2025-06-18 09:03 ص

السقوط في فخ الضبع " الشرق الأوسط الجديد "

2015-08-19
بقلم: بطرس الشيني*
حظى " الضبع" بأسوأ سمعة وأشنع وصف لدى البشر لأنه وفق قانون الغابة يشذ عن كل المفترسات في مملكة الحيوان التي تأكل فرائسها بعد قتلها إلا الضبع الذي ينهش فريسته وهي حية وإضافة إلى توحشه الكبير يكاد ينافس الخنزير بقذارته .... وقد صنع البشر عدة أدوات لصيد الوحوش المفترسة وتم تخصيص الضبع بفخ كبير وصلب لا فكاك منه في حال من الأحوال ... وحشية الضبع تشبه في بعض جوانبها وخاصة " النهش" " وأكل الفريسة على قيد الحياة " تشبه وحشية بعض البشر عبر التاريخ وإن كانت تبدو نسبياً غير ذات تأثير مقارنة مع الكوارث التي يصنعها البشر والمعروف أن القاتل الأكبر لجنسه من بين جميع الكائنات الحية على وجه اليابسة هو الإنسان فالضبع يقتل بالغريزة ليحافظ على نوعه فيما معظم القتلة من البشر يحتاجون إلى قرون من التطور " الأخلاقي " ليصلوا إلى مستوى الضباع . كانت معظم شعوب الأرض دوماً عرضة للمكائد والوقوع في مصائد الدول الأقوى والامبراطوريات وربما كانت المنطقة العربية إحدى أكثر المناطق عرضة للسقوط في فخ الضبع نظراً للخلل المتجذر لدى معظم قادتها وللثقافة الاجتماعية المشوهة والمليئة بالألغام المتنوعة التي بإمكان الأجنبي تفجيرها حيث وكيف شاء بما يخدم مصالحه وإذا أخذنا حوادث القرن الماضي التي مرت على المنطقة لاكتشفنا كيف كانت شعوب المنطقة دوما ً عرضة للأذى بسبب سقوط بعض قادتها في فخاخ لا فكاك منها... بعد السقوط في حفرة عميقة أبعدت العرب عن الحضارة حوالي تسعمائة عام مضى قسم منها في حروب متلاحقة للسلاجقة والصليبيين والمماليك والمغول والتتار واختتمت بأربعمائة عام من التسلط العثماني الهمجي حطم فيها القيم والمفاهيم الحضارية وأبعد القوم الذين أنجبوا ابن سينا وابن رشد وجابر بن حيان والأدريسي والخوارزمي وابن النفيس أبعدهم إلى خارج إطار الحضارة وأعادهم إلى قبائل متناحرة انتهت الحفرة الفخ بقدوم متسلط محتل مثقف أدهى وأخبث يستخدم الأسلحة الحديثة والمكائد والمصائد المبتكرة فأوقع الثنائي المخضرم سايكس بيكو الممثل لأعتى إمبراطوريتين في ذلك الزمن أوقع قادة العرب في مصيدة كبيرة الطعم فيها كان الحرية والاستقلال وتم جذب العرب إلى تجمع قومي العنوان هو جامعة الدول العربية لتكون أكبر مؤسسة من صناعة بريطانية في المنطقة لتجذير وتمكين التجزئة والتفرقة وبيت للنفاق العربي الرسمي . وفيما سقط بعض الحكام العرب في فخ المؤامرات البينية والمكائد والخداع زاد ضعفهم وأصبحوا أكثر طواعية للمخططات الخارجية بما يخدم في نهاية الأمر سياسة إسرائيل التوسعية وقسم الغرب عرب المنطقة إلى ثلاثة أنواع / عرب متشددون ويقصد بهم هؤلاء الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية /عرب معتدلون وهم الذين وقعوا اتفاقيات معلنة أو غير معلنة مع إسرائيل أو يقفون بشكل غير مباشر مع سياساتها / عرب على الهامش وهم من تلك الدول التي لا ثقل اقتصاديا ً أو سياسيا ً لها .. وقد حظي الغرب دوما ً بعملاء من مستوى رؤساء وملوك وأمراء كحال القوتلي والشيشكلي وحكومة الانفصال في سورية وحال معظم أنظمة الحكم و الملكيات الفردية المطلقة في المنطقة العربية . ولكن يبقى " فخ الضبع " الأكثر سطوة هو ما صنعته أمريكا مع نظريتها " الشرق الأوسط الجديد " ومفاعيلها الجانبية الدموية التي قسمت العرب أيضا ً إلى ثلاثة أقسام دول ضحايا للإرهاب وأنظمة داعمة للإرهاب بغطاء أوروبي أمريكي ودول لا وزن اقتصاديا ً أو سياسيا ً لها وهي غالبا ً مؤيدة للفريق الثاني . فخ الشرق الأوسط الجديد الذي أودى بعشرات الآلاف من البشر في هذه المنطقة والذي لحظ تفتيت كيانات سياسية وتهجير اثني وطائفي وديني لشعوب المنطقة إثر مذابح رهيبة تمت وتتم بأيد عربية وأوروبية عبر التنظيمات الإرهابية هذا الفخ المحكم أطبق في نفس الوقت على الحكام العرب الذين أيدوا الإرهاب بشكل عملي وعلني . هؤلاء سيصبحون أكثر طواعية للغرب وتهمة تأييد الإرهاب جاهزة للتطبيق على أي واحد فيهم وهي موثقة بالتصريحات والأفلام الوثائقية .. وكل واحد من هؤلاء سيلاقي مصير صدام حسين في حال خالف الإرادة الأمريكية ، فصدام كان يحظى بدعم الغرب ومعظم حكام العرب في حربه ضد إيران والأكراد وزاد دعم هؤلاء له حتى بعد استخدامه السلاح الكيميائي لإبادة بلدة حلبجة الكردية لم تتم إثارة المسألة إلا بعد أن أوقعت أمريكا صدام في فخ غزو الكويت وحاربته وعندها فقط "اكتشفت" أمريكا والغرب ومجلس الأمن والأمم المتحدة أن صدام استخدم السلاح الكيميائي وكانت حجة للتفتيش عن ما سمي أسلحة الدمار الشامل وما تلاه من كوارث أدت لمقتل ما يزيد عن مليون عراقي بشكل مباشر أو غير مباشر.
* صحفي سوري

الملفات