2025-06-18 12:43 م

اللعبة انتهت .. تم ترحيل القضية الفلسطينية إلى الظل

2015-08-12
بقلم: الدكتور محمد بكر
مرحلة ٌ سياسية جامعة تتسارع فيها عجلة الحلول السياسية بتواترٍ كبير تجاه صياغة توليفة ٍ دوليةٍ وإقليمية بات عنوانها الأوحد على مايبدو " تصنيع الانفراجات السياسية " وبالطبع والمؤكد على قاعدة " المنتصرون معاً " , هكذا قالها وأكدها الرئيس الإيراني ( عصر الرابح – خاسر ولى إلى غير رجعة ) , تُطلق المبادرات , ويتنامي الحراك السياسي إلى مستويات ٍ غير مسبوقة والعنوان أيضاً ( فرض الحل وفق مقاسات ٍ توافقية تسر نظر الجميع ) , بعد سنوات ٍ دامية ٍ من الكباش والاشتباك وتناطح الرؤوس , فالوقت قد حان لإسدال الستارة , وما نشهده هو ربما مشاهد الفصل الأخير من لعبة الأمم أدلى فيها المشتبكون ما أدلوا من خطط وسيناريوهات وتحشيد وعسكرة وسلاح وأدوات ٍ وكل عناوين ومقومات " كسر العظم " , لم يُكسر عظم أحد بالمعنى الاستراتيجي , قصص صمود ٍ تواردت , وسيناريوهات عناد ٍ استمرت , الهدف الأمريكي المعلن في خضم وتلافيف هذه النار كان واضحاً منذ البداية الإطاحة بالرأس الإيراني عبر سورية والعراق , صمدت سورية وكذلك كان خيار العراق في وجه جحافل الإرهاب , إيران هي الأخرى دعمت بقاء سورية والعراق فهي تعلم جيداً ما ينتظرها في حال سقوط هاتين الجبهتين بيد الإرهاب , وبحنكة سياسية وباللين البطولي كما يسميه مرشد الثورة الإسلامية استطاعت انتزاع اعتراف دولي بحقوقها النووية السلمية , وصادقت على الاتفاق مع السداسية الدولية على قاعدة " تحصيل الحقوق – وعدم امتلاك سلاح نووي ) , هنا تحديداً تغير المشهد برمته , انتهى زمن الكباش , والتعنت , والمواجهة السيزيفية ,وكل الهيجان الميداني والتصعيد المتنامي في هذه الفترة , ماهو إلا نتيجة طبيعية وردات فعل متوقعة على فعل التلاقي الحاصل بين الكبار, أوباما قالها صراحة أن عقلية الحروب تقوي إيران وإن أحداً لن يسلم سيادة بلاده في إيران سواءً أكانت القيادة الحالية أم المعارضة أم الشعب , بمعنى حاولنا ولم نستطع , بدوره الحديث الأمريكي الغربي عن إسقاط نظام ٍ في سورية أصبح من الماضي , وكل الخطر الكبير الذي كانت تمثله إيران بالنسبة لخصومها بات بالمعنى الاستراتيجي للحراك الحاصل أيضاً وراء الظهر, تهرول الوفود إلى طهران , وكذلك إلى دمشق لفتح السفارات وليس للكشف كما قيل عن حالتها وأبنيتها في ظل الحرب, دمشق بدورها تدخل على الخط وترسل علي مملوك بصفته الأمنية إلى الرياض مرتين لتضع الأخيرة على المحك , يرتد الإرهاب أو ربما أريد له أمريكياً أن يرتد إلى الجغرافية السعودية والتركية اللاعبَين الأساسيين في المشهد السوري , ينشط رأسي اللعبة نشاطاً فريداً , الروسي يُفصّل , والأمريكي يلبس ويُلبس , في الدوحة كان التدشين لصرح التوافقات , من الكبير حتى الصغير , حتى حماس التقى رئيس مكتبها السياسي بلافروف , تمضي اللقاءات الثلاثية وتتتابع كالبرق , ما يتسرب وما يُعلن وما يُسرّ , بات منطوقه فقط " مواجهة الإرهاب " , فمصر العائدة بقوة في علاقتها مع الولايات المتحدة , بحسب زيارة كيري الأخيرة للقاهرة , والمشتركة في التحديات مع الإسرائيلي كما صرح دوري غولد , أعلنت خارجيتها صراحة أنها تدعم سورية في مكافحة الإرهاب, حتى المبعوث الأممي إلى اليمن وخلال لقائه وفداً من حركة أنصار الله في مسقط أعلن لأول مرة ضمن خطته ما سماه توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب , بل أكثر من ذلك , باتت إسرائيل أم الإرهاب في هذه المنطقة تتحدث عن احتمال ضرب مجاميع داعش في سيناء إذا ماشعرت بالخطر . وهنا نسأل ؟ ما الذي يحدث في الساحة الدولية ؟ وما السبب في انقلاب المشهد , كل المشهد ,على هذا النحو ؟ في أيار الماضي أعلنت مصادر إسرائيلية إستخباراتية لصحيفة هآرتس أن ما سمتها المنازلة في كل من العراق وسورية واليمن لم تحسم بعد , وإن هدف المنازلة هو ترحيل القضية الفلسطينية إلى الظل , فهل رُحلت القضية بالفعل لتظهر كل تلك الانعطافات والتحولات الاستراتيجية ؟؟ في الوصفة المسماة أمريكياً " ربيعاً عربياً " , كان الهدف الرئيس منها ( وهذا بالطبع بات معروفٌ للجميع ) يرتكز إلى جزئيتين أساسيتين , هما مشروع الشرق الأوسط الجديد أو مشروع التقسيم المراد للمنطقة على أسس طائفية واثنية وعرقية ومذهبية تمهيداً لشرعنة يهودية الدولة على أرض فلسطين , والثانية الحفاظ على أمن إسرائيل , نجح الأمريكي في الثانية وفشل في الأولى بسبب صمود الدولتين السورية والعراقية وتصديهم الشرس للأدوات القاعدية الفاعلة في إتمام هذا المشروع , ومن هنا يمكن الحديث عن زمن الرابح رابح الذي أفرزته لعبة الأمم , فالمحور الأمريكي الذي تتسيده واشنطن استطاع فيه الأمريكي في وصفته المسماة ربيعاً أن يراكم جبالاً من الدمار والقتل والتخريب والفوضى المسماة في أروقته " خلاقة " وتحديداً في دول الطوق استنزفت خلالها واستهدفت المؤسسات العسكرية, ودُمرت الموارد والمقدرات والبنى التحية بأدواتٍ مرتزقة وبتمويل خليجي لم يخسر الأمريكي فيها لا جندي ولا حتى دولارٌ واحد , وكل ذلك كرمى لعيون الإسرائيلي وضماناً لأمنه وبقائه بعيداً عن النيران المستعرة , بدوره السعودي وبالرغم من فشله المتكرر في تحقيق ما تصدر له من مهمات أمريكية , وما تعرضت له أدواته من هزائم متتالية , وبعد فشل عدوانه على اليمن الذي بات مستنقعاً غاص فيه حتى أذنيه , إلا أنه حجز مقعده في هذه اللعبة , وكل هذا الزعيق والعناد لن يوقف القطار التوافقي على قاعدة ( إما أن تركب أوأن تبقى وصراخك وحيداً) , وسيتم إشراكه في الحراك السياسي الحاصل وليكون شريكاً في التحالف المحضر لمواحهة الإرهاب , إضافة لما يجري العمل عليه لصياغة نوع من النصر السياسي له في اليمن مقابل الكف عن الانخراط في المشهدين السوري والعراقي تمويلاً وتسليحاً , بدوره التركي حصد ذات حصاد السعودي وسيكون جزءاً من ذاك التحالف مقابل وقف تدفق المسلحين عبر أراضيه وهذا المطلب سيتم صرفه دولياً لصالح التركي لجهة أنه لن يُسمح دولياً للأكراد بتهديد الأمن والسيادة التركية , ولن يكون لهم أي اقليم أو حكم ذاتي على الأراضي التركية , أما فيما يتعلق بالمحور الروسي الذي تتسيده موسكو, إذ استطاعت الأخيرة عبر بوابة " الربيع العربي " أن تشكل منظومة دولية عظيمة الشأن سياسياً واقتصادياً أفضت إلى فرض ثنائية القطب, أنهت عقوداً من التفرد الأمريكي في التسلط والسيادة , بدورها إيران كانت صاحبة الدور الرئيس في صمود حلفائها وإفشال ما كان يحضر من مشاريع أمريكية للمنطقة , واستطاعت بالمرونة السياسية المنتجة أن تصوغ الاتفاق النووي مع السداسية الدولية بما يضمن الحقوق وينهي العناوين الخطيرة ,وتدحرج كرة النار باتجاهها , وتالياً التأسيس لكل ما يحصل حالياً على مستوى المنطقة من توافقات , بدورها أبدت سورية دولة وشعباً وجيشاًَ صموداً فريداً على مدى خمس سنوات , لم يمر خلالها مشروع الشرق الأوسط الجديد , وقدمت نفسها شريكاً فاعلاً لا سبيل عن التعامل معه في مواجهة الإرهاب , هذا الصمود الذي كان الأساس في استيلاد انعطافات الخصوم , والمحرض لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية بوجود الأسد والتوافق مع شخصيات معارِضة بعينها فقط , ولأن حزب الله من ضمن المعادلة السورية ويوميات ميدانها , بات هو الآخر في قلب الحل , و سيكون خارج تصنيفات المنظمات الإرهابية وجزء فاعل في مواجهة الإرهاب , هذه المواجهة الذي اعتبرها الحزب مواجهة وجود , وعندها تؤجل المعارك الأخرى , ( بمعنى تأجيل السيطرة على الجليل , ويقين الدخول إلى القدس ) كما كان قد وعد الأمين العام لحزب الله, وهو ما يشكل هدف أساسي لدى الأمريكي والإسرائيلي . أمام كل ذلك , وبعد إنجاز الاتفاق النووي , وما تلاه من توحد جميع الإرادات الدولية والإقليمية تحت عنوان أوحد خلال المرحلة القادمة " مواجهة الإرهاب " يمكن فهم الحديث وبدء التوافق على تسوية شاملة أساسها " رابح – رابح " لاحديث ولا شغل ولا حرب فيها إلا على الإرهاب والإرهاب فقط , وعند هذه النقطة تحديداً تقاطعت الإرادات ورُحّلت في اعتقادنا أي مواجهات محتملة إلى أجل ٍ غير مسمى . ثمة طرفٌ فلسطيني ٌوحيد لم يكن جزءاً من تلك المعادلة وعند أبوابه تراوح الحلول السياسية لأزمته وملفه , ومن أجل قضيته وبهدف ترحيلها إلى الظل جرى تصنيع كل ما حصل على مستوى المنطقة , لم تعد فيها سلطة رام الله التي أخمدت شعلة الكفاح المسلح منذ زمن, وحيدة في الساحة , بل انضمت إليها من كانت رأس حربة في المقاومة وهي اليوم على طريق الهُدن , هدنة ٌ لا تقل مدتها عن عشر سنوات , تؤجل فيها أيضاً أي معركة مع العدو الاستراتيجي , لمواجهة تحدياتها الاقتصادية الداخلية , وكذلك مواجهة من أصبح عدواً مشتركاً لمعادلة ( رابح – رابح ).
كاتب سياسي فلسطيني 
mbkr83@hotmail.com