بعد وقوعها وليس قبل ذلك !!! . أما في حالة غزة فلم يكن لها حتى أي رأي اعلامي يذكر !!!
في الحالتين تم تبرير الحصار وتجاهل آثاره الكارثية على المدنيين .
في الحرب على غزة وقف الإعلام الغربي " محايداً " في مسألة قصف إسرائيل لمقرات محطات التلفزيون وقتل الصحفيين في مكاتبهم وفي الحرب على اليمن وقف هذا الإعلام غير مبال بتدمير محطات الإذاعة والتلفزيون اليمنية كما تجاهل التعليق على إيقاف بث المحطات اليمنية وظهر كمؤيد لذلك من خلال صياغة الأخبار التي تنقل وجهة النظر السعودية .
في الحرب على غزة كانت الرسالة الإعلامية للمحطات الغربية مختصرة في أن الحرب هي على حماس وتم تجاهل بقية الشعب الفلسطيني وأن الضحايا يسقطون خلال "الاشتباكات "وليس القصف وفي الحرب على اليمن يتم اختصار الرسالة الإعلامية في أن الحرب هي على الحوثيين وقوات الرئيس السابق " صالح " ويتم الإيحاء أن الضحايا المدنيين يسقطون نتيجة قصف الحوثيين للمدن ، وتم تجاهل منظمة القاعدة في اليمن والعمليات التي تقوم بها بالتزامن مع القصف السعودي
في الحالتين تم عرض صور الانفجارات الضخمة بواسطة لقطة بعيدة دون نقل ما حدث مكان الانفجار لا بل أنه في الحالة اليمنية عمدت قناة / فرانس 24/ بعد قصف الطيران السعودي لسوق للماشية أودى بأكثر من / 100 / قتيل وجريح "مدني " عمدت إلى عرض صور لأشلاء بعض النعاج وليس لأي مدني من ضحايا القصف !!.
في الحالتين تم تجاهل قصف المشافي وسيارات الإسعاف ونقص الامدادات الطبية والتي كانت أشد في اليمن منها في غزة كما بينت التقارير الصحفية المستقلة .
في حالة غزة بقيت العديد من المحطات التلفزيونية العربية والدولية تبث من غزة رغم استهدافها أكثر من مرة
أما في اليمن فقد استهدف الطيران السعودي " العربي " وسائل الإعلام اليمنية ومنعت من الوصول إلى المشاهدين في وقت بثت معظم محطات التلفزيون العربية والناطقة بالعربية أخباراً مستنسخة عن وسائل الإعلام السعودية وبات من الصعوبة معرفة ما يحصل بدقة في اليمن إلا من وجهة نظر السعودية .
في حالة غزة تم استهداف بعض الآثار والمواقع التراثية وهي لا تذكر مقارنة مع تدمير الآثار المصنفة ضمن الأثر الإنساني لليونسكو في اليمن مع صمت مطبق من معظم وسائل الإعلام .
في الحرب على غزة كانت الرسالة الإعلامية للمحطات الغربية تخدم التوجهات الإسرائيلية وتتطابق مع التأييد السياسي الغربي للحكومة الإسرائيلية ، وإذا كان الانحياز الفاضح في تغطية الأخبار دفع الآلاف من البريطانيين للتظاهر أمام مقر الـ BBC استنكاراً واحتجاجاً على عدم المصداقية والانحياز في نقل الأخبار فإنه في الحالة اليمنية ليس هناك أي احتمال لقيام أية مظاهرات ضد أي وسيلة إعلامية غربية إذ أن القضية اليمنية مجهولة تماماً بالنسبة للغرب على عكس القضية الفلسطينية التي تحظى بتأييد بعض الأحزاب اليسارية والاشتراكية الغربية
في الحرب على غزة كان يتم بث تصريحات لقادة حماس وهي لا تقارن من حيث المدة الزمنية مع تلك التي كانت تتاح للناطقين باسم الجيش الكيان الإسرائيلي والساسة الإسرائيليين إلا أن المحطات كانت تبث بعض التصريحات لإعطاء مصداقية لمسألة " الحيادية " أما في الحالة اليمنية فإن بيانات " الحوثيين " و" جيش صالح " وفق تعبير تلك المحطات شبه غائبة رغم أن حركة حماس مصنفة في الدول الأوروبية "منظمة إرهابية " بينما القوى اليمنية المناهضة للسعودية غير مصنفة في إطار المنظمات الإرهابية في أي دولة غربية.
تتحدث BBC من فم الحكومة البريطانية وتنطق فرانس 24 بلسان الرئيس الفرنسي وتعكس " الحرة " أراء وزارة الخارجية الأمريكية واستخباراتها ويتطابق ما تطرحه مع الموقف السياسي للحكومات الغربية المؤيد والمشارك جزئياً في الحرب على اليمن ... وإضافة إلى ذلك فإن بعض المذيعين ومحرري تلك المحطات وهم من العرب يظهرون حماساً استثنائياً لتبني وجهة النظر السعودية يفوق التوجهات السياسية لتلك المحطات .. ويظهر ذلك من خلال ردود الأفعال وحركات الجسد ونبرة الصوت ، وتعبيرات عدم الرضى أو السخرية والضحك " لغة الجسد ".
وإذا كانت وثائق ويكليكس كشفت الشهر الماضي فضيحة شراء ذمم بعض وسائل الإعلام والصحفيين اللبنانيين دون أي نفي رسمي سعودي ، فإن هذه الوثائق أكدت الشكوك حول سبب الولاء المطلق لبعض وسائل الإعلام اللبناني للسياسة السعودية وعلينا أن ننتظر تسريبات ويكليكس مجدداً "إن حدثت " لتاكيد الظنون حول السبب الذي يجعل مذيعاً أو مذيعة علمانية تخرج عن طورها لدى أول تعليق يمكن أن يسيىء للعدوان على اليمن وحول السبب في تعطل الاتصال مع أي ضيف يتحدث بوجهة نظر تخالف السياسة الإعلامية لتلك المحطات .... وخاصة عندما تكون هناك مجزرة بحق المدنيين
هل نكتشف يوماً ما السبب الحقيقي وراء حالة "الاستلاب ".... ربما ...
*كاتب صحفي سوري