2025-06-17 05:53 م

العربي الثقيل والعربي الخسيس

2015-09-10
بقلم: بطرس الشيني*
" العربي الثقيل " و" العربي الخفيف " نوعان من النفط هما مصدر ثروة العرب الأغنياء واليهما تستند بورصة قيمهم ووزنهم بين شعوب الأرض وليس لأي انجازات حضارية أو فكرية .. وبعد أن كانت الصفات الإنسانية الكريمة هي مصدر فخر القبائل العربية وأهم مايفتخر به الفرد عبر آلاف السنين من التطور الحضاري أصبح النفط والمال هو المعيار الأساس لتحديد القيمة والمكانة خاصة في آخر أربعة عقود ، وبالتوازي مع ذلك سادت مفاهيم شديدة الظلامية لتمجيد الغدر والخيانة والخسة والنذالة ، ومع توفر أموال هائلة وعقلية بدوية قبلية ضيقة تتحكم بها الأهواء وردة الفعل الآنية ، وتبعية تامة للقوى الخارجية تحولت دول بكاملها لأدوات هدم في الجسم العربي ولدعم منظمات إرهابية دولية في حالة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها كشفت بشكل جلي هشاشة الانتماء للحضارة لقسم لا يستهان به من الحكام والمجتمعات العربية . تزخر قواميس اللغة العربية بالمفردات التي تصف بدقة شخصية الإنسان الايجابية ونقيضها السلبية وربما تكون اللغة العربية واحدة من أغنى اللغات بالمفردات التي تصف الحالات الإنسانية او المتأتية عن الإنسان وهذا يعكس بالضرورة حالة الصراع بين ما هو خير وما هو شر عبر حركة التطور الحضاري والفكري بشكل خاص . في الشعر " ديوان العرب " هناك عشرات آلاف القصائد المدونة التي تمجد الشرف والنخوة والكرم والشهامة والايثار والوفاء والصدق والأمانة والعفة والنزاهة والاقدام والشجاعة والعفو والجيرة ..الخ وبالمقابل تصدى الشعراء " ومعظم القوم كانوا فيما مضى يقولون الشعر " تصدوا لتعرية الشخصية السلبية وأدانوا عبر الزمن الغدر والخيانة والخسة والنذالة والبخل والأنانية والحقد والوصولية ..الخ . وضع العرب عبر الزمن أساطيرهم بخاصة حول القيم النبيلة من حوادث فردية أسبغوها على المجتمع وعلى" العرق " وخاصة ما يتعلق بالمروءة والجيرة والشجاعة والكرم .. ويشير ذلك إلى طموح ودأب دائم للوصول إلى صورة أكثر كمالاً للمجتمع في وقت كانت ولاتزال المجتمعات العربية تعاني من حالة تشبه حالة " انفصام الشخصية " بين الواقع والمفترض وخاصة ما يتعلق بالأخلاق ولو كان العرب كلهم كرماء في زمن الطائي وفق أسطورة الكرم المعروفة لما اشتهر الطائي بين قومه لوحده " استعرت الفكرة " ولو كانت الغيرة والشهامة هي مادفعت المعتصم لإغاثة من صرخت " وامعتصماه " ولو كانت هذه الغيرة والشهامة صفة عامة للحكام لمابقي آلاف الضحايا في فلسطين وغيرها يصرخون بلا طائل منذ عقود طويلة وألف معتصماه " دون رد . يختصر نبيل العربي " أمين عام جامعة الحكام العرب شخصية الحاكم العربي في الظروف الصعبة فهذا الرجل الذي يرأس أهم منظمة جماعية عربية وقف ليصرح وبلغة عربية فصيحة تدل على أصله أن أزمة اللاجئين السوريين أكبر من الجامعة العربية ... هذا الرجل الذي بقي متحمساً عبر سنوات الحرب الإرهابية الدولية على سورية لتسليح المعارضة والعصابات الإرهابية الدولية كان مع شركائه من الحكام العرب وجامعتهم أحد المسببين الرئيسيين لتهجير السوريين من بيوتهم ، وكانت مسألة وجود نازحين هي ضمن استراتيجية الحرب الإرهابية على سورية بدليل إقامة مخيمات اللجوء في الأردن وتركيا قبل وقت طويل من وجود أزمة نازحين وهي حالة غير مسبوقة في أية حرب أو نزاع عبر العالم ، وأحدثت الأزمة لاستثمارها سياسياً من أجل إصدار قرارات دولية ووقع ضحية المعاناة وتصديق أكاذيب الحكام مئات الآلاف من السوريين في مخيمات اللجوء تعرضوا لمختلف أنواع الابتزاز والإهانات وخاصة الاستغلال الجنسي وفق ما نقلت محطات التلفزيون مثل BBC–فرانس - العربية – الجزيرة - LPC – م تي في – الحرة – DW- كلها محطات قامت في وقت سابق وما زالت تحرض على العنف والفتنة وتدعم المنظمات الإرهابية إعلامياً ... مع هول معاناة النازحين في الداخل والخارج يقف نبيل العربي ليقول إن الأزمة أكبر من الجامعة العربية .... ليس من المستغرب أن يقول ما قاله فالجامعة فشلت دوماً في أي عمل إيجابي عبر تاريخها ونجحت فقط في المساهمة بتدمير دول أعضاء فيها ، قبل سورية تآمرالعرب عبر جامعتهم لتدمير ليبيا التي مازالت في حرب طاحنة أدت لمليوني لاجئ ومهجر وأنتجت طبقة من الحكام المجرمين المتاجرين بالبشر عبر المتوسط . وفي حرب غزة كان نبيل العربي يموء كقطة مريضة وهو يتحدث باستحياء حول غزة بعد تعرضها لحرب تدميرية أودت بما يزيد عن عشرة آلاف قتيل وجريح معظمهم من المدنيين وتدمير ثلاثين ألف منزل ، عندها انعقد لسان العربي وتبين أن جامعة الحكام العرب لا رأي لها عندما يكون الطرف المقصود هو " إسرائيل" دعم حكام العرب بمليارات الدولارات المنظمات الإرهابية في سورية وتسببوا مع جامعتهم في تشريد ملايين السوريين ولكنهم "وفق التقاليد العربية الواقعية وليس المفترضة " تركوهم يعانون الجوع والألم والموت على شواطئ المتوسط ، لا بل وأرسلوا شيوخهم وعواجيزهم لتصيد الفتيات السوريات الصغيرات السن في مخيمات اللجوء في حالة تمثل أقصى درجات الخسة ... يقول كاتب وسياسي كويتي دفاعاً عن دول الخليج التي لم تستقبل أي مهاجرين إن المعيشة غالية في الخليج :و إن هؤلاء يعانون من أمراض نفسية ....!!!!؟.... هكذا إذاً اللاجئون الذين تم إخراجهم من بيوتهم بأموال الخليج وساسته هم مرضى نفسيون غير مرحب بهم في دول الخليج ... هل هناك صفاقة أكثر من ذلك ... ويضيف نائب كويتي سابق في لقاء مع قناة الحرة يوم الخميس الماضي مخاطباً محاورته في نيويورك : لماذا لا تقوم أمريكا بالضغط على إسرائيل لاستقبال النازحين السوريين ... ربما تصور ذلك النائب أن جميع النازحين السوريين هم من جبهة النصرة المتعاونة مع إسرائيل والتي يتلقى أفرادها المعالجة في مشافيها ... لا نستطيع لوم هؤلاء الذين يملكون الكثير من المال على ما يقولونه فهذه هي حقيقتهم . ولكن يلام الذي لا يستطيع رغم كل المعاناة التفريق بين أن يكون معارضاً وأن يكون عميلاً لدولة أخرى ويخبرنا التاريخ أن العميل يرمى جانباً في كل مرة بعد انتهاء مهمته ... دخل إلى مفردات اللغة العربية في النصف الثاني من القرن الماضي مصطلح " العربي الثقيل " و" العربي الخفيف " وكان هناك منذ زمن طويل مصطلح " العربي الخسيس".
* صحفي سوري

الملفات