بقلم: سمير الفزاع
ماذا جرى في اجتماع الدوحة؟ كيف عبّر السيد حسن نصر الله عن موقفه من مبادرة ظريف؟ لماذا قصف "علوش" دمشق وحلب واللاذقية؟ كيف ترجمت موسكو نتائج زيارة الوفد العسكري-الامني السوري الى موسكو، وغضبها من موقف كيري-الجبير؟ وما هي دلالات هذا الرد؟
جاء لافروف الى الدوحة –الاحد 2/8- ليبدأ وكيري في اليوم التالي بوضع اسس لتفاهمات تنقذ المنطقة من صدام ترتفع فرص وقوعه، وهاوية تتدحرج الاحداث سريعاً نحوها، لكنه فوجئ بمقاربة امريكية-سعودية مختلفة تماماً: نحن متفقون معكم على ضرورة مكافحة الارهاب، ومحاربة داعش والنصرة، لكن لنتفق اولاً على رحيل الاسد، وشكل الحكم بعده.
ادرك لافروف ان التطورات الميدانية الاخيرة في سورية واليمن... "اغرت" واشنطن ومملكة آل سعود وتركيا... لاعادة الامور الى الربع الاول، وهم تقرير مصير الرئيس بشار حافظ الاسد. يطير بوغدانوف الى طهران ويلتقي وزير الخارجية السوري وليد المعلم والايراني ظريف الثلاثاء 4/8، ليبغهما بما دار في اجتماع الدوحة، والاطلاع اكثر على المبادرة الايرانية وخلفياتها، التي تسربت بنودها للاعلام بالتزامن مع اجتماع الدوحة. ابدى الوفد السوري بعض من ملاحظاته حول المبادرة، وطلب منحه المزيد من الوقت لمعرفة راي القيادة السورية حولها، لكنّ المبادرة يمكن وصفها بالمتسرعة في الحد الادنى.
الثلاثاء 11/8، يصل الخبير الى موسكو من اجل الترتيب لزيارة الملك السعودي سلمان، والتعرف على راي القيادة الروسية بعد فشل اجتماع الدوحة، وليعيد تثبيت موقف واشنطن ومملكته خلال الاجتماع. خلال المؤتمر الصحفي كان لافروف متوتراً وغاضباً، لقد ألقى من يده القلم الذي كان يمسك به عدة مرات، ولم يكتفي بذلك. لقد بالغ الجبير كثيراً في تجاهل المكان الذي يتحدث فيه -موسكو-، والوزير الذي يتشارك معه المؤتمر الصحفي –لافروف-، وانعدمت في كلماته ادنى درجات الدبلوماسية، وتقصد الجبير أن يرافق مؤتمره الصحفي في موسكو قصف أداته الإرهابية -زهران علوش- لدمشق... فاضطر لافروف للتعبير عن رايه بالمشهد كلّه في جملة واحدة: الغبي العاهر. اعتقد بانه كان يقصد تماماً اهانة الجبير وتوبيخه باقذع الالفاظ، ولم يكن الامر صدفة او خطأ تقني، فهو يعلم ان الجبير يجلس بجانبه، وانه في مؤتمر صحفي يبث مباشرة على الهواء، وان ما يكرفونه يعمل إذ تحدث عبره قبل لحظات، ويعلم تماما بان هناك من يقرا تعابير وجهه وحركاته وسكناته... رداً على تطاول الجبير ويكفي ان يحرك شفاهه دون ان يخرج أي كلمة ليتكفل المراقبون بتظهير ما قاله.
في ذات اليوم، الثلاثاء 11/8، يصل الوزير جواد ظريف الى بيروت حاملا مبادرته، متسلحا بانتصاره في مفاوضات 5+1 النووية. كحال الوفد السوري، لم ترق المبادرة للسيد حسن نصر الله، لا بتوقيتها ولا بنودها وظروفها... وهو العارف بدقائق الأمور وتفاصيل الميدان في الساحة السورية... أكثر بكثير من الوزير الذي لم يزر سورية الا مرتين أو ثلاثة منذ توليه مهامه قبل أعوام... لقد إستهلكت المفاوضات النووية كامل وقته وجهده تقريباً... خصوصاً وأن خادم آل سعود، علوش، يقصف دمشق.
ولم يكتف السيد حسن بابداء رايه مباشرة للوزير الايراني، ولكنه عبّر عن إمتعاضه علنا عندما نطق إسمه في خطابه الأخير "الوزير زريف". ولا اعتقد ابدا ان هذا الوصف جاء صدفة او عفوا، انه رد الفعل الطبيعي عندما يفاجئنا الحليف بتصرف يقدم فيه نفسه على أنه محايد. تواضع الوزير ظريف قليلا حتى أنه قال عن انجازه الابرز، الاتفاق النووي لجريدة السفير: برأينا أن الموضوع النووي كان شأناً هامشياً وقد تمّت معالجته، لكنّ الشيء الحقيقي والأساسي يتعلّق بهذه المنطقة بالذات، ونحن نرغب في الواقع بالتّعاون وببذل المساعي من أجل خير هذه المنطقة وشعوبها.
الاربعاء 12/8، يسافر ظريف الى دمشق، وكان باستقباله صواريخ وقذائف ال سعود عبر اداتهم زهران علوش تنهال على دمشق، صحيح ان هذه الصواريخ تحمل عددا من الرسائل مثل: إظهار الصلابة والقدرة على الإستمرار بالمواجهة بالرغم من محاولات فتح قنوات إتصال مع القيادة السورية –لقاء مملوك سلمان- وأن كل الخيارات ما زالت مطروحة على الطاولة بما فيها التصعيد الاجرامي تجاه المدنيين. ايصال رسالة بالنار لوزير الخارجية الايراني مفادها أن العاصمة دمشق لن تكون تكون آمنة إلا عندما نريد، وأننا قادرون على فرض ايقاع الحياة السياسية واليومية فيها كما نشاء. رسالة الى من يعنيهم الأمر، نحن موجودون في دمشق، إن غبنا بالسياسة فنحن قادرون على الحضور مادياً وسياسياً بالنار. نحن قادرون على ترجمة تصريحاتنا، وتنفيذ تهديداتنا، وما هذه الصواريخ والقذائف الا الترجمة العملية لذلك. ومحاولة من زهران علوش تخفيف الضغوط المتصاعدة عليه في الغوطة، حيث الاتهامات بالسرقة والاحتكار والفساد والظلم... . ومعلوم بأن تطهير الزبداني بات محسوماً وخلال ايام معدودة... وهكذا يصبح الحديث عن فتح جبهات جديدة، وتحديداً في دوما أمر متاح، وما هذه القذائف الا رسالة تحذيرية من الاقدام على هذا الخيار... لكن الرسالة الاساسية كانت صدى لما قاله الجبير في موسكو لاحل سياسي في سوريا الا برحيل الاسد عبر القتال والعمليات العسكرية، او باتفاق سياسي. كما الروس، إقتنع الوزير الإيراني بأن الحل ما زال بعيداً، والتصعيد هو الخيار السائد حاليّاً.
في موسكو ترسخت القناعة بأن الرؤية السورية لطبيعة الصراع هي الأدق، وأن إقامة "تحالف بوتين" لمكافحة الارهاب لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يكسر مشروع واشنطن-الرياض-تل ابيب-انقرة؛ بحيث لا يبقى أمامهم من طوق نجاة إلا بالرضوخ لمطالب موسكو ودمشق وحلفائهما. اتخذت القيادة الروسية قراراً استراتيجياً بكل ماللكلمة من معان، ويشبه الى حد بعد ذلك القرار اتخذه الزعيم السوفيتي الكبير اندربوف حيال الراحل العظيم حافظ الأسد: لن نسمح بسقوط الاسد. اتخذ القرار على اعلى مستوى، يجب دعم صمود الرئيس بشار حافظ الاسد وحكومته بطريقة حاسمة وقاطعة، تخبر العالم اجمع ان الرئيس الاسد باق ولن يرحل، ومصيره يحدده الشعب العربي السوري وليس احد اخر في هذا الكون، وان أي التصعيد في الضفة الاخرى لن يقابل الا بالتصعيد، ولن نسمح لـ"غبي عاهر" ومن خلفه بتهديد مصالح موسكو. فكان قرار بارسال ستة طائرات ميغ-31 - وهي ذات الطائرة التي قال عنها اسحق شامير لو ان لدي ثلاث طائرات ميغ 31 لكانت كفيلة بحماية اجواء "اسرائيل"- الى سورية، يقودها طيارون روس وعبر التحليق باجواء المنطقة من روسيا حتى سورية، ليرى العالم ويسمع الرسالة الروسية... وفي نفس اليوم تعلن المانيا بأنها ستسحب بطارات الباتريوت التي بعثتها الى تركيا قبل عامين ولن تمدد بقائها هناك، وتلتها أمريكا مباشرة باعلان الأمر ذاته... ليتركوا أردوغان وحيداً عارياً وأحلام المنطقة العازلة. كانت الرسالة الروسية اوضح من ان لا ترى، واقوى من ان لا تفهم، واقسى من ان لا تدرك، حتى بالنسبة الى حليف مثل ايران ورحاني-ظريف. هذا زمن الميدان وليس المبادرات، وهذه لحظة الموقف الصارم والشراكة في الميدان وليست لحظة التفاهمات، او هكذا يريدها اعدائنا، وإن كان ولا بد من المبادرات فلتكن مصحوبة باظهار عناصر القوة. لذلك أعتقد بأن الخطوة التالية ستكون إيرانية، ولن تتأخر حتماً إيران الامام السيد علي الخامنئي والجنرال قاسم سليماني عن مواجهة باتت أقرب من أي تسوية. مواجهة، كلما تقدمنا نحوها بعزيمة وثقة، تراجع الأعداء، وبادروا للبحث عن تسويات.
أيام ستغير وجه المنطقة
2015-08-18