2025-06-18 07:59 ص

حماس ترتكب خطأ فادحا بقبولها فتح باب "مفاوضات" منفردة بشأن القطاع!!

2015-08-17
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
التسريبات التي وردت في الصحافة الإسرائيلية وكذلك الإقليمية أشارت الى ان إسرائيل قد وافقت أو على قاب قوسين من الموافقة على انشاء ميناء في غزة وفتح خط بحري بين القطاع وقبرص التركية وفتح المعابر وتسهيل الحركة والتنمية الاقتصادية في غزة في مقابل تهدئة أو هدنة طويلة الأمد تتراوح مدتها ما بين 7 الى عشرة سنوات. وهذه التسريبات أتت على خلفية عدة اجتماعات تمت ما بين السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والسيد بلير المبعوث الخاص السابق للرباعية الدولية وكذلك مع ممثلين من دول أوروبية واقليمية في الدوحة لمناقشة هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. وكذلك الزيارة التي قام بها أيضا مشعل مؤخرا الى تركيا بالإضافة الى الزيارتين لمشعل الى السعودية التي ادعى البعض ان الزيارة الأولى كانت لأداء مناسك العمرة. وأصبح من المعروف وشبه المؤكد ان السعودية اقامت علاقات من تحت الطاولة كما يقولون مع إسرائيل ولقد تحدثت الصحافة الإسرائيلية وشخصيات سياسية في إسرائيل بزيارات قامت بها وفود سعودية الى تل أبيب. ومؤخرا عقد اجتماع بصفة علنية بين السيد أنور عشقي المقرب من العائلة المالكة في السعودية ومستشارها السياسي والذي يعمل رئيسا لمركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي غولد دوري الذي يترأس المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسة. الى جانب ذلك فقد قام دوري بزيارة الى تركيا اجتمع بها الى أردوغان وذلك في فترة زمنية متقاربة مع زيارة مشعل اليها. كل هذه الاجتماعات والتحركات المحمومة وفي فترات زمنية متقاربة جدا أشارت للإنسان البسيط مثلي الى ان هناك طبخة تعد أو انها بالفعل قد أعدت وما تبقى هو وضع التفاصيل النهائية عليها. حماس لم تنكر انها تجري مفاوضات منفردة غير مباشرة مع الطرف الإسرائيلي ولكنها لم تفصح لغاية الان بتفاصيل هذه المفاوضات أو ماهيتها وما آلت اليه للان. كل ما سمعناه انها اجتمعت مع الفصائل الفلسطينية كل على حدة وأبلغتهم ببعض ما يجري وعلى انه لا شيء مكتوب بعد وان كل ما في الامر لم يتعدى الدردشة وتبادل أفكار ليس الا. نحن هنا لا نريد أن ننوه الى التصريحات المتناقضة لشخصيات قيادية في حماس ولا نريد ان نستبق الاحداث والدخول في تخمينات بهذا الشأن فعلى حسب المثل البلدي "الخبر اليوم اللي بمصاري يصبح غدا ببلاش" والأفضل ان ننتظر لنرى الامر. ولكننا بالتأكيد لسنا مع هذا النوع من المفاوضات لا من حيث الأسلوب التي تدار به والتكتم الشديد الذي يجعل المعظم في الظلام كما حدث في اتفاقية أوسلو المشؤومة، وبالتالي أصبح لدى شعبنا نوع من الحساسية تجاه "المفاوضات" التي تجري في الغرف المغلقة ووراء الكواليس. ولا نحن مرتاحين البتة للأطراف التي تشارك وترعى وتشجع على مثل هذه المباحثات لأننا وبصراحة مطلقة وبشفافية عالية وصوت عالي نقولها، نحن لا نثق البتة لا بالسعودية ولا بقطر ولا بتركيا لما تسببوه مجتمعين من دمار وخراب وقتل وتشريد سواء في العراق أو في ليبيا أو في سوريا أو في اليمن ودعمهم اللامتناهي للمجموعات الإرهابية من داعش والنصرة ومن لف لفهم، وكلها شواهد على اجرامهم الغير مسبوق. كلهم ودون استثناء مضاف اليهم الامارات عملوا بشكل فعال كأدوات وما زالوا في اطار الاستراتيجية الامريكية في المنطقة التي تهدف الى تدمير الدول الوطنية وجيوشها وإعادة تقسيم المنطقة الى دول صغيرة او كانتونات طائفية ومذهبيو وعرقية وتصفية القضية الفلسطينية للحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها وتسلطها على المنطقة، بالإضافة الى السيطرة التامة على منابع النفط والغاز وطرق امدادها والتحكم بأسعارها العالمية. ولا نثق بالسيد بلير المتحدث الرسمي باسم الكيان الصهيوني التي لم ترضى حتى أمريكا والاتحاد الأوروبي عن أدائه عندما كان مبعوث الرباعية الممثلة بالأمم المتحدة وامريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي، وذلك لانحيازه التام لإسرائيل وبشكل فج وعلني وعدم الاخذ بعين الاعتبار الطرف الفلسطيني واطروحاته أو مراعاة شعوره على الاقل. وعندما يأتي هذا من أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي أوقف الدعم المالي الذي كان يقدمه لمكتب بلير عام 2012 وذلك قبل سنتين تقريبا من تقديم استقالته/ أو اقالته من منصبه في مايو 2014 ندرك ماذا يعني هذا والدور القذر الذي لعبه سابقا والدور ربما الاقذر الذي سيلعبه الان. بعض القيادات في حماس تصرح بأن ما يدور الان هو الا استكمالا لما دار في القاهرة من مفاوضات غير مباشرة التي أشرفت عليها المخابرات المصرية بعد العدوان الهمجي للجيش الإسرائيلي على غزة الصيف الماضي 2014. وهذا بالتأكيد ليس هو الحال على الاطلاق، وارجو من الاخوة في حماس أن يحترموا عقول الناس العاديين مثلي وهم كثر. المفاوضات المريرة التي أجريت في القاهرة كانت تجري بين وفد فلسطيني موحد. نكرر وفد موحد ضم كل الفصائل الفلسطينية دون استثناء وكان الوفد الفلسطيني موحد في الرؤيا والمطالب على الرغم من حجم الضغوطات المهولة التي تعرض لها من دول إقليمية وحتى فلسطينية فاعلة. لم يفاوض طرف واحد بشكل مستقل ومن ثم يأتي ليبلغ الاخرين بما توصل اليه نتيجة المباحثات كما هو جاري الان وبغض النظر عن محاولة تجميل الكلام أو إضفاء الغموض البريء في أحسن الأحوال كالقول باننا لم نستلم أي شيء مكتوب بعد، وبالتالي لا يوجد شيء نناقشه معكم في اجتماعاتهم المنفردة مع كل فصيل على حدة. شعبنا سمع مثل هذا من قبل من أطراف فلسطينية مفاوضة كانت حركة حماس تنتقدها بشدة وكانت محقة في ذلك. كما كانت تنتقد استفراد الطرف المتنفذ الاخر (يعني فتح بالقلم العريض) بالقرار الفلسطيني في المباحثات مع الطرف الإسرائيلي. فلماذا تتبع حماس نفس الأسلوب؟ ولماذا الاجتماعات المنفردة مع الفصائل الفلسطينية كل على حدة أصلا إذا كان المقصود نقل نفس الكلام لكل الفصائل؟ . هكذا دارت وأديرت المفاوضات من طرف فلسطيني متنفذ منذ أوسلو في بداية التسعينات من القرن الماضي ولغاية الان في المفاوضات العبثية السرية والعلنية مع إسرائيل والتي نعاني من نتائجها الكارثية الان. ونحن لا نريد أن ندخل في دوامة أخرى من طرف فلسطيني متنفذ آخر يريد ان يمشي على خطى كان ينتقدها بشدة وكان محقا في ذلك. نحن لا نريد أن نصحى يوما كما صحينا ورأينا وقرأنا بنود اتفاقية أوسلو الكارثية وما تبعها من تنازلات مجانية أدت بمجملها الى شق الوحدة السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني التي أوصلتنا الى حالة من الوهن مما سهل الاستفراد بشعبنا وقضيته من قبل محور الأعداء الإقليمي والدولي. نحن نعلم علم اليقين كما يعلمه أطفال غزة المحرومين من طفولتهم، أن قطاع غزة يعيش ضمن ظروف اقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية وامنية صعبة للغاية. وأنه محروم من أبسط مقومات الحياة الكريمة التي هي حق طبيعي للإنسان أينما كان على سطح هذا الكوكب الذي نعيش عليه. ولا يوجد فلسطيني في أي بقعة في العالم الا ويريد ان يرى بوادر الحياة الطبيعية لهذا الشعب المقاوم والصامد والصابر، ويريد ان يرى نوع من الازدهار والانتعاش الاقتصادي وخفض معدلات البطالة والحركة والتنقل بحرية لسكان القطاع المحاصرين بشكل خانق برا وجوا وبحرا منذ أكثر من سبعة سنوات على الأقل. ولكن السؤال الذي يطرحه أيضا كل فلسطيني ما هو ثمن ذلك؟ إسرائيل لن تسمح بكل ما سرب في الصحف- إذا ما كان صحيحا- الا بثمن ومن حقنا ان نعلم دون مواربة أو غموض أو تلعثم ما هو هذا الثمن؟ من حقنا كشعب فلسطيني أن نطالب أن لا ينصب فريق نفسه ممثلا عن هذا الشعب وينفرد ويستأثر بالقرار مستغلا الأوضاع الإقليمية التي قد تتيح له الاستقواء على طرف آخر لتصفية حسابات قديمة أو جديدة. لان هذا من شأنه ان يكرس الانقسام السياسي والجغرافي في الساحة الفلسطينية الذي طال أمده ومله شعبنا، والذي ما زال يدخلنا في متاهات لا أول لها ولا آخر. لقد فشل مشروع كسر محور المقاومة في المنطقة كما تدلل الوقائع على الأرض بالرغم من حجم الدمار الغير مسبوق في الأرواح والبنى التحتية والمعالم الحضارية وبث الفتنة المذهبية والطائفية والعرقية في المنطقة وتدمير دول وطنية بأكملها. وفشل لغاية الان أحد الأهداف السياسية الرئيسية لهذه الهجمة الشرسة الصهيو-أمريكية على منطقتنا وتحريك ادواتها وعملائها من "الاعراب"، وهو تصفية القضية الفلسطينية، وذلك لتمسك شعبنا وصموده على أرضه ومقاومة الاحتلال والصمود الأسطوري لكافة فصائل المقاومة المسلحة في قطاع غزة والالتفاف الشعبي حول هذه المقاومة ورفض شعبنا للاستسلام او إدارة ظهره للمقاومة المسلحة بالرغم من حجم الخسائر البشرية والمادية التي اصابته. وفشل أيضا بسبب الصمود الأسطوري للدولة السورية والشعب السوري والجيش السوري بالدعم المتناهي من محور المقاومة وروسيا والصين. فشل العدوان العسكري المباشر في لي الذراع الفلسطينية المقاومة التي مثلت ضلعا أساسيا من اضلاع مقاومة المشروع الانهزامي والاستسلامي في المنطقة، فكان لا بد من إعادة التموضع للمحور المعادي وتغير أسلوب الهجوم والظهور بمظهر اقل وحشية واضفاء الطابع "الإنساني" على التوجه الجديد. والبدء بغزة ذو أهمية فالقطاع مدمر تقريبا بالكامل وغابت عنه ابسط مقومات الحياة الكريمة نتيجة الاعتداءات المستمرة والحصار الشديد المستمر. والمحور المعادي يأمل من أن الطعم المقدم والاغراءات بالتنمية الاقتصادية التي ستواكب بناء الميناء وإقامة خط بحري وفتح المعابر وعودة الحياة الى القطاع، قد يكون كافيا لفك الارتباط بين الشعب من طرف والمقاومة من الطرف الاخر. فهناك من يريد ان يقول هذه الحياة التي نعدكم بها إذا ما تخليتم عن المقاومة. "السلام الاقتصادي" الذي بشر به جزار قانا شمعون بيريس والذي اعتنقه نتنياهو والمتحدث الرسمي باسم الكيان الصهيوني توني بلير الذي وكل ببناء هيكلية ومؤسسات اقتصادية في الضفة الغربية وإدارة استثمارات بقيمة 4 مليارات دولار وعدت لهذا الغرض من قبل وزير خارجية الولايات المتحدة كيري، نقول هذا "السلام الاقتصادي" فشل فشلا ذريعا باعتراف أحد جهابذة السلطة المتنفذين الذي صرح مؤخرا انه استنتج ان لا تنمية اقتصادية ممكنة في ظل احتلال. فشل "السلام الاقتصادي" في الضفة، وها هو المحور المعادي يعاود ويطرح نفس المشروع كوسيلة للقضاء التدريجي على المقاومة واشغالها في صراعات فيما بينها ونقاشات حول خبايا وخفايا المشروع المطروح وزعزعة الثقة بين مكوناتها. نحن لسنا ضد مفاوضات ترفع على الأقل جانب من الظلم والمعاناة عن شعبنا وتيسر له حياته اليومية. ولكننا ننادي بان تكون هذه المفاوضات بناء على أسس وسقف سياسي متفق عليه مسبقا بين كافة فصائل المقاومة وتحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الجامعة لكافة الأطراف دون استثناء لضمان الوحدة السياسية والجغرافية الفلسطينية. وبالتأكيد أن لا يكون الثمن الذي يدفع هو المقاومة المسلحة تحت أي ظرف من الظروف.  

الملفات