بقلم: سمير الفزاع
الكلام موجه لمن يستحقه، وسيؤلم من يصيبه، وسيستفز من يخاطبه... لكن قوله صار ضرورياً وأكثر، والبوح فيه صار واجباً وحقاً وأكثر؛ حيث ما زال المرجئة يبحثون عن نهاية لحرب شنها العدو لينتصر فيها... مازال عُبّاد المال والنفس والمتع الرخيصة ينتظرون فرجاً من سبب الشدة، وسِعة من عِلّة الضيق، ونجاة ممن عزموا على تسوية الأرض بمن عليها، وحياة من صناع الموت... مازالوا يجاهدون بالدعاء، وينصرون أنفسهم بالهرب من الواجب، ويدحرون العدوان بإدارة الظهر له، ويدرءون الفتنة بالنوم عنها... يخلدون إلى الأرض كالأنعام التي تنتظر ناب ضارية أو سكين غدر أو ساطور "ذباح"... وكان بني إسرائيل بين ظهرانينا، وفي تلافيف جيناتنا، الم تروا كم كان سهلاً ارتماء الكثير منهم علناً بين أحضان شالومي والاسخربوطي وأحلام هرتزل وبن غورين... وآخرون كثر يمارسون ذات الرذيلة في الخفاء. مازال الوطن بمرتبة السوق، عزيز بمقدار ما يعطي، جميل ما كان مربحا، متمسكون فيه طالما القوافل تروح فيه وتجيء، حريصون عليه ما دام التجار والسماسرة يدفعون مقابل بضائعه، عبق طالما رائحة المال تعم بالأجواء، طروب طالما صوت الدرهم والدينار يطرق الأبواب والمسامع، قريبون منه ما استمرت الخانات والدكاكين والحانات صاخبة عامرة... ويله ثم ويله لو توقف يوما عن العطاء، أو أبطات عنه القوافل، أو صار سوقه بلا تجارة وأزقته ودكاكينه موحشة بلا زوار وبلا مشاعل!. يا محيي الدين بن عربي، الم تقل لهم يوماً انتم وربكم تحت حذائي هذا!. لا تأخذكم الصدمة، ولا تظهروا الدهشة... لقد قالها. ما هو وطنكم، ومن هو ربكم؟. وطنكم حيث يزداد مالكم، وربكم من يضاعف دراهمكم، وطاعتكم لمن يُشبع جشعكم... انتم مثل مالكم، تكرهون الضريبة، وتخشون من المشاركة، وتهربون من قعقعة السلاح وساعة البذل والعطاء. ألا ترون كيف صرتم؟ هلّا نظرتم إلى نفسكم ذات نهار، وكيف تبدلت وجوهكم وأيديكم وألسنتكم وقلوبكم وأرواحكم؟ كيف تختبئون خلف أسوار جبنكم وانتهازيتكم حتى بتم وكأنكم تعيشون في جزر معزولة عن الوطن وجروحه وهمومه وآلامه... وفي كل مرة تتقيؤن عذراً أقبح وأحط من الذي سبقه، والقصد واحد، والتفسير واحد، أنكم أنتم وما أنتم عليه.
قلتم لا دخل لنا في هذه الحرب، هي حرب بين سلطة ومعارضة، وأنتم ترون بام أعينكم شياطين الكون قاطبة من غربه وشرقه، تحرك هؤلاء القتلة، وتعينهم على قتل جيشكم وتخريب وطنكم... عن أي معارضة تتحدثون؟ لكن التاريخ يقول بأن هناك رجالاً وقفوا بأسلحتهم البدائية أمام الطيارة والدبابة والمدفع الفرنسي... مع الشهيد يوسف العظمة حتى لا يقال بأن المستعمر احتل دمشق ولم يلق مقاومة... ولم تغريهم وعود المستعمر، وضمانات الغازي، وسلامة أنفسهم وعائلاتهم، وإستمرار تدفق الأموال إلى جيوبهم... وكان هناك أشباه رجال، جعلوا من أنفسهم مطية لغورو، ودواب تجرّ عربته، وقناطر ليعبر على جباههم إلى سورية فيحتلها.
قلتم، لماذا لا يرحل الرئيس الأسد حتى تنتهي الأزمة، وتتوقف الحرب؟ لماذا يريدون للرئيس بشار حافظ الأسد أن يرحل، ألم تسألوا أنفسكم هذا السؤال؟ وإذا ما رحل الرئيس الأسد، من يضمن لكم أن لا يقولوا لمن يأتي بعده، عليك بالرحيل؟ أي وطن هذا الذي يقرر أعدائه أن يرحل رئيسه أو يبقى؟! أي كرامة وسيادة وشرف سيبقى له ولأهله؟! هل ستبقى سورية كما هي؟ الم يصل إلى مسامعكم أن الحكومة التركية جعلت من حلب المحافظة رقم 82 في جمهورية اردوغان النازية؟ الم تروا ذلك "الجدار الطيب" الذي ينشئه الكيان الصهيوني من اليرموك حتى شبعا؟ الم تسمعوا بالمناطق العازلة؟ من يطالب الرئيس بالرحيل هو جزء من مشروع تفتيت وتقزيم وتقسيم سورية، ورأس حربة في مشروع تحويل سورية إلى "جارية" في بلاط العهر الصهيوني-الأمريكي-الوهابي-العثماني، أعلم بذلك أم لم يعلم.
قلتم نريد شرع الله، فعاجلكم إجرام هؤلاء القتلة بشرع شيطاني لا يبقي ولا يذر، يحل ما حرم الله، ويستبيح ما لا يباح. رأيتم الدعارة الموصوفة وقد أصبحت جهاداً، وصمتم. رأيتم إخوتكم في الوطن وقد صاروا عبيداً وسبايا، وصمتم. رأيتم أطفال تذبح وتجز رؤوسهم بالسيوف والسواطير، وصمتم. رأيتم عائلات بأكملها تحرق في الأفران، وصمتم. رأيتم قرى تباد وأخرى تهجر، وصمتم. رأيتم المساجد والكنائس والمقامات تهدم وتنسف، وصمتم. رأيتم شيوخكم ورهبانكم يخطفون ويقتلون ويصلبون وينحرون، وسكتم. حتى الشيخ الشهيد البوطي الذي جاوز الثمانين سنة ينسف في مسجده، وعلى مقعد علمه وفقهه، وسكتم. دعاكم للنفير والجهاد، فقعدتم عنه وعن دعوته، وحافظتم على صمتكم. قولوا لي أي شرع تريدون؟ قولوا ما الذي يخرجكم من صمت القبور هذا، ويعيد إليكم بعض من إنسانيتكم ووطنيتكم ومرؤتكم؟.
قلتم نريد إن نحارب الفساد المستشري، ومنكم جاء المفسدون، وأنتم من يستغل فسادهم ويستفيد منه، ليأخذ ما ليس له، وليقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً. لوموا أنفسكم، وزنوا أفعالكم. الفساد "علاقة منفعة" بين بعض من هم في السلطة وبعض من هم خارجها، تتسع بقدر اتساع من ينتفع بفساد السلطة، وتنحسر عندما نتمسك بالقانون مهما طالت مسالكه، وعندما نتمسك بحقوق الآخرين بقدر تمسكنا بحقوقنا... وعندما نتعلم أن نختار الأفضل ليكون في مواقع التشريع والقضاء والإدارة... لا من يحقق مصالحنا، ويتغاضى عن تجاوزاتنا.
قلتم بأن هناك ضباطا فاسدين ومرتشين، سيضيعون أبنائنا، ويرسلوهم إلى حتفهم بلا طائل. عرفتم عن الفاسدين ولم تعرفوا عن ألاف الضباط الذين يقاتلون مع جنودهم في الصفوف الأمامية! عرفتم عن المرتشين ولم تعرفوا عن مئات الضباط -ومن كافة الرتب- استشهدوا وهم يسابقون جنودهم إلى أعداء الله والوطن! كيف لم تسمعوا عن ضباط لم يروا أهلهم منذ أشهر طوال وبعضهم منذ سنوات؟ كيف لم تروا الضباط الذين يفترشون الأرض مع عناصرهم، ويتقاسمون معهم المحرس والكمين والمربض والدبابة...؟ رأيتم وسمعتم ما وافق هواكم، وأيد موقفكم... فاهنئوا بحجج لا تصل إلى حق، واركنوا إلى شواهد لا تكبت باطل، ومنوا النفس بأوهام لا تأخذكم إلا إلى خراب البصرة.
قلتم أرزاقنا ستتعطل، ومصالحنا ستنهار إن ذهبنا وذهب أولادنا للقتال. وهل بعد ضياع الوطن من أرزاق أو مصالح؟ سيأخذوا ما استطاعوا منها، وسيخربوا ما لم يقدروا على الانتفاع به، وانتم في عيونهم ليسوا أكثر من كفار زنادقة. وزعوا أنفسكم بين يد تديم المصلحة وترعى الرزق، ويد أخرى تحمي هذا الرزق وهذه المصلحة، وأكسبوا شرف الحياة وحسن المنقلب، وحماية وطنكم ومصدر رزقكم.
قلتم هي حرب بلا نهاية، وصراع بلا حدود. من قرر أن يستسلم لخوفه سيخلق ألف عذر، ومن قرر الخيانة سيخترع ألف سبب، ومن عزم على الهجرة سيأتي بألف علّة... لكن القدر محتوم، والعمر مقسوم، ويبقى العمل والأثر والموقف. أنتم قادرون على وضع حد لهذا الصراع، وعلى رسم نهاية لهذه الحرب... ماذا لو نفر من ملايين دمشق فيلق من مئتي ألف رجل بإسم فيلق "يوسف العظمة" ومن حلب مئتي ألف مقاتل في فيلق "أبي فراس الحمداني" ومن حمص مئة ألف في فيلق "خالد بن الوليد" ومئة ألف أخرى من السويداء في فيلق "سلطان باشا الاطرش" ومثلهم من اللاذقية وحماه والقامشلي ودرعا... لتكونوا جيشاً من مليون رجل يكون جاهزا -خلال أشهر معدودة- للقتال وحماية المدن والقرى والمرافق والطرق... ويكون رديفا للجيش العربي السوري في حربه ضد الغزو الوهابي-الصهيوني-الغربي. ألن تضعوا نهاية لهذه الحرب، وتفرضوا حدّ لهذا الصراع رغماً عن كل الدنيا؟ ألن تنقذوا أنفسكم وعيالكم وأعراضكم وخيراتكم وبلدكم؟ ألن تكونا مثالاً لشعب حيّ بسط إرادته على العالم بأسره؟ ألن تسلموا أولادكم راية لا تدانى، ومجد لا يضاهى، وملحمة لا تنسى، وبلد شامخ لا يكسر ولا يثنى؟... سؤال جوابه ملك عقولكم وضمائركم ومروءتكم، وتأكدوا أن وجودكم وهويتكم وحاضركم ومستقبلكم... بل ووطنكم رهن بالطريقة التي ستجيبون فيها على هذا السؤال.
سورية تقول... كلمتها الفصل
2015-09-10