مؤخراً تزايدت التكهنات عن حصول تغير في الموقف الروسي تجاه سورية، وصولاً إلى حد القول عن موافقة موسكو على التخلي عن حليفها الرئيس الأسد لمصالح لها مع الولايات المتحدة ودول أخرى، وتعززت تلك التكهنات بحديث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو أثناء زيارته الأخيرة، مؤكداً على الموقف السعودي المتشدد تجاه الأسد، من دون أن ترد موسكو حينها، إضافة إلى استضافتها أطرافاً مختلفة من المعارضة السورية، تمهيداً لعقد مؤتمر جنيف3 في موسكو، والسؤال هنا: هل فعلاً ستتخلى روسيا عن الأسد قريباً؟.
لا شك بأن سورية تمثل نقطة ثقل مهمة في سياسة روسيا التي تسمح لها بالعودة إلى الساحة الدولية كلاعب فاعل ومؤثر، فسورية بالنسبة الى روسيا هي واحدة من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط، إذ ترى أن سورية هي حجر الزاوية للأمن في الشرق الأوسط، وإن عدم الاستقرار أو الحرب سيؤدي الى زعزعة الاستقرار حتماً في الدول المجاورة، مما قد يؤدي الى فوضى حتمية في المنطقة بأسرها، ويشكل ذلك تهديداً حقيقياً للأمن الإقليمي ككل.
يبدو أن الروس يزيدون من تمسكهم بالرئيس الأسد اليوم أكثر من أي وقت مضى، والدليل على ذلك أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يقول في مؤتمره الصحافي مع نظيره الإيراني إن موسكو "لم ولن تغير مواقفها التي أعلنتها منذ بداية الأزمة في سورية"، وشدد على رفض بلاده " إشتراط خروج الأسد أو تنحيه في نهاية الفترة الإنتقالية "، مبيناً بأنه من يريد التأكد من ذلك فعليه العودة إلى البيانات واللقاءات السابقة منذ بداية الأزمة، سيلاحظ بأن روسيا لم تغير مواقفها، وأنها متمسكة بتنفيذ مبادىء مؤتمر جنيف1، التي أعلنت في 30 يونيو 2012، والتي تنص أن حل الأزمة في سورية لا يمكن إلا بالمفاوضات المباشرة بين حكومة الجمهورية العربية السورية والمعارضة التي تمثل كافة أطياف ومكونات الشعب السوري، وأن أي حل يجب أن يتم على أساس التوافق المتبادل بين الحكومة ومعارضيها، بمعنى إن الموقف الروسي من تسوية الأزمة السورية لم يتغير وهو يكمن في ضرورة أن يقرر الشعب السوري مستقبل بلاده على أساس بيان جنيف دون أية تدخلات خارجية أو فرض سيناريوهات مسبقة.
وفي الإتجاه الآخر أكد الوزير لافروف، أن أي ضربات عسكرية أمريكية في سورية تستهدف الجيش السوري ستعقد جهود محاربة الإرهاب، وستؤدي الى زعزعة الاستقرار في سورية والمنطقة بأكملها، وأوضح بأنه من غير المجدي إرسال القوات المدربة من قبل الولايات المتحدة إلى الأراضي السورية، مشيراً أن روسيا تعارض مثل هذه المبادرة، وأن خطر تنظيم داعش، هو الخطر الرئيسي في سورية، وهذا هو السبب الذي يجعل موسكو تساند وتدعم سورية.
في سياق متصل تستمر روسيا تسليح سورية وقد تسلمت خلال الآونة الأخيرة العديد من الصواريخ من طراز "كورنت 5" المتطورة كما تسلمت مدفعية ميدان روسيا من عيار 130 ملم ضمن خطة التسلح التي تم توقيعها منذ 3 أعوام بين روسيا وسورية، فإستمرار روسيا في تسليح سورية وتسليمها هذه الطائرات والصواريخ يحمل في طياته العديد من المؤشرات والدلالات وينبئ باستمرار الدعم الروسي للقيادة السورية، في رسالة واضحة من روسيا لكل المعنيين بالملف السوري حول العالم.
هنا لا بد من القول بأن القوى الغربية وبعض الدول العربية خسرت رهانها على إسقاط النظام السياسي في سورية وإنهاك جيشها وتقسيمه على النحو الذي جرى في جيوش العراق وليبيا واليمن بفعل ثوراتها، بل على العكس فقد استمر تماسك الجيش السوري، و تطورت قدراته القتالية، وكانت صفقة الأسلحة الروسية الأخيرة إحدى مظاهر هذا التطوير، حيث دخلت سورية وروسيا مرحلة بناء إستراتيجية جديدة في المنطقة كون كل منهما يحتاج للآخر، فضلاً عن أن قوة العلاقة بينهما يعطي لأمريكا وحلفاؤها رسالة قوية بأن سورية لديها علاقة متنوعة مع الدول الكبرى.
كما شهدت الأسابيع الماضية عدة مبادرات، روسية وسعودية وإيرانية، لحل أزمة سورية، فيما شهدت المنطقة حراكاً دبلوماسياً تمثل في زيارة وزير الخارجية وليد المعلم إلى كل من عمان، وإيران، فيما زار وزير خارجية ايران ظريف دول على علاقة بالأزمة السورية أيضاً، علاوة على زيارة وزير خارجية السعودية الجبير لموسكو، ومن قبلها الإجتماع الثلاثي الذي جرى في الدوحة بين وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية، تلك الجولات والمباحثات، قد تسهم في حلحلة الأزمة السورية.
مجملاً.... يتسم موقف روسيا تجاه الأزمة السورية بالتصلب الشديد، فالمسألة السورية هي في واقع الأمر عنصر هام للإستراتيجية السياسية الداخلية للرئيس بوتين، ومن هذا المنطلق يوجه الكرملين سياسته تجاه سورية، والتي لربما تسهم إنتصار السياسة الخارجية الجديدة لروسيا في إنبثاق عالم جديد, قائم على التعددية القطبية وإنهاء نظام القطب الواحد في العلاقات الدولية، وأن المرحلة الحاسمة لا بد بأنها قادمة ويبقى الخلاف حول توقيت تلك اللحظة، وبإختصار شديد يبدو أن روسيا ستظل داعمة لنظام الأسد إلى نهاية المطاف، لطالما ساندته خلال الأزمة بكافة أنواع الدعم خشية إنهياره، وقد أخطأ من اعتقد أنها ستتنازل عنه كشرط مسبق لتسوية الأزمة السورية، لهذا فإن روسيا وحتى إشعار آخر لن تتخلى عن الرئيس الأسد، لا سيما مع إدراك حجم التعقيدات والمداخلات والتحديات الكامنة في المنطقة.
*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق
khaym1979@yahoo.com