2025-06-18 08:55 ص

استهداف مخيمات أللاجئين الفلسطينيين ....لماذا؟

2015-08-15
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الأوضاع في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي ما زات تحت الاحتلال الإسرائيلي -وهو على ما يبدو ان البعض يريد ابعاده عن ذهنه - تعيش حالة غليان وسخط شعبي كبير وخاصة مع تسارع الاحداث الواحدة تلو الأخرى والممتدة على الأقل منذ العدوان الإسرائيلي الهمجي والبربري بكل المقاييس على قطاع غزة الصيف الماضي والذي ذهب ضحيته ما يقارب من 2200 شهيد أكثر من20 % منهم من الأطفال وتدمير البشر والحجر في جميع أرجاء القطاع. القطاع الذي ما زال يرزح تحت حصار جائر منذ ثمانية سنوات مما زاد تفاقكم الوضع الإنساني الاقتصادي والصحي والتعليمي والأمني..الخ. فقد زادت نسبة البطالة الى ما يقارب 50% من القوى العاملة وسدت سبل مقومات الحياة للعديد من الشبان والعائلات الغزية مما دفع البعض منهم الى اتخاذ الهجرة الغير شرعية الى الشواطئ الأوروبية كوسيلة للبحث عن مخرج لهذا الواقع الأليم الذي يعيشونه. وكما هو الحال مع افواج الهجرة الغير شرعية من منطقة المغرب العربي فان العديد من الفلسطينيين قد لقي حتفه نتيجة انقلاب المراكب المستخدمة من قبل شبكة المهربين الدوليين في الإسكندرية لعدم صلاحيتها للبحر بالدرجة الأولى. ولرش المزيد من الملح على الجرح كما يقول المثل تأتي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" لتعلن نيتها عن تقليص خدماتها في المناطق التي تعمل بها في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا، وخاصة التعليمية والطبية منها نظرا للعجز المالي التي تمر به والذي يقدر 100 مليون دولار، وهو مبلغ زهيد جدا إذا ما قورن بالمليارات التي تصرف على تدمير المنطقة من قبل العربان سواء في اليمن أو سوريا أو العراق أو ليبيا. والقضية في جوهرها ليست بقضية مالية بقدر ما هي قضية سياسية بالدجة الأولى الغرض منها تضيق الخناق على اللاجيء الفلسطيني واجباره لترك المخيم الذي تقطن فيه عائلته منذ النكبة عام 1948 والهجرة الى الخارج بحثا عن لقمة العيش وذلك ضمن مخطط مبرمج هدفه القفز على حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية. ان حجم الدمار الذي خلفته الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة وخاصة الأخيرة منها العام الماضي قد أدى الى تدمير كامل للبنى التحتية المحدودة أصلا، والتي لم تكن تكفي لسد احتياجات سكان المخيمات الفلسطينية هناك، هذا بالإضافة الى تمنع سلطات الاحتلال الاسرائيلية ومماطلتها من ادخال المواد الضرورية لإعادة بناء ما دمرته حربها المجرمة، وتباطىء وصول المعونات والمنح من الدول التي تعهدت بالمساعدة وذلك لمزيد من الضغوطات السياسية على الفلسطيني، وإبقاء معبر رفح المتنفس الوحيد لفلسطيني القطاع مغلقا، كل هذه العوامل تتجمع وتعمل على الضغط على الفلسطيني في غزة وتفاقم من حالة الاختناق للغزيين وخاصة الشباب منهم وهو يرى انسداد مقومات الحياة امامه. وهذا ما دعا البعض منهم ان يلجأ الى الهجرة الغير شرعية بحثا عن لقمة العيش. وبدلا من العمل على تدارك ومعالجة الأسباب الموضوعية التي تؤدي بمثل هذا النزيف البشري الذي تسببه الهجرة وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الهمجية نرى بعض المتنفذين في "السلطة" يلقى تهم الخيانة والعمالة على "السلطات" في غزة وعلى انها تسهل عملية الهجرة ويدخل هذا ضمن إطار الصراع بين فتح وحماس والتراشق الإعلامي، وهو ما مله "وقرفه" شعبنا. هنالك أطرافا من الجهتين لا تريد المصالحة أصلا وكل من يقول غير ذلك لا يجافي الحقيقة المرة التي عانينا وما زلنا نعاني منها كشعب فلسطيني. الأولى بنا ان نسلط جام غضبنا ومقاومتنا على الاحتلال الجاثم على أرضنا وأن لا نقبل ان نكون مطية لهذه الدولة الإقليمية او تلك أو ان نستقوي بهذه الدولة أو تلك على الفريق الاخر، وأن نغلب مصلحة شعبنا ومقاومته على المصالح الضيقة والذاتية والفئوية. ولهذا ربما حديث آخر حتى لا نحيد عن الموضوع الرئيسي هنا وهي استهداف المخيمات الفلسطينية. والقضية غير مرهونة أو محصورة في قطاع غزة الذي يقطنه أكثر من مليون ونصف لاجئ فلسطيني، بل يتعداه الى مخيمات الشتات وخاصة في سوريا ولبنان. وكان ان ظهرت بعض الاشاعات في عام 2000 حول إمكانية قبول نظام صدام حسين آنذاك توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق على ان يشمل هذا فلسطيني لبنان القاطنين في المخيمات الفلسطينية في مقابل رفع الحصار الذي كان مفروضا على العراق في تلك الفترة. ولقد كتب عن هذا في بعض الصحف في حينها. ما يهمنا هنا هو ليس الدخول في مناقشة ذلك ولكن ما أردنا الإشارة اليه هنا هو ان عملية التخلص من مخيمات اللاجئين ليس بالشيء الجديد. ما استجد هو محاولة استغلال الظروف التي تمر بها المنطقة وخاصة في الحرب الشرسة التي تتعرض لها سوريا منذ أكثر من أربعة سنوات التي تقودها أطراف دولية وإقليمية عربية وغير عربية ممثلة بتركيا وإسرائيل والتي احدى أهدافها الرئيسية هي تصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة للإبقاء على "يهودية" الدولة الصهيونية. ولنا في أحداث مخيم اليرموك وهو من أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا نموذج حي لهذه المحاولات. فقد أقحم المخيم من قبل المجموعات الارهابية من داعش والنصرة ومن لف لفهما بعد ان دخلت الى المخيم بتوجيه من مشغليها وربما بتسهيل من طرف فلسطيني كان يرى مصلحة إقليمية له بالاصطفاف الى المحور الإقليمي المعادي للدولة السورية ومحور المقاومة (وكالة أوقات الشام الإخبارية 10 ابريل 2015). ولقد أدت الاشتباكات داخل المخيم مع هذه المجموعات الإرهابية التكفيرية وانعدام الامن والتدمير الكبير الذي نتج عن الاشتباكات الى نزوح اعداد كبيرة جدا من الفلسطينيين من داخل المخيم. ولم تنجح كل المساعي المتعاقبة في تحييد المخيم ورجوع النازحين منه، حيث افشلت العديد من هذه المساعي في اللحظات الأخيرة نتيجة تدخل أطراف إقليمية عربية التي عبثت وما زالت تعبث بالداخل السوري. ونشطت بعض الأطراف المشبوهة والعميلة الى تقديم "خدماتها" لفلسطيني المخيم بتدبير عمليات الهجرة الى دول أجنبية في محاولة لتفريغ المخيم من سكانه من الفلسطينيين، مستغلة الأوضاع المأساوية الصعبة الأمنية والاقتصادية للعديد من سكان المخيم. ونقولها بحرقة ان "السلطة" الفلسطينية وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية لم تقم بالدور والمسؤولية المنوطة بهما للحفاظ على المخيم وأهلنا وتجذير صمودهم داخل المخيم. واكتفت "السلطة" الفلسطينية برفع شعار "النأي بالنفس" وكأن الصراع في سوريا صراعا داخليا وليس صراعا مع مجموعات إرهابية تكفيرية جمعت من كل بقاع العالم بشهادة مراكز الأبحاث والاستخبارات الغربية. ولم تسلم مخيمات لبنان من الهجمة على مراكز تجمع اللاجئين الفلسطينيين. فأحداث مخيم عين البارد الدامية في بداية مايو 2007 ما زالت في الذاكرة، حيث أدت الاحداث الى تدميره ونزوح غالبية سكان المخيم البالغ عددهم ما يقرب من 40000 نسمة بعد معارك شرسة استمرت ما يقارب من ثلاثة أشهر ونصف بين الجيش اللبناني ومجموعة "فتح الإسلام" القاعدية المدعومة من آل سعود وتيار 14 من آذار التي اريد لها أن تكون رأس الفتنة المذهبية والطائفية في لبنان. واليوم نشهد توتر شديد في مخيم عين الحلوة في لبنان ونمو التيار السلفي الجهادي المتطرف المتمثل بالمجموعات من "الشباب المسلم" و "جند الشام" "وفتح الإسلام" . وقد قام تجمع "الشباب المسلم" باغتيال عضو بارز في تنظيم "سرايا المقاومة" المحسوب على حزب الله. وهذا ليس أول تصفية من عناصر السرايا حيث بلغ عدد الذين اغتيلوا بخمسة عناصر منذ مطلع 2015. وهنالك خشية كبيرة في الأوساط الأمنية داخل المخيم أن يتحول الامر الى ما يشبه ما جرى في مخيم اليرموك في دمشق. ومخيم عين الحلوة هو أكبر مخيمات الفلسطينيين في لبنان ولا يقل تعداد سكانه عن 70000 ان لم يكن أكثر من ذلك. ان ما جرى ويجري في المخيمات الفلسطينية قد يبدو انه صراع على النفوذ والسيطرة بين الفئات المتصارعة وربما هذا يجانب بعض الصواب. ولكن مهما يكن فانه في نهاية الامر ان مثل هذه الاحداث تؤدي الى زعزعة الامن والاستقرار في المخيمات التي تؤدي في نهاية المطاف الى ترك المخيم من قبل العديد من اللاجئين هربا من الاشتباكات او للبحث عن مصدر رزق وحالة من الأمان والاستقرار. في النهاية نود ان نؤكد على ان المخيمات الفلسطينية مستهدفة لأنها ببساطة تشكل الحواضن والمفتاح والتجسيد المادي لحق العودة للشعب الفلسطيني الذي يراد شطبه من المعادلة نهائيا. وبالتالي لا يمكن النظر الى ما يدور على المخيمات الفلسطينية من اعتداءات مستمرة مباشرة أو غير مباشرة الا ضمن المنظومة الهجومية الشرسة على المنطقة التي تقودها الولايات المتحدة وادواتها في المنطقة التي أصبحت تتدخل بشكل عسكري مباشر بعد ان كانت مكتفية بتحريك عملائها ومرتزقتها، وعلى ان أحد اهداف هذه الهجمة هي تصفية القضية الفلسطينية. وهذا يستدعي أكبر قدر ممكن من التوعية بهذا الموضوع والاحداث المترابطة وان بدت متباعدة جغرافيا. 

الملفات