2025-06-18 02:15 ص

مصير الأسد .. يقرره الأسد

2015-08-22
بقلم: سامي كليب
في معلومات دقيقة من موسكو ان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير اقترح في زيارته الأخيرة الى روسيا حلا اعتبره مقبولا للوضع في سورية. 
قال في الجلسات المغلقة: " نقبل ببقاء الرئيس بشار الأسد فقط حتى انتهاء المرحلة الانتقالية ". بالرغم من هذه المرونة السعودية التي تخللها تسريب معلومات عن زيارة اللواء علي المملوك الى الرياض، كان الرد الروسي نفسه: «ان هذا الامر مرهون لارادة الشعب السوري هو الذي يقرر دون تدخل خارجي وروسيا لن تقبل بتكرار مأساتي ليبيا والعراق «. عاد الجبير ليقول علنا " سندعم الجيش السوري ومؤسسات الدولة لكن بعد رحيل الأسد «. اللافت ان السعودية اعتبرت طويلا الجيش السوري مجرما فماذا تغير؟
كان في ذلك محاولة لأغراء الروس والقول ان رحيل الأسد لن يؤدي الى تدمير مؤسسات الدولة والجيش كما حصل في العراق وليبيا. رحب الروس بحرصه على الجيش والمؤسسات لكنهم عادوا ورفضوا أي كلام عن رحيل الأسد. 
عادت أطراف غربية وبينها اميركا تقول للروس والإيرانيين: " لا بأس ان يبقى الرئيس الأسد حتى انتهاء المرحلة الانتقالية وانتهاء الحوار بين السلطة والمعارضة وفقا لجنيف 1 «. وتم تغطية ذلك في الاعلام بتصريحات علنية سعودية ودولية تقول ان لا مكان للرئيس الأسد. هنا أيضا رفض الروس وقالوا " الشعب يقرر ما يريد «. أعقب الرفض الروسي قصف كثيف لدمشق قبل أيام من قبل مجموعات تعتبر محسوبة على السعودية.
 جاء الرد عسكريا وسياسيا على نحو لافت. أحكم الجيش السوري وحزب الله وحلفاؤهما القبضة على الزبداني التي باتت في حكم الساقطة عسكريا، وعقد وزيرا خارجية روسيا وايران سيرغي لافروف ومحمد جواد ظريف مؤتمرا صحافيا في موسكو قالا فيه بوضوح: " لا نقبل بان يكون رحيل الأسد شرطا مسبقا، وان الشعب السوري هو الذي يقرر بدون أي تدخل خارجي ..... "
 منذ 4 سنوات يقول الروس والايرانيون ذلك. فلماذا يرفض الآخرون ذلك ويستمرون بدعم المسلحين؟ السبب بسيط وفق تسريبات بعض المصادر الروسية في اعقاب اللقاءات مع الاميركيين: ثمة خشية فعلية من انه لو جرت الانتخابات برعاية دولية وبمراقبة دقيقة في سورية ان يفوز الأسد بنسبة جيدة. شعبيته تزداد، ومعظم اللاجئين يعيشون في المناطق التي تسطير عليها الدولة، والرواتب والخدمات مستمرة بالرغم من الوضع الاقتصادي.
لذلك فان المحور المعارض له يؤكد دائما على ضرورة رحيله قبل التسوية السياسية. أي باختصار على عدم ترشحه للانتخابات المقبلة ......
في الواقع لا يمكن فهم هذا التشدد الروسي الإيراني سوى بأمرين مهمين، أولهما ان مصلحة طهران وموسكو ببقاء النظام السوري وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد هي تماما كمصلحة الرئيس الأسد بالتحالف مع الدولتين. هذا محور متماسك ولا يمكن لاي ركن فيه ان ينحسب لان في ذلك انهيار لكل المحور. وثانيهما ان الكتلة الرمادية التي لم تكن قد اخذت موقفا بعد لصالح النظام او المعارضة، صارت جميعها تقريبا اليوم مع الجيش والدولة وعلى رأسهما الرئيس بشار الأسد، لأن البديل الواضح عن الدولة هي المجموعات التكفيرية والارهابية ولأن المعارضة السياسية ما عادت تمثل شيئا فعليا على أرض المعركة. ثمة محاولة روسية لإنتاج معارضة جديدة بديلة عن الائتلاف. ألم تلاحظوا الترحيب الكبير والابتسامات من قبل لافروف قبل فترة للدكتور هيثم مناع ورفاقه؟
 لعل أميركا فهمت أخيرا، وفق التسريبات الروسية والإيرانية، ان لا كلام عن بقاء الجيش السوري موحدا ولا عن مؤسسات الدولة بدون الرئيس بشار الأسد. فالرجل صار عنوانا لبقاء الدولة ولكن أيضا لاستمرار المحور. 
حين كانت الدول المعادية للاسد في أوج سطوتها وقوتها على الأرض وفي الاعلام والاقتصاد وفي قلب الجامعة العربية وعلى الحدود وفي مجلس الامن وفي مؤتمرات أصدقاء سوريا الذين لم يبق منهم احد ، لم يسقط الأسد، فكيف بها الآن وسط هذا المشهد الهش : فهذا الخصم الأبرز مثلا رجب طيب اردوغان يترنح منذ فشله في الحصول على الغالبية البرلمانية، وفشله في تشكيل الحكومة وغرق بلاده بالتفجيرات واستئناف القتال مع الكرد، ويعيش أسوأ لحظاته. فان غامر أكثر في سورية بسبب التعنت او بسبب "عبقرية" رفيقه الذي ورطه في كل الازمات احمد داوود اوغلو ، قد يكون في ذلك بداية فعلية لنهاية عهده وحزبه خصوصا ان كل معارضة الداخل ترفض سياسيته السورية والغرب يضغط عليه لوقف دعم التنظيمات الإرهابية . وهذه السعودية غارقة الان بآفة الإرهاب التي يُعلن جزء يسير فقط مما تتعرض له ويتم التغطية على الجزء الأهم . وهذه قطر فضلت الابتعاد عن الصورة والاستمرار بالعمل ولكن بوتيرة اقب بكثير من السابق بعيدا عن الأضواء. وهذه أميركا تتفق مع ايران وتكلف روسيا بتوفير حل سياسي لسوريا. وهذه دول كثيرة عادت تمد الخطوط الدبلوماسية، بينما وزير الخارجية السوري وليد المعلم يوجه رسالة عبر الاعلام المصري للرئيس السيسي ربما قبل استقبال دمشق للسفير المصري. 
قصير النظر من يعتقد ان رجلا غير الأسد في المرحلة المقبلة سيقرر مصير الأسد. هذا واقع السياسات الدولية التي لا تعرف العواطف وانما المصالح. مصلحة العالم في المرحلة المقبلة ان يكون الجيش السوري لاعبا أساسيا ضد الإرهاب وبقاء الدولة والمؤسسات. وهذه كلها مرتبطة بشخص الأسد. لو انهار الأسد او جيشه، لكانت سورية الان متروكة لمصيرها القاتم، منسية كما حال ليبيا والصومال....


عن "الاخبار" اللبنانية