بعد خمس سنوات من إندلاع الأزمة في سورية يقف العالم شبه متفرج على ما يجري هناك، أكثر منه فاعلاً من أجل إعادة تفتيت وتفسيم سورية، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية الموغلة في وحل وبراثن التحالفات والحروب بين أطراف عدة، وتضم بين ثناياها قوى خارجية، يدرك وجود تحالف أمريكي تركي لتحقيق مصالحه وأهدافه في سورية، لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له أمريكا وتركيا لتلعبه في المنطقة، لكن السؤال المهم الذي يتبادر الى الأذهان هو: هل دخلت منطقة الشرق الأوسط أجواء الصفقة الكبرى بين واشنطن وأنقرة؟!
أمريكا بكونها اللاعب الدولي الرئيسي في المنطقة ترغب في إستثمار الورقة الكردية في لعبة العلاقات الإقليمية والدولية، وتخلص الصفقة التركية الأمريكية المتعلقة بالشأن السوري، على إنشاء منطقة آمنة شمال سورية على الحدود التركية، تسمح لتركيا بإعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم كونهم أصبحو يشكلون عبئاً ثقيلا على الإقتصاد التركي، وتتيح للرئيس التركي أردوغان فرصة توسيع عملياته العسكرية شمال سورية، لمنع الأكراد السوريين من إنشاء كيان سياسي كردي مستقل، يمكن أن يكون نقطة جذب لأكراد تركيا كي يحذو حذو الأكراد العراقيين، ويشجع الأكراد عامة الى إقامة دولة كردية تضم أكراد سورية والعراق وتركيا، وهذا ما يرفضه الرئيس التركى بأي شكل من الأشكال.
من دون أدنى شك، كل ذلك يعمق من قلق السياسة التركية اتجاه الأزمة السورية، ويزيد من الجدل بشأن الخيارات المطروحة في كيفية التعامل مع التحدي الكردي ليس على الحدود مع سورية فحسب بل حتى في الداخل التركي خاصة بعد الفوز الذي حققه حزب الشعب الديمقراطي الكردي في الإنتخابات البرلمانية، ومقابل السماح لتركيا بفرص توسيع عملياتها العسكرية شمال سورية، وافق الرئيس أردوغان على السماح لقوات التحالف الدولي ضد داعش إستخدام قاعدة انجرليك التركية فى عمليات قصف أهداف داعش داخل سورية والعراق بما يوفر الكثير من الوقت والجهد والمال مع التزام تركيا بالمشاركة فى الحرب على داعش، وفي الوقت نفسه قامت القوات الجوية التركية بقصف بعض أهداف داعش لكن غالبية عملياتها العسكرية فى المنطقة تستهدف ضرب الأكراد وكسر شوكتهم العسكرية، والتضييق على حزبهم على أمل ان يخسر الحزب الكردي مقاعده فى البرلمان التركى، خاصة ان الرئيس اردوغان يخطط لاجراء انتخابات برلمانية مبكرة هذه الأيام ، على أمل ان يستعيد حزب العدالة والتنمية الاغلبية التى تمكنه من أن يحكم تركيا منفرداً والتى خسرها بعد فوز الحزب الكردي.
في سياق متصل تورطت تركيا فى إستئناف الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، بعد ضوء أخضر من أمريكا التى حصلت على المقابل وهو فتح المجال الجوى والقواعد التركية أمام المقاتلات الامريكية لضرب مواقع تنظيم داعش، وبالتالى فتحت تركيا جبهتين عدائيتين ضدها فى وقت واحد ، وهما داعش وحزب العمال الكردستانى، فى وقت تعيش فيه الدولة التركية أصعب أيامها بسبب الفشل فى تشكيل حكومة إئتلافية، وإحتمالات إعادة الإنتخابات البرلمانية مرة أخرى، والخلافات المتفجرة بين الرئيس التركى وحزبه "العدالة والتنمية" من ناحية وأحزاب المعارضة من ناحية أخرى، بالإضافة الى موجة الإحتجاجات والمظاهرات الشعبية التى تشهدها البلاد هذه الفترة.
في إطار ذلك إن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل إسقاط نظام الأسد، نجد بأنها خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية وبيدها الورقة الكردية، لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فالأخبار القادمة من الشمال السوري لم تكن سارة بالمرة لتركيا وحلفائها، في إطار ذلك إن الوضع الكردي المستجد في شمال سورية هو من أكثر النتائج سلبية لما تشهده سورية على واقع تركيا ودور تركيا في المنطقة، بالتالي فإن تركيا إذا دخلت إلى سورية ستتحول المنطقة إلى بركة من الدماء، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل بدأت تركيا بدفع الثمن كونها طرفاً أساسياً في الأزمة السورية؟، خاصة إن خطط الرئيس أردوغان تلقى معارضة داخل تركيا بسبب المخاوف المتزايدة من أن يورط أردوغان البلاد فى وحل الأزمة السورية التي يمكن أن تكلف تركيا كثيراً ، فضلا عن إحتمالات تصاعد غضب أكراد تركيا من إستهداف المقاتلين الأكراد في سورية الذي يمكن ان يضرب أمن وإستقرار تركيا بعد ان قطع الرئيس التركي درب السلام مع الأكراد.
مجملاً...إنها حرب جديدة تشنها تركيا بدعوى محاربة داعش وهي ترمي في الأساس إلى توجيه ضربات مؤلمة وقاسية للأكراد، وقبول صفقة إنجرليك مقابل وضع حلول للقضية الكردية متناغمة مع أجنداتها، قد يجرفها إلى مستنقع عميق، مثلما انجرفت السعودية إلى مستنقع اليمن، فأردوغان يدفع بتركيا إلى حرب عواقبها قد تكون وخيمة، وقد تكون سبباً في إسقاطه مستقبلاً، وعاملاً أساسياً بتراجع وإنهيار نمو الدولة الإقتصادي، وبإختصار شديد إن تركيا تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، والمأمول آن تدرك أنقرة حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري، والجنوح الى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا اليها الحكومة السورية بإستمرار .
khaym1979@yahoo.com