من جنيف1إلى جنيف3 ما الذي تغير ..؟
فأعداء سورية هم أنفسهم, و اللاعبون الدوليون أنفسهم, و الإرهاب نفسه, و الوجوه نفسها.. ما الذي حصل و أوهن عضلاتهم, وجعل الشحوب يغطي وجوههم..!؟.
أين ذهبت كلينتون و أمير قطر , و حمده بن جاسم , و بندر السعودية ..؟ أين اختفى " أصدقاء سورية " ..؟ و ماذا حل بمرسي مصر و مرزوقي تونس ..؟ لماذا خفت صوت أردوغان ..؟ أين ملك الأردن , و ملك السعودية وولي عهده ..؟ أين العدو الإسرائيلي , ألا زال يفكر بالصواريخ السورية , و صواريخ المقاومة..؟ أين رحل الغليون و الكيلو و العرعور ..؟ أين " المجلس الوطني " و " الإئتلاف " و " المعارضة المعتدلة ", هل لا زال البحث عنها جاريا ً..؟
من هي تلك الوفود و الشخصيات التي تزور دمشق ليل نهار, في السر و العلن.. ؟ هل حقا ً أعادوا فتح بعض السفارات..؟
حتى الخارطة الميدانية .. إرهابيون يُقتلون , و منهم يفرون , مناطق و قرى و بلدات تعود إلى حضن الوطن ..؟
هل جن العالم, أم أن زلزالا ً قد أصابه..؟
نعم لقد أصابهم الزلزال السوري ثلاثي الأبعاد , للجيش العربي السوري و الشعب الصامد , و القيادة الحكيمة .
هل تراهم يبحثون بجدية و صدق عن الحل السياسي عبر بنود مؤتمر جنيف1..؟
أرادوا تغيير موازين القوى.. فتغيرت , و تغيير خارطة العالم و المنطقة .. فقد أصبحت ملامحها واضحة , و بالعرف السياسي و الدولي و منطق الحروب, فالمنتصر هو من يفرض شروطه.. نعم ... يمكنكم رؤية سورية تفعلها.
لقد كانت سورية أول من طرح الحل السياسي الحقيقي , و قدم الرئيس بشار الأسد الرؤية السورية الضامنة لثوابت الدولة السورية و تطلعات شعبها نحو المستقبل , و ها نحن اليوم و بعد سنوات نرى العالم يخضع و يرضخ و يقترب شيئا ً فشيئا ً منها , لكن صعوبة و مرارة الإعتراف بالفشل و الهزيمة و تحمّل نتائجها , دفع البعض لإطالة زمن الحرب إما بحثا ًعن تحقيق بعض المصالح و الأهداف و الأدوار السياسية الجديدة , أو بحثا ً عن حفظ ماء الوجه , أو حفاظا ً على الوجود و البقاء كالنظام السعودي و طيب أردوغان .
لقد وضعوا سورية بين فكي كماشة , فالإرهاب من جهة , و مخططاتهم الإستعمارية و التقسيمية و تدمير الدولة السورية , من جهة ٍ أخرى .
لكننا اليوم نرى تبدلا ً في النتائج و المواقع.. فأصبحوا هم من يقبعون بين فكي كماشة انتصارات الجيش العربي السوري , و مواجهتهم الإرهاب في دولهم و في شوارع مدنهم , و غرق بعضهم الاّخر في مستنقعات غطرستهم و حقدهم و قصور نظرهم .
لقد بلغت الدولة السورية حدا ً من الثقة و القدرة التي سمحت لحلفائها بلعب أدوار ٍ سياسية هامة , تجلت في مبادرات و مجموعة أفكار , تجري مناقشتها مع جميع الأطراف , و تعمل على جلبهم إلى طاولة الحل في جنيف3 , وفق ثوابت الدولة السورية المنتصرة .
وحدهم الأغبياء الذين لا يزالون يعيشون وهم رحيل الرئيس الأسد , و تسليم السلطة لأعداء الوطن و الشعب , عبر تمسكهم ببند ٍ وحيد من بنود جنيف1 و تشكيل هيئة حكم إنتقالي , الذي فقد كل مبررات وجوده أصلا ً , كما بدا واضحا ً في كلام الجبير في لقائه مع الوزير لافروف في موسكو , في موقف ٍ يعكس غيبوبة المملكة , و خوفها من غضب " شقيقتها إسرائيل " .
فالمبادرة الروسية على المستوى الداخلي , ركزت في أساسها على تأكيد الثوابت السورية, في ضرورة بقاء الرئيس الأسد , و بتشكيل حكومة وطنية موسعة تضم المعارضة الوطنية , و إجراء انتخابات برلمانية برقابة دولية , و الإلتفات إلى إعادة الإعمار .. و تبقى مكافحة الإرهاب و وقف الحرب أولوية الدولة السورية.. أما على المستوى الخارجي فتعمدت ضم السعودية و تركيا و الأردن إلى سورية للتحالف معها في مكافحة الإرهاب , فيما أخذت على عاتقها , مهمة تقريب وجهات النظر , و إقناع من لم يقتنع بعد بالحل السياسي , و ضفر جهودها مع جهود كل عاقل ٍ , بالتفاهم و التنسيق مع القطب الاّخر - اللاعب الدولي الأساسي - حاملة معها مجموعة أفكار و حلول و سلالم صغيرة , تساعد معتلي الأشجار على النزول .
إذ يمكن للولايات المتحدة الأمريكية و روسية, أن يتعاونا على تخفيض منسوب الرعب السعودي – الخليجي من الجار الإقليمي النووي الإيراني, و إيجاد حل ٍ و مخرج ٍ لائق لوقف الحرب في اليمن, و تبريد الصراع على العرش السعودي.
كما يمكن للسلالم الدولية أن تقنع أردوغان بالنزول أيضا ً, و قد تلجأ بعض الدول إلى ما هو أبعد من انسحاب ألمانيا من منظومة الدفاع الصاروخي للناتو, وعدم تمديد واشنطن تواجدها الصاروخي فيها, في خطوة ٍ تؤدي إلى حرمان تركيا من حماية الحلف الأطلسي .. إذ يشكل وصول طائرات الميج 31 الروسية إلى سورية , و وصول صواريخ S300إلى إيران , رسائل هامة للوالي العثماني المريض , الغارق في ورطة عدم قدرته على تشكيل حكومة للبلاد , و اتجاه البلاد إلى انتخابات برلمانية مبكرة , وسط فوضى الإرهاب الداعشي الضارب في العمق التركي , و تردي علاقاتهما لدرجة تهديد التنظيم بغزو اسطنبول , ووصف أردوغان بالخائن .
و تبقى الدولة السورية ثابتة ٌ في حربها على الإرهاب , و عينها على مدى نجاح الدول الكبرى و مجلس الأمن و الأمم المتحدة في تظهير ميلهم و رغبتهم في إنهاء الحرب , عبر التوافق الدولي و إجماع دول مجلس الأمن في بيانه الأخير الذي أيد مبادرة دي ميستورا لحل الأزمة السورية , عبر بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف , و التي ستركز عملها على أربعة مجالات هي:
1- السلامة والحماية..بما في ذلك إنهاء الحصار وضمان وصول المساعدات الطبية.
2- المسائل السياسية والدستورية..مثل إنشاء هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات.
3- المسائل العسكرية والأمنية..بما في ذلك مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار.
4 -المؤسسات العامة والتنمية..مع التركيز على إعادة إعمار البلاد.
في الوقت الذي كشف ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية عن بدء التحضيرات العملية لمؤتمر جنيف3 , و اللقاءات التفاوضية , و التي تحتاج إلى توفر الإرادة السياسية و الصبر و الوقت
فيما فاجئ ديمستورا السوريين , عبر مواقف منحازة , تصل لحد الوقاحة إذ تدخل بالشأن الداخلي , و تحدث بلسان غيره و بلغة عدائية , مما استدعى ردا ً قاسيا ً لوزارة الخارجية والمغتربين , أكدت فيه إصرار المبعوث على الابتعاد عن الحيادية , والموضوعية والحقائق , و تعاميه عن إدانة و رؤية ممارسات المجموعات الإرهابية المسلحة على مدن حلب واللاذقية ودرعا وقطع المياه والكهرباء عن مدينة حلب لأسابيع طويلة والمجازر التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية كـ " داعش وجبهة النصرة " وباقي تنظيمات القاعدة في سورية.
فيما تراقب الدولة السورية الحراك السياسي الحاصل , تقوم بوضع نقاطها و خطوطها الحمراء على كافة المسارات , و تطلق ثوابتها و مواقفها عبر تصريحات وزير الخارجية و نائبه فيصل المقداد ووزير الإعلام من طهران , لتضمن عدم هدر المزيد من الوقت , أو العبث بملفات مؤتمر جنيف القادم , ليكون فاعلا ً و ذو قيمة و نتائج إيجابية تصب في صالح الوطن .
إذ أكد الوزير المعلم أن "لا مبادرة مكتملة حتى الساعة لحلّ الأزمة السورية، بل أفكار إيرانية , و روسية تمّت مناقشتها مع الجانب السوري " , و أعلن الثوابت السورية من أيّ مبادرة، في حفظ سيادة الدولة على كلّ أراضيها، و الحوار الحصري بين السوريين وبلا شروط مسبَقة، وتحكيم الشعب بالاستفتاء على أيّ اتّفاق يحصل , ولفت إلى إنّ "أعداء سوريا مأزومون، ولِذا بدأوا يحاولون إيجاد الحلول، إلا أنّهم لم يهزموا بعد، وبالتالي لم يصلوا إلى مرحلة الخسارة، ولذلك ستستمر الحرب إلى أن يقتنعَ الأميركي ومن بعده بالحلول" .
فيما أكد وزير الإعلام أن السوريون متمسكون برئيسهم وببلدهم وبكل شبر من أرض بلدهم ولا وجود لأي منطقة آمنة في الشمال أو في الجنوب وأن سورية لن تسمح باقتطاع أي شبر من أراضيها – و بحسب قوله - " ولو قاتلنا الدهر كله ".
فيما كشف نائب وزير الخارجية فيصل المقداد عن وجهة النظر السورية للحل على ثلاث مراحل :1- محاربة الإرهاب , 2- - صياغة ميثاق وطني , 3- - تشكيل حكومة مؤقتة وتحديد مهامها وعودة المهجرين والنازحين إلى سورية .
كما تلقف رئيس المجلس البرلماني جهاد اللحام الرسائل المصرية , لدى استقباله وفد الإعلاميين المصريين في دمشق , الأمر الذي عكسه وزير الخارجية المعلم مرحبا ً بكل مبادرة ٍ عربية تسعى لوقف سفك الم السوري , مما يساعد مصر على لعب دور ٍ إيجابي يليق بحجمها العربي و الإقليمي .
جهود ٌ دبلوماسية جبارة تبذلها الدولة السورية , بالتوازي مع جهود المؤسسة العسكرية , لمحاصرة " الأزمة " و مفتعليها , و العمل على إيقاف الحرب و تطهير الأرض السورية إلى آخر شبر ٍ من ترابها من رجس الإرهاب و الإرهابيين .
فالنصر السوري.. نصر ٌ للعالم و للإنسانية جمعاء .
من جنيف 1 إلى جنيف 3 .. ترويض ٌ تركي و سلم النزول السعودي
2015-08-20
بقلم: ميشيل كلاغاصي