بقلم: سمير الفزاع
ما هو سر حلف بوتين لمحاربة الإرهاب، وما علاقته بملف الكيميائي السوري؟ هل تخلت موسكو وطهران عن الأسد، وماذا عن مبادرة طهران الأخيرة حول سورية؟ تركيا إلى أين، وكيف سيتصرف أردوغان؟. يبذل الإنسان جهداً كبيراً من أجل أن يرتبط ويعيش في عالم مفهوم ومنظم، حيث يتغلب على حالة الفوضى والقلق التي تعتريه عندما يواجه مشهداً مرتبكاً مختلط العناصر ومتعدد التفسيرات. السؤال هو العامود الفقري في هذا الجهد، لذلك يكابد الإنسان في البحث عن أجوبة وتأويلات لأسئلته وتساؤلاته. خلال الأيام القليلة الماضية، تسارعت سياقات سياسية وميدانية وبرزت أخرى بشكل غير مسبوق، بعضها يتناقض مع البعض الآخر، وبعضها منقطع عن ما سبقه، وثالث يتمم مسار أسلافه... حتى أصبح المشهد السوري والإقليمي والدولي ملتبس وحَمّال أوجه بشكل صارخ، ما أسس لتقديم تأويلات وإجابات متباينة حدّ التناقض أحياناً. سأحاول هنا تقديم ملخصات مكثفة تصلح كمقدمات أجوبة أكثر منها إجابات ناجزة لهذه التساؤلات الخطيرة.
* حول السؤال الأول:
الاتفاق على قرار مجلس الأمن -2235- حول التحقيق في الجهة أو الجهات المسؤولة عن إستخدام الأسلحة الكيمائية وغاز الكلور في سورية، يمثل المقدمة الأممية لخلق منصة سياسية تقارب الحرب على سورية وفقاً لنموذج (5+1) في الملف النووي الإيراني. تمّ الاتفاق على القرار، وتمّ تشخيص الخطر في الإقليم والعالم بالإرهاب، وأطلق بوتين مبادرته لتشكيل حلف لمواجهة الإرهاب بين سورية وتركيا والأردن والسعودية، ولكن مقاربة الخطر وطرق مكافحته ما زالت مختلفة بين الأطراف المتصارعة بشكل كبير. واشنطن وتركيا والسعودية... ما زالت تراهن على الدمج بين محاربة الإرهاب وإسقاط السلطة السورية، أي تنفيذ الأهداف التي سعوا لتحقيقها عبر أدوات إرهابية خلقوها ودعموها لسنوات بطرق ملتوية من جهة، والمساهمة بخلق أجواء ملتبسة تسمح بإنعطافة تفتح الأبواب المغلقة بوجه التسوية -إن أجبروا عليها- من جهة ثانية. من هنا يمكن فهم التصعيد في التصريحات والمواقف، والإشارات المتعددة لانتهاج طريق التسويات، مثل لقاء اللواء مملوك-بن سلمان، والزيارة المرتقبة لجفري فيلتمان إلى سورية خلال الأسابيع القريبة القادمة، وكلنا يذكر دور فليتمان في التمهيد للاتفاق النووي بين طهران وواشنطن.
* حول السؤال الثاني:
خلال حرب 2006 تعرض جسد حزب الله ومناطق انتشاره السياسي والعسكري إلى أعنف عملية قصف نفذها الكيان الصهيوني منذ عقود، حتى أن مخزون الكيان الصهيوني من الذخائر المستخدمة في العدوان بلغ حدود النفاذ، لتسارع واشنطن إلى تزويده بالمزيد وعبر مطار "هيثرو" البريطاني "المدني" في سابقة خطيرة عرضت أرواح ألاف البشر من المسافرين المدنيين لخطر انفجار هذه الذخائر. اعتقد البعض بأن حزب الله قاتل لوحده، لكن الدراسات والتصريحات اللاحقة أظهرت بأن سورية –مثلاً- كانت حاضرة في العمق، حيث فتحت مخازنها أمام المقاومة، وكانت جاهزة لدخول الحرب إلى جانبها كما أعلن السيد حسن نصر الله. قبل بضعة أيام يصل إلى موسكو قائد فيلق القدس قاسم سليماني ليتبعه وصول وفد عسكري-امني سوري رفيع المستوى، ثم يعلن قائد قوات الإنزال الروسية الفريق الأول "فلاديمير شامانوف" أن قواته ستقوم بمساعدة الحكومة السورية في حربها الحالية ضد الإرهابيين في حال تلقوا الأوامر بذلك. جاء تصريح "شامانوف" عقب اجتماع الدوحة بين لافروف وكيري والجبير وتسريب المبادرة الإيرانية بـ24 ساعة فقط، والذين ترافقا مع تصعيد ميداني كبير في اليمن وفي جبهات الغاب وريف حمص وفي درعا... . ظهرت المبادرة الإيرانية فجاه ودون مقدمات، وعبر الثنائي روحاني-ظريف. عانت المبادرة من نقاط ضعف عده مثل، مصطلح المعارضة المعتدلة المسلحة، وقف اطلاق النار... . لماذا الآن؟ في إيران هناك من يخاف على مصير الانجاز الوطني الكبير المتمثل بالاتفاق النووي –يعتقد بأنه إنجاز لجناح في إيران وليس لكل إيران- في حال ذهبت الأمور للتصعيد، وهم يتحسبون من محاولة سعودية-تركية... لقلب الموازين على الأرض تحت ستار من التجاذب حول هذا الاتفاق محليّاً وإقليميا ودوليّاً... وهم يعلمون بأن هناك أمر ما "يطبخ" في موسكو بعيداً عن الأضواء، سيؤسس حتماً إلى هجوم معاكس على مستوى المنطقة. سأدلل على صدقية هذا الأمر بواقعتين فقط: في النصف الثاني من شهر تموز الفائت نشرت صورة مهمة تظهر طائرة دون طيار من نوع "Aileron-3SV" روسية الصنع، سقطت في قرية "عرافيت" في اللاذقية بعد أن استهدفتها جبهة النصرة الإرهابية بالأسلحة المضادة للطائرات. المثير في الموضوع ليس وجود هذا النوع من الطائرات في الأجواء السورية فقط؛ بل بأن وزارة الدفاع الروسية تسلمت هذه الطائرات في شهر حزيران-2015، أي أنها كانت موجودة في سورية بعد شهر من تسلم وزارة الدفاع الروسية لها. هذه الواقعة تشير بقوة إلى أمكانية تواجد لعناصر من قوات الإنزال الروسية على الأراضي السورية، ويفسر الكثير من غموض تصريح قائد هذه القوات. الواقعة الثانية: ما أكده رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلّحة الإيرانية اللواء فيروز آبادي في الساعات الماضية: أن الحكومة السورية تعافت من جديد، وحقّقت انتصارات مهمة على مختلف الجبهات... حيث أظهرت بأنها تتمتّع بالقوة اللازمة للمقاومة، وحفظ المصالح الوطنية وصيانة الدستور... وأن داعش وحلفاءها سيسحقون تحت عجلة التحولات القادمة. وهنا ألفت إنتباهكم إلى عبارتين وردتا في التصريح، صيانة الدستور كإشارة مناقضة لمبادرة روحاني-ظريف، وعجلة التحولات القادمة كإشارة لما تمّ إعداده من هجوم معاكس شامل. بدبلوماسيته المعهودة، عبّر المعلم عن ملاحظاته حول المبادرة، واستمهل الرد... أدرك "الإيرانيون" أن المبادرة تحتاج إلى تغييرات جوهرية، وحاول وزير الخارجية ظريف ترطيب الأجواء، وطلب الرئيس روحاني من اردوغان تأييد المبادرة الإيرانية وتبريد الأجواء، ولكن اردوغان غارق في مشاكله ولا يستطيع التفكير إلا بتجاوز خسارته المدوية في الانتخابات الأخيرة، ولا يرى من حلّ سوى المزيد من التصعيد.
* حول السؤال الثالث:
خسر اوردغان في الشهرين الماضيين –وإن بنسب متفاوتة- اهم ورقتين دعائيتين استثمر فيهما بلا حدود، داعش -أو ثورة اهل السنة كما يحلو له تسميتها- والتفاهم مع الاكراد. وهو لم يقدم على هذه المخاطرة الكبرى التي قد تجر تركيا باسرها الى انفجار داخلي دموي كبير إلا لان مشروعه بالكامل صار في مهب الريح. بدأت الخسارة الكبرى مع هزيمته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ حيث فقد 69 مقعداً، مقابل فوز حزب الشعوب الديموقراطي الكردي بـ80 مقعداً ما خلق شريكاً جديداً في الحكم لا يمكن تجاهله. وقد كان لنتائج معركة عين العرب، وبعدها الحسكه وما افرزته من تفاهم وشراكة ميدانية بين الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له من جهة، ووحدات حماية الشعب الكردية من جهة ثانية أثر الكارثة على خطط أردوغان وطموحاته. تفاهمات ستتعمق اكثر مستقبلاً خصوصاً بعد الهجوم السياسي والعسكري-الميداني الذي يشنه تحالف اوردغان-اوغلو على الاكراد في تركيا وشمال سورية والعراق من جهة، وانكشاف عمق التعاون ان لم يكن التحالف بين اوردغان ومسعود برازاني في استهداف حزب لعمال الكردستاني ومحاربة زعيمه عبد الله أوجلان من جهة ثانية، والتأييد الأمريكي لهذه الحرب بعد اعادة تاكيد الناطق باسم البيت الابيض لمواقف واشنطن القديمة بتصنيف حزب العمال الكردستاني كحزب ارهابي، وحق تركيا بمحاربته... لذلك بدأ الإنتقام الكردي موجهاً ومنذ اللحظة الأولى نحو عناصر الأمن الذين يسهلون حركة وإمداد داعش، ونحو الجيش التركي الذي يقصفهم، ونحو واشنطن التي خانت الاكراد. عقد اردوغان صفقة ربع الساعة الأخير مع اوباما، ويمكن إستنباط بعض من تفاصيلها على النحو التالي: 1- فتح اوردغان قاعدة "انجرليك" امام طائرات تحالف واشنطن لضرب داعش، وقدم نفسه بديلاً عن القوى الكردية التي تحارب داعش، الأمر الذي سيدخل انقرة في صراع مفتوح طويل ودائم مع داعش. لذلك طرحت تركيا المنطقة الآمنه لكنها فشلت بإقناع واشنطن، فخلق منطقة آمنة ما هو إلا قرار حرب. عمدت تركيا إلى إحداث تغييرات ميدانية في الشمال السوري بتسليم مواقع النصرة وداعش... إلى الفصائل التركمانية والتابعة لواشنطن لتحقق عدة أهداف دفعة واحدة: محاربة مشروع الكانتون الكردي، وحماية النصرة من ضربات واشنطن، وحماية حدودها من مواجهة قادمة حتماً مع داعش. 2- إطلاق يد اردوغان في مواجهة مع الاكراد داخل تركيا وخارجها، ودعمه في الانقلاب على عملية السلام معهم، والانقضاض على نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، ومنع إقامة أي صيغة للادارة الذاتية الكردية في تركيا وسورية مع ضمان تأييد مسعود برزاني لهذه المساعي... تمهيداً لإستعادة سلطته المطلقة في حكم تركيا.
كلمة أخيرة:
كثيرة هي الأخبار عن "تسويات" محتملة تعمل عليها قوى إقليمية ودولية، ولكن شروط أي تسوية تنضج وتختمر في الميدان، ولهذا كلما إقتربت التسويات إشتعلت الجبهات. في الميدان تُرسم الخطوط الحمراء لأي تسوية، وفيه يحجز كل طرف موقعه، في ضفة المنتصرين أو في صفوف المهزومين. وكلما دنونا من ربع الساعة الأخيرة تظهر معادن أطراف الصراع جليّة بلا مواربة، أصحاب القضية والعملاء، حماة الوطن وغزاته، من صان وضحى ومن باع وأشترى... . لذلك، نحن مدعون أكثر من أي وقت مضى لإظهار الثقة الكاملة بأنفسنا ونصرنا، وإبراز عناصر قوتنا وبأسنا، والإرتقاء بالصراع بإشراك أكبر عدد ممكن من جماهير شعبنا في وجه عدوان يتهددنا جميعاً، لنجعله صراع بين شعب كلّه مقاتل مقابل غزو آثم قاتل... هكذا سنكون أصحاب اليد العليا على طاولة التسويات إذا ما حانت ساعتها.
مقاربة لأسئلة كبرى!!
2015-08-13